العراق.. من كردستان الى "سني ستان"!

العراق.. من كردستان الى
الإثنين ٠٧ ديسمبر ٢٠١٥ - ٠٧:٢٩ بتوقيت غرينتش

يبدو الجسد العراقي مهيئاً للحظة إقتطاع أخرى، بعد أن أقتطعت منه المحافظات الشمالية الثلاث الكردية واصبحت دولة مستقلة لا ترتبط بالمركز إلاّ بحصتها من الميزانية (17%) ومن خلال سياسييها الذين يحتلون 33% من المواقع السيادية في الدولة الاتحادية والوظائف والعوائد التي تحصل عليها من هذا "الجيب" العراقي. وإلاّ، فليقدم أحداً دليلاً واحداً على تبعية كردستان للحكومة المركزية، كما هو الحال في جميع فيدراليات العالم المتحضر والمتخلف!

كل الأمور تسير نحو اقتطاع آخر.. تطبيقاً للمشروع الأميركي بتجزئة العراق الى ثلاث دويلات أو أكثر.. من الاعلانات المتكررة عن احتلال العراق ثانية من قبل أميركا، الى تشكيل "الحشد الوطني" التابع للأخوة النجيفيين على تخوم الموصل و"الحرس الوطني" الذي يراد له ان يكون المرادف او المقابل السني للبيشمركة الكردية والحشد الشعبي الشيعي (رغم ان الاخير غير طائفي ويشتمل على مكونات اخرى، سنية وكردية وتركمانية وشبكية ومسيحية).

وما اعاقة تقدم الحشد الشعبي ووضع العصي في دواليب عملياته لتحرير المناطق "السنية" المحتلة من قبل الدواعش والبعثيين والعصابات التابعة لهم والتي تدار من عمان وأنقرة والدوحة وأربيل.. والحيلولة دون وصوله (الحشد) للحدود السورية، إلا جانباً من مخطط "سني ستان".

وظاهرة الاجتياح التركي التي بدأت تتكرر وتتصاعد خلال السنوات الماضية بحجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني (الذي اتخذته أنقرة شماعة لتوجيه سياساتها العسكرية في العراق وسوريا والذي لم يكن ولايزال لا يريد التصعيد مع انقرة رغم اصرارها على استفزازه!)، خاصة بعد الاتفاق التركي السعودي القطري مع مجئ الملك السعودي الجديد لدفة الحكم وتحول الاستراتيجية الاميركية باتجاه التصعيد ولو بالنيابة، هو انطلاقة ميدانية لتشكيل "سني ستان" العراقية ـ السورية.

لن اتحدث هنا عن عدد القوات التي أرسلتها تركيا حتى "بعشيقة" على تخوم الموصل، دون ان تواجه رد فعل من قبل "داعش" أو تلك التي تنوي ارسالها وقد تتجاوز 5000 عسكري، وفق مصادر مطلعة، مسنودة بكافة الاسلحة والمعدات.. أو طبيعة تنسيقها مع القوات الأميركية الموجودة في المنطقة والالمانية والفرنسية والبريطانية والسعودية التي ستلتحق بها، بعد انكشاف تبعية "داعش" للاجندات الغربية وفضيحة شاحنات النفط العراقي والسوري الذي يتم تهريبه الى تركيا، ومساعيهم الى نقل "داعش" الى اليمن وليبيا أو تخفيف وجوده وتسليم مواقعه للبعثيين والحزب الاسلامي في العراق وجبهة النصرة وتوابعها في سوريا بعد ان رفع عنها الغربيون صفة الارهاب رسميا!

كما لن اتحدث عن الاهداف السعودية والاماراتية والقطرية من دعمهم لعملية تجزئة العراق وسوريا على اساس قومي وطائفي، وهم في الحقيقة ومن خلفهم أميركا والكيان الصهيوني يستهدفون ايران وحتى تركيا التي تعمل الآن كحصان طروادة للمشروع الغربي وسوف يلاقي جزاءه عن قريب سنمار التركي!

نعم لن اتحدث عن هؤلاء، بل عن الهدف التركي والأجندات التي تسعى حكومة أردوغان تحقيقها من خلال اجتياح المناطق العراقية:
1. إقتطاع أجزاء من الأراضي العراقية والسورية وضمها لتركيا بالاتفاق مع القوى الدولية والحكومات القادمة في "كرد ستان" و"سني ستان" بذريعة وجود تركمان فيها.. أما المناطق التركمانية الأبعد فستبقى طابوراً خامساً للسياسة القومية التركية (حسب ما تريده أنقرة) في العراق وكردستان و"سني ستان".

