وفي الوقت الذي تراهن فيه الولايات المتحدة على لعبة إنضاج الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، لاتفاق يمدد المفاوضات، بناء على فرضية أن كليهما يحرص على تجنب تداعيات الإعلان عن فشل المفاوضات، إرتقى الكباش بين رام الله وتل أبيب، درجة إضافية، مع إعلان الأخيرة إلغاء الإفراج عن الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى الفلسطينيين، التي كانت مقررة وفق التفاهمات التي انطلقت على أساسها المفاوضات قبل نحو ثمانية أشهر.
وتأتي خطوة الاحتلال، بعدما سادت حالة من المفاجأة في تل أبيب جراء توقيع الرئيس محمود عباس وثائق ومعاهدات دولية، وما إن كانت مؤشراً إلى مسار سياسي فلسطيني جديد باتجاه الأمم المتحدة، أو محاولة لانتزاع المزيد من المكتسبات.
وبغض النظر عما جرى تسريبه في وسائل الإعلام الإسرائيلية، كان من الطبيعي أن يجنح تقدير الکیان الإسرائيلي نحو الاحتمال الأخير، انطلاقاً من تصور بأن أبو مازن حريص على مسار المفاوضات، وبالتالي من المستبعد أن يبادر إلى خطوات تفجر المسار السياسي.
لكن، وبالرغم من أن أحد منابع القلق الأساسية يكمن في مفاعيل تبادل رفع السقوف، الذي قد يؤدي إلى تقييد الطرفين عن العودة إلى الوراء، يبدو أن الجانب الإسرائيلي خلص إلى ضرورة الرد بحركة مضادة على خطوة عباس، بهدف إفهامه أن التلويح بورقة الأمم المتحدة سوف تكون له آثار وتداعيات متدرجة، وهو ما أوضحته أيضاً مسؤولة ملف المفاوضات تسيبي ليفني لصائب عريقات خلال لقائهما مع المبعوث الأميركي مارتن إنديك أول من أمس، وبأن لعبة رفع السقوف لتعزيز النقاط، ستقابل أيضا بأوراق مضادة، وفي كلتا الحالتين، إنطلق الإسرائيلي من فرضية كما لو أنه يحاول تجنب خيار الإعلان عن فشل المفاوضات، كذلك لدى الفلسطيني ما يخشاه في هذا المجال.
بناء على ما تقدم، أبلغت رئيس الوفد الإسرائيلي تسيبي ليفني، نظيرها الفلسطيني صائب عريقات تراجع الحکومة الإسرائيلية عن تعهدها السابق الإفراج عن الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى الفلسطينيين، البالغ عددهم 26 أسيراً، رداً على طلب السلطة الانضمام إلى 15 اتفاقية ومعاهدة دولية. وبحسب مصدر فی الکیان أبلغت ليفني الجانب الفلسطيني أيضاً أن أي خطوة أحادية الجانب لن تؤدي إلى تقدم المفاوضات، وحثت القيادة الفلسطينية على التراجع عن قرارها الانضمام إلى المعاهدات الدولية والعودة إلى طاولة المفاوضات.
في المقابل، لفت أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه إلى أن الغاء الاحتلال الإفراج عن آخر دفعة من الأسرى يظهر أن "شروط أي مفاوضات مقبلة (معها) يجب أن تتغير جذريا". وقال عبد ربه في حديث لوكالة "فرانس برس" إن "إسرائيل اعتادت التنصل من الاتفاقات والتفاهمات الموقعة معها، لهذا السبب فإن شروط أي مفاوضات مقبلة إن حصلت يجب أن تتغير جذريا"، مندداً بـ "سياسة الابتزاز والضغوط المستمرة" من جانب الکیان الإسرائيلي.
من جهته، أعلن البيت الابيض أن إلغاء الاحتلال صفقة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين يخلق "صعوبات" أمام عملية السلام. وأوضح المتحدث باسم الرئيس باراك أوباما، جاي كارني، أن "هذا الفشل لن يثني وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن مواصلة حض الطرفين على إيجاد أرضية للتفاهم"، مشيراً إلى أن "أياً من الطرفين لم يقل إنه يريد وقف المحادثات".
وفي هذه الأجواء، رفع الطرف الفلسطيني سقف شروطه لاستئناف المفاوضات، إذ نقلت مصادر فلسطينية أن صائب عريقات ومحمود العالول، تناولا أمام اجتماع لكوادر حركة فتح، يوم أمس، الشروط الفلسطينية لاستئناف المفاوضات، وعلى رأسها الاعتراف بحدود فلسطين على الأراضي التي احتلت عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية، والإفراج عن 1200 أسير، وتجميد الاستيطان في القدس، ولم شمل 15 ألف فلسطيني واحترام السيادة الفلسطينية. وأوضح عريقات أن الوفد الفلسطيني طرح هذه الشروط خلال اللقاء الذي جمعه مع الوفد الإسرائيلي. وكان موقع صحيفة "معاريف"، قد كشف قبل الإعلان عن الموقف الإسرائيلي بإلغاء دفعة الأسرى، أن المستوى السياسي الإسرائيلي الرفيع، يسوده الإرباك إزاء الوضع الذي تبلور، على خلفية عدم فهم حقيقة ما يخطط له رئيس السلطة الفلسطينية، وما إن كان يتجه فعلاً نحو تفجير المسار التفاوضي، أم يريد العودة إلى طاولة المحادثات.
وكان وزير الخارجية الأميركية جون كيري قد طالب في وقت سابق أمس الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بتقديم تنازلات جوهرية، واتخاذ قرارات حاسمة لإنجاز العملية السياسية، محذراً من أن إخفاقهما في إيجاد آلية للحوار بينهما، سيكون بمثابة كارثة عليهما. ودعا كيري زعماء الکیان والفلسطينيين، إلى تولي زمام القيادة الآن. وفي محاولة للتأكيد أن المسارات مرتبطة في النهاية بإرادة الطرفين، برغم الدور الأميركي، إستعان كيري بالمثل القائل "يمكنك قيادة الحصان إلى النهر، لكنك لا تستطيع إجباره على الشرب". ولفت أيضاً إلى أن قدرة الإدارة الأميركية على دفع الجانبين قدماً محكومة بقيود.
مع ذلك، تكهن مسؤولون إسرائيليون وأميركيون بأن فرص تحقيق اختراق منخفضة جداً. ورأى مسؤول أميركي "لدينا فرصة حتى نهاية نيسان لتمديد المفاوضات، لكن الأجواء متعكرة بين الجانبين".
وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم"، أن تقديرات جيش الاحتلال والشاباك تفيد بأنه على الرغم من أزمة المفاوضات السياسية، فإن وقفها ليس من مصلحة السلطة الفلسطينية في المرحلة الحالية. وبحسب التقدير نفسه، فإن أبو مازن تعرض لضغط مارسته عليه القيادة الفلسطينية، وطلبت منه انتهاج خط أكثر تشدداً حيال الکیان، بعدما رأوا أن هناك "فرصة ملائمة لانتزاع تنازلات"، بفعل الخوف الإسرائيلي من تداعيات انهيار العملية السياسية. ولفتت الصحيفة إلى أن الجزء الأكبر من الضغط الذي تمارسه السلطة يتمحور حول قضية الأسرى، التي تحظى بإجماع الشارع الفلسطيني.