مقطوع الرأس، معلقاً على أحد أعمدة شوارع مدينته، بتهمة العمالة مع «النظام» وأخوية ضابط في الجيش العربي السوري، وتمثيل سوريا في المؤتمرات «الكفرية»، هكذا انتهت مسيرة الأسعد على يد تنظيم «داعش» في تدمر.
وتناول الكتاب، الذي شاركه في تأليفه البروفسور فيين أوفه ويدبرغ ـ هانسن، أستاذ اللغات الشرقية القديمة في جامعة «أورهوس» في الدنمارك، تاريخ الملكة السورية زنوبيا من خلال تاريخ تدمر. وقد اعتمد الأسعد في معلوماته على النقوش التدمرية المكتوبة بالآرامية، والنقود المسكوكة في زمن زنوبيا، ونتائج الحفريات والتنقيبات الأثرية التي أشرف عليها هو شخصياً مدة 33 عاماً منذ تعيينه مديراً لآثار تدمر.
وحمل الكتاب، المطبوع باللغتين العربية والدنماركية في العام 2006، عدة عناوين مهمة عرّج الأسعد فيها على اسم تدمر الآرامي الأصل. كما ذكّر بمعلومة مهمة هي وجود مجلس شيوخ وشعب في تدمر. واختتم الأسعد أحد فصول كتابه بالحديث عن الأوضاع التي غيرت وجه الشرق، وكأنه أراد أن يقول لقاتليه قبل سنوات لن تستطيعوا التغلّب على تاريخنا. فهل يدرك قاتلو الأسعد ذلك أم أنهم يغتالون تدمر لأجل ذلك تحديداً؟
إن تدمر وشهيدها ما هما إلاً فصل من سلسلة الجريمة الواحدة، فكيف لا يغتاله من اغتالوا تدمر ويحاولون اغتيال سوريا بما تعنيه تاريخيا وثقافياً وحضارياً وعلمياً؟ وبعد كل انفجار، أو اغتيال، أو تدمير أو استهداف لمنشأةٍ أو مكان ما، يتبادر إلى أذهاننا السؤال عن المستفيد من ضرب وإلغاء منظومة العمل الناظمة لسير عمل مجتمعاتنا، وهدم بناها التحتية وتصفية كوادرها وكفاءاتها العلمية والسير بها نحو الدرك الأسفل من التخلف والجهل والانحطاط؟
كبار العلماء والضباط والقادة الأمنيين والطيارين والأكاديميين والمبدعين في مختلف الاختصاصات، كانوا هدفاً للتصفية منذ بداية الأحداث في سوريا.
أربعة مهندسين يعملون في مجال الطاقة الذرية والكهربائية اغتيلوا، في 10 تشرين الثاني العام 2014، بإطلاق النار على الحافلة التي كانت تقلهم أثناء توجههم إلى مقر عملهم في مركز البحوث العلمية في حي برزة. ورجحت مصادر رسمية أن تكون «جبهة النصرة» هي من نفذ العملية. وفي حال صحة الفرضية سيقودنا ذلك مباشرة إلى "إسرائيل"، الحليف العلني لمسلحي «النصرة» في المنطقة الجنوبية.
الدكتور أوس عبد الكريم خليل، عالم ذرة وأستاذ في جامعة البعث. أُغتيل صباح 28 ايلول العام 2011 بحمص، وذلك عقب أيام على اغتيال العميد الدكتور نائل الدخيل مدير كلية البتروكيمياء في جامعة حمص، والمهندس محمد علي عقيل الأستاذ في كلية الهندسة المعمارية في جامعة البعث، والطبيب حسن عيد رئيس قسم جراحة الصدر في المستشفى الوطني بحمص أيضاً.
عيسى عبود أصغر مخترع في العالم اغتيل في 17 نيسان العام 2011. الشاب كان من العقول النادرة في سوريا، وهو حاصل على جائزة المنظمة العالمية للملكية الفكرية في جنيف عن بحث تخزين المعلومات في الخلية الحية في العام 2000.
ستة طيارين وضابط فني وثلاثة ضباط صف من الفنيين العاملين في إحدى القواعد الجوية العسكرية أعلنت قيادة الجيش السوري عن اغتيالهم بتاريخ 25 كانون الثاني العام 2011، وذلك أثناء مرورهم على محور تدمر ـ حمص، وحسب مصادر عسكریة اسرائيلية آنذاك فإن عملیة القتل تمت بعد أن نصب كمین من قبل «الجیش الحر» شرقي تدمر حیث تقع قاعدة سلاح الجو السوري في طیاس.
الحادثة واحدة من عدة عمليات اغتيال لطيارين مدنيين وعسكريين، منهم من ذبح ونكل بجثمانه ومنهم من اختطف وما يزال مصيره مجهولاً إلى اليوم. مع العلم أن تلك الفترة لم تكن تشهد نشاطاً عسكرياً أو استهدافاً لمواقع المسلحين بسلاح الطيران.
الماضي هو الحاضر بعينه
عندما اندلعت أحداث الثمانينات في سوريا، وقعت أحداث مشابهة جداً لما يجري الآن في البلاد مع اختلاف الأدوات والتسميات، حيث كانت جماعة «الإخوان المسلمين» تتبنّى عمليات الاغتيال التي تقوم بها ببيانات رسمية موثقة، وهي إلى الآن لا تنكرها بل تفاخر بها، ونوعية الفئات والاختصاصات المستهدفة (أطباء، مهندسون، علماء، ضباط، طيارون، ورجال دين ومفكرون) تقودك إلى نتيجة مفادها أن الهدف واحد، وإستراتيجية تصفية النخب هي سياسة مضبوطة الإيقاع على وتر مصالح العدو الإسرائيلي والتي تهدف إلى ضرب مكامن القوة والتقدم لدى العرب.
تذكرنا الاغتيالات والجرائم بكلمات الكاتب اللبناني جبران خليل جبران التي تقول «إذا كنت لا ترى غير ما يكشف عنه الضوء، ولا تسمع غير ما يُعلنُ عنه الصوت، فأنت في الحق لا تبصر ولا تسمع». فهل من مُبصر وسامع؟
سناء علي / السفير