قلب لوزة..المجزرة
كلام بعض الساسة اللبنانيين للتخفيف من هول المجزرة والمتناغم مع محاولات تبريرية يسوقها "معارضون سوريون"، لم يحجب صورة الحقيقة عن أصل الموضوع، وهو ان الموحدين الدروز كغيرهم من السوريين يدفعون ضريبة مشاريع تدميرية تنفذها جماعات تكفيرية ضمن اجندة تطال المنطقة.
رغم تعدد الروايات عن خلفيات المجزرة بحق اهالي بلدة قلب لوزة، ما هو مؤكد ان هناك أكثر من عشرين مواطناً بينهم اطفال قضوا جراء اعتداء مسلحي النصرة.
ارتفاع عدد الضحايا لا يمكن تبريره انه نتيجة إشكال فردي بين احد مسلحي النصرة ومواطن من البلدة - كما يجري تصويره- فالقضية اكبر واوسع، لأن المعلومات الواردة من جبل السماق، تشير الى ان المجزرة أُرتكبت بعد استقدام النصرة تعزيزات الى البلدة ما يعني وجود قرار باستهداف الاهالي، حيث نقل عن أحد المواطنين قوله إن مسلحي الجبهة عمدوا الى اقتحام البلدة واطلاق نار بشكل عشوائي على المارة دون تمييز بين كبير وصغير. مع العلم ان البلدة خالية من السلاح نتيجة مصادرة النصرة لأسلحة المواطنين الفردية، بحجة انها هي من تؤمن حمايتهم.!؟
وهنا يكمن جوهر القضية. فالنصرة التي تتبنى نهجاً تكفيرياً ضد بقية السوريين ممن يخالفونها الرأي، يُجاهر قادتها على رأسهم متزعم الجبهة المدعو ابو محمد الجولاني بتقسيم السوريين بين "كافر" و"خارج عن الملة" و"مرتد" ...الخ، في ترجمة عملية لفتاوى كبار منظري وشرعيي القاعدة تدعو الى استهداف ممنهج لـ"الاقليات".
خلال مقابلته الاخيرة مع قناة الجزيرة القطرية، قال الجولاني ان الدروز «محل دعوتنا، ونحن أرسلنا إليهم الكثير من الدعاة وأبلغوهم الأخطاء العقيدية التي وقعوا فيها». واضاف "بالنسبة الى المعابد ،عندهم قبور وهذا نعتبره شرك جنبناهم اياه وارسلنا اليهم من يصحح عقائدهم ويعلمهم الاشياء التي خرجوا منها من هذا الدين".
ورغم محاولات التجميلية لمذيع القناة القطرية لكلام الجولاني فإن تصريحات الاخير تشير بوضوح الى سعي الجبهة لفرض معتقدها على الاخرين وتحديداً على الموحدين الدروز في ادلب، حيث نشرت عدة تقارير عن قيام النصرة بتخيير ابناء القرى الدرزية الثمانية عشرة المنتشرة في جبل السماق بين "الاسلام" - وفق معتقد الجبهة- والجزية او الرحيل. بالفعل فإن غالبية أهالي تلك القرى هجروا منازلهم واعمالهم.
لا تنفع محاولات البعض دس رأسه في التراب والقفز عن حقيقة مفادها ان الموحدين الدروز مهددون أكثر من اي وقت مضى من قبل جماعات التكفير، فإن ثمة دلائل دامغة اخرى تؤكد ان هذه الجماعات وخاصة المنتشرة في محافظة ادلب تسعى الى فرض شريعتها على الاخرين بقوة السلاح.
في استرجاع بالذاكرة الى أشهر قليلة، نجد ان النصرة وحلفاءها خاضوا قتالاً عنيفاً ضد ما يُسمى جبهة ثوار سوريا وحركة حزم حيث ارتكبت ابشع الجرائم، وبنتيجة القتال استولت النصرة على مواقع خصومها، الذين يتبنون فكراً لا يقل وحشية واجراماً عن الجبهة. كما كثر الحديث عن وقوع مواجهات متفرقة بين النصرة ومسلحين ينتمون الى "احرار الشام" التي تحمل فكر تنظيم القاعدة.
إذا كان خلاف الرأي وصراع النفوذ أدى الى قتل المئات وتشريد الالاف، فكيف سيكون موقف جبهة النصرة (الفرع السوري لتنظيم القاعدة) تجاه بقية السوريين في ادلب ممن تصنفهم الجبهة بالخارجين عن الدين. لذا فإن المجرزة المرتكبة بحق ابناء قرية قلب لوزة تؤكد انها تمت بناء على "حكم" صدر بإهدار دم مواطنين سوريين لا ذنب لهم الا ان رفضوا الرضوخ لغصب حقوقهم.
من ادلب الى السويداء
ما يعزز الكلام عن وجود قرار باستهداف الموحدين الدروز هو التزامن المريب لمجزرة ادلب مع تسعير الجماعات المسلحة من استهدافها للمواقع العسكرية في الجنوب السوري وتحديداً القريبة من محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. فالايام القليلة الماضية شهدت المنطقة تطورات متسارعة ، وعمد المسلحون الى الدخول للواء 52 الواقع بين درعا والسويداء، اضافة الى شن هجمات واسعة على مطار الثَعلة في ريف السويداء الغربي ، هذا ناهيك عن قيام المسلحين باستهداف الاماكن المدنية في مدينة السويداء.
طبعاً هذه الاستهدافات ليست الاولى من نوعها التي ترتكب بحق الموحدين الدروز، فالجماعات المسلحة ومنذ بداية الازمة لم توفر باعتداءاتها كافة السوريين من مسلمين ومسيحيين، ولعل مدينة جرمانا بريف دمشق التي تُشكل فسيفساء بشرية خير شاهد على تلك الجرائم.
اذا كانت الغالبية العظمى من مشايخ جبل العرب وفعالياته الاجتماعية، اعلنت تمسكها بوحدة الارض السورية ورفضها للفكر التكفيري والارهاب الصهيوني، فإن الكلام الصادر من تل أبيب عن تهديدات محيطة بالموحدين الدروز وسعي الاحتلال الى تقديم نفسه كحام بوجه ارهاب يحظى بدعمه ورعايته، يؤكد المشروع الصهيوني الهادف الى تقسيم سوريا عبر تأجيج الخوف لدى طائفة الموحدين الدروز في محاولة لإبعادها عن مساندة وحدات الجيش السوري والدفاع الوطني، وبالتالي افساح المجال للجماعات التكفيرية من اجل التقدم في المنطقة وصولاً الى احياء مشروع السياج الامني، على ما يقول متابعون.
الخبث الصهيوني والارهاب التكفيري، يُلاقيه في المقابل اصرار سوري وتحديداً من سكان الجنوب والسويداء، على الصمود والمواجهة وهو ما تؤكده المعطيات الميدانية، التي تشير الى انخراط واسع في المواجهة لحماية الارض والعرض بدلاً من الركون للضمانات الاقليمية والدولية التي لا تسمن ولا تغني من جوع...
حسين ملاح / المنار