ابسط الناس في منطقتنا يجزم دون ادنى شك ، على ان النظام السعودي الذي اوجدته بريطانيا في جزيرة العرب ومن ثم رعته امريكا ، ليكمل الدور التدميري لكيان آخر كان في طور الاعداد لزرعه في ارض فلسطين المحتلة ، ليقوم الكيانان بدور حدي المقص، لمواجهة كل محاولة جادة للنهوض بالامة من كبوتها وانطلاقها نحو الامام كباقي الامم الاخرى.
لسنا هنا بسرد السياسات والمواقف السلبية والمناهضة لتطلعات الامة نحو النهوض والتحرر والاستقلال ومناهضة الصهيونية ، التي اعتمدتها السعودية منذ تاسيسها وحتى اليوم ، فهذا الامر بات معروفا للجميع فناصبت السعودية العداء لمصر عبدالناصر وجميع حركات التحرر العربية ، قديما وحديثا ، وقد وصل هذا العداء الى مستويات لا تقل عن عداء الصهيونية ، فالسعودية ناصبت ومازالت العداء ، كما الصهيونية ، لمحور المقاومة وحزب الله ، وحركة حماس و حركة الجهاد الاسلامي ، وفي المقابل دعمت وايدت جميع الانظمة الدكتاتورية والرجعية والاحزاب والتنظيمات والشخصيات التي تنفذ الاجندة السعودية وفي مقدمتها حرف البوصلة من العدو الصهيوني صوب اعداء وهميين مثل ايران والشيعة وحماس والجهاد الاسلامي في فلسطين ، وادخلت الامة في فوضى ونفق مظلم لا يعرف الا الله متى تخرج منه ، وخاصة بعد ان نشرت الوهابية في مختلف المجتمعات العربية فافرزت حالات شاذة مثل القاعدة و”داعش” و “جبهة النصرة” وباقي الجماعات التكفيرية الارهابية.
من اكثر المواقف انحرافا للراي العام العربي والاسلامي للسعودية ، كان العداء الغريب للمقاومة الاسلامية في لبنان وفلسطين ، فلو كان هناك من يبرر العداء للمقاومة الاسلامية في لبنان لاسباب طائفية ، ورغم فساد هذه الاسباب ، الا انه من الصعب تبرير مثل هذه المواقف ازاء المقاومة الاسلامية في فلسطين مثل حماس والجهاد الاسلامي ، فالسعودية شاركت، كما الصهيونية ، في كل الجرائم التي ارتكبت ضد المقاومة الاسلامية في غزة ، وبشكل لم يعد خافيا على احد.
اليوم وعندما تكشف وثائق ويكليكس السعودية عن جوانب من الممارسات النظام السعودي لاضعاف المقاومة الاسلامية في غزة بهدف القضاء عليها ، فان مثل هذا الكشف لم يكن مفاجئا للعارفين بطبيعة الدور السعودي في المنطقة ، وكل ما هنالك ان هذه الوثائق جاءت لتاكيد ما هو مؤكد.
