ومن بين ما تم الكشف عنه ان أعضاء التنظيم الإرهابي الذين تم القبض عليهم وعددهم 62 ، ينتمون لـ "داعش"، وليس القاعدة أو "جبهة النصرة" !!، بينهم لبناني ويمني وباكستاني، وان 35 سعودياً ممن خضعوا لبرنامج المناصحة الذي يهدف الى تأهيل الشباب الذي اعتنق افكار القاعدة وأطلق سراحهم سابقاً، بين هذه المجموعة، كما تم نقل بيانات 44 متورطاً إلى الشرطة الدولية لوضعهم ضمن قوائم المطلوبين.
الملفت في البيان السعودي الاخير امران، الاول محاولة التفريق القسري بين "داعش" و "القاعدة" و "جبهة النصرة"، عبر التأكيد المتكلف على وضع التنظيم الجديد في خانة "داعش" تحديدا، والثاني وجود 35 عنصرا، اي اكثر من نصف التنظيم، من عناصر القاعدة الذين اُطلق سراحهم من سجون السعودية بعد ان تم اخضاعهم لبرنامج المناصحة.
اولا ، ليس من الصعب الكشف عن السر الذي وراء تأكيد البيان السعودي على ان التنظيم الارهابي الجديد تابع لـ"داعش" وليس القاعدة او "جبهة النصرة"، فالاعلام الخليجي وعلى رأسه السعودي والقطري وكذلك اعضاء الائتلاف السوري المعارض، بدأوا منذ فترة العزف على وتر متهرئ وهو وتر ان "داعش" صنيعة النظام السوري، بعد ان نشب النزاع الدموي بين التنظيمات الارهابية في سوريا على الغنائم ومناطق النفوذ والسلطة، وخاصة بين جناحي القاعدة "داعش" و "النصرة" وباقي التنظيميات الاخرى، لهذا لم يكن البيان السعودي ذكيا وهو يضع عناصر التنظيم الجديد، بهذه الطريقة الفجة والمفضوحة في خانة "داعش" ، لاعتقاده ان بالامكان الاستفادة من هذا التصنيف مستقبلا.
السلطات السعودية تعرف قبل غيرها ان "داعش" هي رأس حربة القاعدة في المنطقة ولا حاجة لسرد الدلائل لتأكيد هذا الامر فهو اوضح من الشمس، وان الخلاف والنزاع بين مجموعات هذا التنظيم الارهابي على حطام الدنيا الفانية !! ، لا يسقط عنها طابعها القاعدي حتى لو اصدرت السعودية الاف البيانات.
ومن اجل الا نمرّ من امام البيان السعودي مرور الكرام سننقل بعض فقرات مطولة من آخر رسالة لزعيم القاعدة ايمن الظواهري الى فرعي القاعدة "داعش" و "النصرة" ، والذي يؤكد قاعدية "داعش" بشكل لا لبس فيه، فالظواهري وفي اطار دعوته لـ"داعش" على التركيز على العراق وقتال "الروافض" !! هناك وترك سوريا لـ"جبهة النصرة" لقتال "النصيرية" !!، يقول في كلمة مسجلة بثتها مؤسسة السحاب التي تعنى بنشر بيانات القاعدة : "أكرر ما طالبتُ به مرارا من قبل أن يتحاكم الجميع لهيئة شرعية مستقلة فيما شجر بينهم من خلاف.. كما أطالب الجميع بأن يتوقفوا عن تبادل الاتهامات والتنابز بالألفاظ وإشعال الفتنة بين المجاهدين في الإعلام ووسائل التواصل، وأن يكونوا مفاتيح للخيرِ مغاليق للشر."
وحول علاقة داعش بالقاعدة، قال الظواهري: "أما الشهادة فهي بشأن علاقة دولة العراق الإسلامية وأميرها الشيخ المكرم أبي بكر البغدادي -حفظه الله- بجماعة قاعدة الجهاد، فأقول مستعينا بالله: هذه شهادة مني أُشْهد الله عليها: أن الدولةَ الإسلاميةَ في العراق فرع تابع لجماعة قاعدة الجهاد."
اما الامر الثاني الذي يجب ان نتوقف امامه، ويستحق ان نتوقف امامه طويلا، هو ان اكثر من نصف التنظيم الارهابي هم من خريجي برنامج المناصحة، وهو برنامج يشرف عليه لجنة من كبارعلماء الدين في السعودية، شكلتها وزارة الداخلية السعودية بهدف نصح وهداية عناصر او مؤيدي تنظيم القاعدة وخصوصا الذين اطلق سراحهم من معتقل غوانتنامو الامريكي وسُلموا للسلطات السعودية.
رغم انه لم يكن مفاجئا فشل لجنة المناصحة في ابعاد الافكار المتطرفة والهدامة والعبثية عن الشباب السعودي المتطرف، الا ان وجود هذا العدد الكبير من الذين قيل انهم تابوا من هذه الافكار على يد علماء الدين في السعودية، جاء ليؤكد حقيقة في غاية الخطورة، وهي ان كل مسعى سعودي لتطهير جزيرة العرب من الافكار الهدامة والعبثية، لا طائل من ورائه ما دامت الوهابية هي الدين الرسمي للمملكة السعودية.
