"داعش".. ماذا لو حادت الكاميرا عنه تماماً؟

الخميس ٢٦ يونيو ٢٠١٤ - ٠٨:٣٨ بتوقيت غرينتش

بالبحث عن كلمة «داعش» على «يوتيوب»، يصل عدد النتائج إلى نحو ثلاثة ملايين فيديو. وبالبحث عن عبارة ISIS ـ المعادل الإنكليزي المتداول لـ«دولة الإسلام في العراق والشام» ـ يصل عدد النتائج إلى نحو المليون وربع المليون.

 في المقابل، يفضي البحث عن الاسم الكامل للتنظيم على الموقع نفسه، سواء بالعربيّة أو الإنكليزيّة، إلى نتائج لا تزيد عن ثمانين ألف شريط.

يمكن تفسير هذا التباين الكبير بأنّ تنظيم «داعش» ومناصريه، يرفضون الإشارة إليه وفقاً للاختصار. ما يعني أنّ تلك المقاطع التي تحمل تسمية عبارة «دولة الإسلام في العراق والشام»، ينشرها على الأغلب جهاز «داعش» الإعلامي، إضافة إلى مناصريه. انطلاقاً من هنا، يمكن الخروج باستنتاج أوّلي مفاده، أنّ حدود «الترويج» لـ«داعش»، تتجاوز جهازها الإعلامي الخاص، لا بل إنّ الترويج الأساسي للتنظيم، يأتي من خارج ذلك الجهاز. لا يعني ذلك التقليل من حرفيّة ذلك الجهاز، وخصوصاً إصدارات قناة «مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي» على «يوتيوب»، المرجّح أن تكون القناة الرسمية للتنظيم. ومن أبرز أعمال تلك القناة فيلم «صليل الصوارم» بأجزائه الأربعة، والذي وصفته «فرانس 24» بأنّه «بروباغاندا سياسيّة من الطراز الهوليودي».
خلال مباراة ألمانيا وغانا ضمن كأس العالم السبت الماضي، تسلّل أحد المشجعين من محبّي الظهور إلى أرض الملعب، فحادت الكاميرات عنه تماماً. بطريقة معاكسة تماماً، يجري التعامل الإعلامي مع «داعش». فخلال الأسبوع المنصرم، نشرت «واشنطن بوست» مقالة يتناول التنظيم بشكل يوميّ، وكذلك فعلت «دايلي نيوز» إذ نشرت ثلاث مقالات عن الموضوع نفسه في الأسبوع، إلى جانب الاهتمام الكبير بالموضوع نفسه عبر الفضائيّات حيث بات «داعش» خبراً أوّل. لماذا لا تتعامل وسائل الإعلام مع «داعش» كما فعلت مع المتطفل الذي دخل أرض المباراة؟ وهل يمكن في المقابل أن نطالبها بغضِّ الطرف عن أحداث كبرى كالتي تجري في العراق وفي سوريا الآن؟
يرى عالم الكيمياء والباحث الإعلامي الروسي الشهير سيرغي كارا مورزا، في كتابه «التلاعب بالوعي»، أن الإرهاب ظاهرة سياسيّة/ إعلاميّة/ نفسيّة. إذ لا يمكن مقارنة تأثير أعمال العنف البعيدة عن الكاميرا، بنظيراتها التي يجري تداولها إعلامياً. إذ أنّ الأولى ضيّقة النطاق ضعيفة التأثير، في حين أن الثانية هي فقط ما يوصف بالإرهاب. أيّ أن الإرهاب لا يصير إرهاباً ما لم ترافقه عدسات الإعلام، بشكل يسهّل وصوله إلى غاياته: العنف المصوّر، نشره والحديث المستمرّ عنه في وسائل الإعلام، إثارة خيال المتلقي باعتباره مستهدفاً، من ثمّ توليد الخوف لديه وتكريسه من خلال إبراز وحشية العنف الممارس وتكرار الحديث عنه ليل نهار. يسجّل سيرغي كارا مورزا أنّ حوادث السير تقتل سنوياً أضعاف من يقتلهم الإرهاب، وكذلك التدخين، ولكننا لا نعاني رهاب المشي في الطرقات، ولا تقل شراهتنا على التدخين. ولكن حين يتمّ اختراق آليات الدفاع النفسي الطبيعية، يصبح المتلقي طيّعاً جاهزاً للانقياد وراء الاتّجاه السياسي الذي تحمله الوسيلة الإعلاميّة التي «تناقش» الأعمال الإرهابيّة مقدمةً نفسها عدواً للإرهاب.
قد تكون الوسيلة الإعلاميّة معادية فعلاً لإرهاب بعينه، ولكن لا يضيرها، خصوصاً إن كانت حكومية ـ والإعلام بمعظمه حكومي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ـ أن تستخدم صورة ذلك الإرهاب لتخلق لحكوماتها وظيفة «حامي الحمى». وهذه صورة تسمح لتلك الحكومات بتعليق مشاكل شعوبها وأزماتها إلى أجل غير مسمّى، بل وقمع تلك الشعوب، وشنّ الحروب ضدّ دولٍ أخرى. يظهر هذا الأمر واضحاً في الحالة الأميركية المأزومة اقتصادياً بشدة، مع الإشارة إلى أنّ واشنطن ليست بالضرورة معادية لـ«داعش»، بل ربما تكون شريكاً أساسياً في تصنيعه.
يقدّم مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي مقترحاً مختلفاً للتعامل مع «داعش». فالتهكّم هنا هو العنوان الأساسي للتعامل مع التنظيم. برزت صفحات ساخرة عدّة على «فايسبوك» بينها «برازر دعشوك»، و«داعشيات»، و«داعش موديلز»، و«داعش ودعدوشة» وغيرها الكثير... تستخدم تلك الصفحات صور زعماء التنظيم وعباراتهم وأفكارهم ضمن قوالب فكاهيّة، تنال رواجاً واسعاً. كما يطال التهكّم تعاطي الإعلام عموماً، والرسمي خصوصاً، مع ظاهرة «داعش» من جهة، ومع المتلقّين أنفسهم من جهة أخرى.
تقدّم السخرية إطاراً لتفريغ الإرهاب من محتواه وحرمانه من مبرّر وجوده. فالذي يرهب الناس اليوم، والذي يحقق للإرهاب غاياته، هي وسائل الإعلام نفسها. ويبدو أنّ الوسائل التي يمكن التعويل عليها في تعاطٍ مختلف مع «داعش» ومثيلاته، قليلة جداً بل ونادرة.

مأمون الحاج - السفير