من الصعب تصور بلد يعتبر اول قوة نووية في العالم الاسلامي، وصاحب احد اكبر الجيوش في المنطقة، ولديه العديد من اجهزة الاستخبارات، يمكن ان يجد الارهابيون فيه ملاذات امنة، ينطلقون منها ليعيثوا فسادا في البلاد وينشروا فيها الموت والخراب، ويمضى على هذا الحال وقت طويل، دون ان تتمكن الحكومة من استئصال شأفة الارهابيين.
الجواب على هذه التساؤلات يستبطن حقيقة مرة، ومرارتها تكمن في ان القائمين على امر الامن في باكستان ارتكبوا خطأ استراتيجيا في غاية الخطورة، ورغم مرور عقود على هذا الخطأ الا انهم مازالوا يرتكبونه دون ان تردعهم الكلفة الباهظة التي يدفعها الشعب الباكستاني من دمه وامنه جراء ذلك.
يرى بعض المسؤولين السياسيين والعسكريين والامنيين في باكستان، في المجموعات الدينية المتطرفة، سلاحا تستخدمه ضد الهند في اطار الصراع الدائر بين البلدين على منطقة كشمير، لذلك لا يرى هؤلاء أية مصلحة لباكستان في القضاء على هذه المجموعات او اضعافها، لذلك نرى اجهزة المخابرات الباكستانية وفي مقدمتها جهاز (اي اس اي) تقوم بتبني هذه المجموعات ودعمها وتمويلها، وتمردت من اجل تحقيق هذه الغاية على حليفها الامريكي الذي كان يطالب اسلام اباد في التعامل الجاد مع هذه المجموعات الارهابية دون جدوى.
التقارير الامريكية السرية طالما اشارت خلال الحرب على القاعدة وطالبان، الى ان جهاز (اي اس اي) الباكستاني، ظل يحتفظ بعلاقة تفاهم غير مباشرة مع القاعدة خلال تلك الحرب، وهي التي اخفت بن لادن في باكستان، وهي التي تخفي قادة طالبان وبينهم الملا عمر، وتقدم الدعم لمقاتلي طالبان.
جميع الدلائل تشير الى ان رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف أقل حماسا من سلفه آصف زرداري في ما يتعلق بمحاربة طالبان والقاعدة، وهو ما يفسر الهجمات التي تعرض لها زرداري وزوجته الفقيدة بي نظير بوتو على يد طالبان والقاعدة، بينما لم تتعرض طالبان والقاعدة لشريف.
العلاقة الوثيقة بين المخابرات الباكستانية والقاعدة، دفعت الولايات المتحدة الى تصنيف هذا الجهاز الباكستاني كمنظمة إرهابية، وهو ما جاء في بعض وثائق ويكيليكس والتي ذكرت ان محققين اميركيين استجوبوا معتقلين في غوانتانامو كانوا يعتبرون اجهزة الاستخبارات الباكستانية من المنظمات الارهابية.
وذكرت ويكليكس ايضا ان اجهزة الاستخبارات الباكستانية مدرجة ضمن قائمة امريكية سرية لمنظمات تعتبر ارهابية او داعمة لكيانات ارهابية وفقا للرؤية الامريكية، وتعود هذه الوثيقة الى عام 2007، وهي تكشف حالة من عدم الثقة التي كانت ومازالت تسود العلاقة بين باكستان وامريكا في الحرب على الارهاب.
وقبل وثائق ويكليكس التي تتهم المخابرات الباكستانية بدعمها للارهاب، اتهم رئيس الاركان الاميركي السابق الاميرال مايك مولن، جهاز (اي اس اي) بإقامة علاقات وثيقة مع شبكة حقاني التابعة لطالبان افغانستان التي تتواجد في المناطق القبلية الباكستانية، واصفا شبكة حقاني بانها تعمل كذراع حقيقية ل(اي اس اي).
هذا الموقف الامريكي اثار حينها ردود فعل قوية من قبل قائد اركان الجيش الباكستاني والخارجية الباكستانية، حيث تم تحذير واشنطن من انها ستفقد إسلام آباد كحليفة لها، إذا استمرت بتوجيه انتقادات الى وكالة الاستخبارات الداخلية الباكستانية (اي اس اي).
ومارست واشنطن ضغوطا لثني اسلام اباد عن مواصلة سياسة دعم المجموعات الارهابية، بعد ان اخذت تتمرد على من اوجدها ودعمها، فأرسلت من قبل ال (سي اي ايه) مبعوثا الى اسلام أباد و واجه المسؤولين الباكستانيين بأدلة عن وجود صلات بين (اي اس اي) وطالبان، الذين كانوا مسؤولين عن تفجير السفارة الهندية في كابول والذي أسفر عن سقوط 58 قتيلا.
رئيس الوزراء الباكستاني الاسبق ذو الفقار علي بوتو، كان واقفا على مخاطر نشاطات وكالة المخابرات الباكستانية (اي اس اي)، فحاول تجميد نشاطها والحد من فعالياتها ونجح الى حد ما في ذلك، الا ان خلفه ضياء الحق اعاد الاعتبار مرة اخرى لهذا الجهاز ودعمه الى ان وصلت الاوضاع الى ما وصلت اليه اليوم.
من كل ما تقدم يمكن فهم اين يكمن السر في عجز باكستان النووية صاحبة احد اقوى جيوش المنطقة وصاحبة اكبر شبكة من المخابرات المعقدة، عن هزيمة المجموعات الارهابية، ومن بينها مجموعة طالبان باكستان، التي نفذت جريمة مدرسة بيشاور المروعة، فهذه الجريمة ما كانت لتقع، لولا تبني وكالة (اي سي اي) لهذه المجموعات الارهابية، في سياسة خاطئة، ادت الى ان يقيم الارهاب في باكستان ويفتك باهلها. فمن الخطأ الفادح استخدام الارهاب كوسيلة لتحقيق اهداف سياسية، فمثل هذه الاهداف لن تتحقق فحسب، بل سيرتد الارهاب لا محالة وبالا على من يقف وراءه.
سامح مظهر- شفقنا