ان من العبث معالجة مرض بالمرض ذاته، وعلى السلطات السعودية ان تتدارك اوضاع البلاد قبل فوات الاوان، وان تركن جانبا سياسة دفن الرأس بالرمال، وعليها ان تعترف ان اساس كل الكوارث التي نزلت بالسعودية والمنطقة والعالم، هوالفكر الوهابي الشاذ والمنافي للفطرة الانسانية والقائم على الغاء الاخر والتكفير والتعصب والجاهلية والطائفية، فاذا اراد زعماء السعودية ان يستأصلوا شأفة القاعدة والافكار المتطرفة في بلادهم عليهم اولا ان يستأصلوا الفكر الوهابي الاجرامي الشاذ من بلادهم، فلا مستقبل للمملكة مع وجود هذا الفكر الظلامي الرجعي الخطير، فالنار الذي اشعلته الوهابية في العالم اجمع ستزحف حتما على ديار السعودية وتجعلها هشيما يوما ما.
ان ما نقوله عن مخاطر الوهابية على الحياة والانسان في كل مكان، ليس من باب التجني على هذا الفكر الشاذ، فقد اتفق جهابذة الامة من علماء ومفكرين وساسة على ان الوهابية اعلى درجات السرطان وانه سيفتك بالامة آجلا أم عاجلا، ولن يعصم السعودية حضانتها لهذا السرطان، ولابد من استئصاله من السعودية قبل ان يتجذر في البلدان الاخرى.
هنا لانريد ان نتناول مواقف وفتاوى علماء الوهابية السخيفة والبعيدة كل البعد عن المنطق السليم، والتي تحولت الى مادة لسخرية الناس اجمعين، الا اننا سنشير الى فتوى حديثة جدا، لها علاقة بموضوع مقالنا هذا، صدرت عن كبير من كبار دهاقنة الوهابية وهو امام وخطيب مسجد في الرياض الشيخ عبدالله السويلم، حيث افتى هذا العبقري بحرمة السفر الى بلاد الكفار، وأن الذهاب إلى الخارج محرّم شرعاً، وان من مات في بلاد الكفار يكون من اهل النار، ويستغرب هذا الوهابي من ذهاب المسلم الى بلاد الكفار ويقول: المسلم مأمور ان يهاجر من بلاد الكفار فكيف للمسلم ان يذهب اليها.
لم يكن هذا الكشف العلمي الخطير هو من بنات عقل سويلم هذا، فالرجل استند في فتواه هذه الى فتوى سابقة للجنة البحوث والافتاء، التابعة لهيئة كبار العلماء في السعودية !!!، حيث افتت فيها بعدم جواز السفر الى بلاد الكفر والدول الاباحية لما فيه من الفتن والشرور ومخالطة الكفار ومشاهدة المنكرات!!.
الطامة الكبرى ليس فيما افتى به الشيخ السويلم، فالعرب والمسلمون اعتادوا عليها منذ زمن، بل الطامة الكبرى تكمن في ان هذا الرجل، صاحب هذه العقلية المغلقة والمتعصبة والمتخلفة، هو عضو في لجنة المناصحة التي شكلتها وزارة الداخلية السعودية لهداية المتطرفين وارهابيي القاعدة وتحريرهم من الافكار الظلامية والضالة والهدامة!!!.
ترى هل ستنجح السعودية بهذه النماذج من علماء الوهابية في مكافحة التطرف ؟، وهل هناك افكار في العالم الاسلامي اكثر تطرفا من الوهابية؟، وهل يصدق زعماء السعودية حقا ان القاعدة هي افكار غريبة عن السعودية وتسللت اليها من الخارج؟، وهل يرى هؤلاء الزعماء ان بامكان الوهابية ان تكافح القاعدة ؟، وهل من الصعب على هؤلاء القادة ان يدركوا ان القاعدة ليست الا تطبيقا عمليا للوهابية ؟.
اخيرا ان على القادة السياسيين في السعودية، ونعني بهم ابناء عبد العزيز آل سعود، إذا أرادوا لملك أبيهم البقاء، ان يفكوا ارتباطهم القديم مع ابناء مؤسس الوهابية محمد بن عبد الوهاب اليوم قبل الغد، فاذا كان هذا الارتباط قد حمى ملك ابيهم على مدى العقود الماضية، فاليوم تحول هذا الارتباط الى سرطان سيأتي على هذا الكيان ويقضي عليه، لسبب بسيط وهو ان الوهابية تتناقض مع الفطرة الانسانية وقائمة على الدمار والخراب، ولا تتفق بالمرة مع تطور الحياة، وهو ما سيؤلب الشعب السعودي ضدهم، فالصورة الكريهة للسعودية اليوم في العالم سببها الوهابية التي ورطت الشعب والنظام في السعودية عبر افكارها الحاقدة والمريضة، في كل الكوارث والمصائب التي حلت وتحل بالعالم اجمع، فلا ارهاب في العالم ولا تعصب ولا طائفية ولا تفجير ولا سلفية غبية ولا قتل ولا ذبح ولا تهجير ولا دمار في العالم بدون السعودية، لذا لا جدوى لابناء عبد العزيز من مواصلة سياسة خلق اعداء وهميين قادمين من خارج الحدود، فعدوهم الحقيقي بين ظهرانيهم ويتربص بهم، واذا ما استمروا بتجاهله فسيفتك بهم لامحالة.
نبيل لطيف