اليوم وضمن التسريبات التي كشف عنها موقع “ويكيليكس” ، ظهرت وثيقة تتحدث عن محاربة المملكة العربية السعودية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ومنع وصول الدعم العسكري لها المقدم من الجمهورية الإسلامية في إيران من خلال فرض حظر جوي على الطائرات الإيرانية التي تعبر المجال السعودي متجهة إلى السودان ، وتقول هذه الوثيقة بالنص:
“بالإشارة للأمر السامي الكريم رقم 7251/م ب وتاريخ 2/9/1430هـ، المبني على الأمر السامي الكريم رقم 1898/م ب وتاريخ 2/3/1430هـ بشأن تشكيل لجنة على مستوى عالٍ تضم كلاً من وزارة الدفاع والطيران ووزارة الداخلية والخارجية ورئاسة الاستخبارات العامة، لدراسة موضوع عدم السماح لإيران باستخدام أجواء المملكة لنقل شحنات من الأسلحة إلى حماس من خلال السودان وحيث قضى الأمر السامي الكريم بما نصه “إعادة دراسة الموضوع من الناحية النظامية بشكل مفصل من قبل الجهات المشار إليها وبمشاركة وزارة المالية “مصلحة الجمارك” والمؤسسة العامة للموانئ في ضوء الاتفاقيات ذات العلاقة المتعددة والثنائية التي صادقت عليها المملكة وما ترتبه من التزامات وحقوق في هذا الخصوص والأنظمة والإجراءات المحلية المتبعة بهذا الشأن وأن يتم الرجوع إلى السوابق المماثلة “محلية – دولية” وبيان الأثر النظامي لقرارات مجلس الأمن رقم 1737 ورقم 1747 ورقم 1803 الصادرة بشأن إيران وما ترتبه من التزامات وحقوق للمملكة في حالة ورود مثل هذه الطلبات، والرفع بتصور نظامي يحدد بشكل واضح حقوق والتزامات المملكة في هذا الشأن سواء في مجال الجو أو البحر أو البر والرفع بالنتيجة”.
من خلال هذه الوثيقة المسربة، تعترف السعودية انها تختفي وراء قرارات مجلس الامن الدولي لمنع وصول المساعدات العسكرية الايرانية إلى غزة.
هذا الموقف المتواطىء للسعودية مع الكيان الصهيوني الذي كان يفرض حصارا شاملا وعدوانا ظالما على اهل غزة ، وان كان فاجأ البعض الا انه لم يكن مفاجئا ، كما قلنا ، لمن يعرف السعودية على حقيقتها وطبيعة دورها ، فقبل ان تكشف ويكليكس عن تواطؤ السعودية مع الكيان الصهيوني لمحاصرة غزة ، أقر الكيان الصهيوني نفسه وبصراحة ، بدور السعودية في وقف عمليات تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، ونقلت الإذاعة “الاسرائيلية”، عن مصدر سياسي “إسرائيلي” وصفته بالبارز قوله إن «الجهود الدبلوماسية التي بذلتها السعودية لعبت دورا في تقليص عمليات تهريب السلاح للمقاومة في القطاع بشكل جذري»، وأكد المصدر أن السعودية مارست ضغوطاً كبيرة على الرئيس السوداني «عمر البشير» لكي يوقف تهريب السلاح للمقاومة في غزة.
وأشار المصدر إلى أن السعوديين استغلوا حاجة البشير للشرعية الإقليمية والدولية في أعقاب صدور قرار محكمة الجنايات الدولية باتهامه بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وطالبته بوقف التعاون مع الإيرانيين كشرط لتطبيع العلاقات معه، وهذا ما حدث.
يُذكر أن أول من كشف عن دور السعودية في مواجهة عمليات ايصال السلاح للمقاومة في قطاع غزة كان الصحافي “الإسرائيلي” رون بن يشاي، كبير المعلقين العسكريين في صحيفة “يديعوت أحرنوت . وفي تحقيق نشره موقع الصحيفة، يوم الجمعة31 تشرين الاول / اكتوبر عام 2014 ، نوه “بن يشاي” إلى الضغوط التي مارستها القيادة السعودية على البشير لوقف نقل السلاح للمقاومة في غزة.
الشيء الايجابي في هذه الوثائق ، هي انها عممت الصورة الحقيقية للسعودية ونظامها السياسي ودورها السلبي في المنطقة والعالم وخاصة في فلسطين المحتلة ، وفي اشاعة الفتن والتكفير والفوضى والطائفية ، على جميع فئات المجتمعات العربية بمختلف شرائحها ، فلم يعد القارىء العادي بحاجة الى ان يتابع ويدقق في تفاصيل السياسة السعودية ، ويراقب مواقف وتصريحات زعمائها ليقف على حقيقة دورها الكارثي في الامة ، ويكفيه ان يقلب بعضا من وثائق ويكليكس ليقف على حجم الفاجعة التي نزلت بالامة جراء هذه السياسة.
* سامي رمزي/ شفقنا