2.  تشكيل دولة (سنية) تجتمع فيها كل القوى المرتبطة بالمشروع الأميركي للمنطقة وتحت مسمى "العروبة" و"التسنن"، حتى لو كانت الخطوة الأولى له تشكيل أقليم أو منطقة آمنة محمية من قبل التحالف الأميركي، على أن ينضج المشروع بعد انجلاء الوضع السوري!

3. إستعادة مشروع الغاز القطري الى أوروبا من خلال الاراضي العراقي هذه المرة اذا تعثر المشروع في سوريا.

4. فتح "كريدور" بين الجنوب التركي والأردن ومنه الى السعودية وباقي البلدان الخليجية وفلسطين المحتلة لنقل البضائع والسلع التركية.

5. إستنزاف ثروات الجنوب العراقي على طريقة ومن خلال تجربة الأقليم الكردي، الذي أصبح خلال فترة وجيزة متفوقاً على الوسط والجنوب الغارقين بالارهاب والاهمال.

6. ممارسة المزيد من الضغوط على "كرد ستان" العراق ومنعها من لعب دور اقليمي خارج نطاق السياسة التركية، وقطع ارتباطها الجغرافي بالمناطق الكردية في شرق سوريا والتي ستتحول هي ايضا الى كانتون جديد في المنطقة، كما سيؤدي قيام دولة سنية الى محاصرة كردستان السورية بشكل تام.

7. قطع الاتصال والتجاور الجغرافي بين حلقتين مهمتين في محور المقاومة وهما العراق وسوريا.

8. نشر المزيد من القواعد الاميركية والغربية تحت عناوين متعددة للضغط على محور المقاومة في المنطقة وضمان أمن الكيان الصهيوني، الذي عادت العلاقات معه أقوى من ذي قبل، من خلال ارقام التبادل التجاري (5.6 مليار دولار) والتعاون السياحي والأمني وما متوقع من تصديره للغاز لتعويض قطع الغاز الروسي الى تركيا!

9. منع "التمدد" الايراني ـ الشيعي من خلال كسر الهلال الشيعي (حسب وصفهم) من منتصفه.

10. استباق الترتيبات الروسية ـ الإيرانية في سوريا بورقة ضاغطة على الأرض، حتى لو فشلت السعودية وأميركا وفرنسا بتوحيد المسلحين السوريين وواجهاتهم السياسية.

11. ستكون "سني ستان" العمق الاستراتيجي للمناطق التي تنشط فيها المجموعات السورية المسلحة حتى حدود اللاذقية، بل للمجموعات الارهابية في آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الاوسط، كما هو الحال بالنسبة لليبيا حاليا.

12. المضي في مشروع الوطن البديل للفلسطينيين على الاراضي العراقية والسورية، في ظل التطبيع الذي يجري بين الصهاينة والعرب والانقسام الفلسطيني المتعمد.

وبناءاً على ما تقدم، يبدو واضحا ان مشروع "داعش" الذي ادارته الولايات المتحدة بايادي تركية وخليجية والذي وجد طابوراً خامساً له في العراق من مختلف المكونات، كان هدفه إعادة العراق الى ما قبل 2003 وهيمنة اتجاه طائفي معروف عليه، لكنه عندما فشل بسبب صمود محور المقاومة وفتوى الحشد الشعبي التي اطلقتها المرجعية، تم تفعيل مشروع التجزئة (خطة بايدن كما هو مشهور) واقامة كيانين بجانب الجزء الأكبر من أرض العراق، هما: "كرد ستان" و "سني ستان"..

هذا كله فيما لا تزال الحكومة العراقية مشغولة باصلاحاتها المختزلة بتقليل عدد حمايات الزعامات السياسية والمسؤولين، ودستورية أو عدم دستورية الغاء منصب نواب رئيس الجمهورية.. او هل تفتح المنطقة الخضراء امام العامة أم انه سيؤثر على أمن المسؤولين والسياسيين المتمترسين فيها.. ولله في خلقه شؤون!

* علاء الرضائي