أما آن لأردوغان ان يرعوي؟

أما آن لأردوغان ان يرعوي؟
السبت ١٢ ديسمبر ٢٠١٥ - ٠٧:٣٠ بتوقيت غرينتش

يحتل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ، ومنذ فترة ، مساحات واسعة من اهتمام وسائل الاعلام العربية والاقليمية والعالمية ، المرئية والمسموعة والمقروءة ، بسبب سياسته ومواقفه الغريبة ، فالرجل يكاد يكون متورطا في جميع الازمات التي تمر بها المنطقة ، والتي كان له في اشعالها حصة الاسد.

اردوغان متورط من قمة راسه حتى اخمص قدميه بالحرب الدائرة في سوريا ، ويرتبط بعلاقات لم تعد سرا بالجماعات الارهابية في سوريا من امثال “داعش” والقاعدة ، وفتح حدود بلاده مع سوريا امام كل الجماعات التكفيرية التي تحارب في سوريا ، ويشتري من “داعش” النفط السوري والعراقي ، ودفع العالم الى شفير حرب عالمية ثالثة باسقاطه طائرة السوخوي الروسية ، لانها اخترقت المجال الجوي لتركيا لثوان ، بينما تصول وتجول طائراته في الاجواء العراقية والسورية ، حيث تقصف مواقع حزب العمال الكردستاني في الاولى ، وتقدم الدعم ل”داعش” و القاعدة واخواتهما في الثانية ، كما ارسل الجنود والدبابات والمدرعات الى بعشيقة بالقرب من مدينة الموصل العراقية ، واخيرا هدد ايران بانه سيجعلها “تدفع الثمن غاليا ” ،لانها كشفت عن جانب من عمليات شرائه للنفط السوري والعراقي المسروق.

اكثر مواقف اردوغان رعونة ، وتكشف عن نواياه ازاء العراق وسوريا والمنطقة ، موقفه من توغل دباباته ومدرعاته وجنوده الى عمق الاراضي العراقية حتى مدينة الموصل ، فرغم ان هذا العدوان السافر أثارسخط الشعب والحكومة العراقية ، حتى ان الخارجية العراقية باشرت بالاتصال بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن وعدد من الدول لاتخاذ موقف دولي تجاه تركيا ،وتقدمت بطلب للجامعة العربية من أجل عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب ، يخرج اردوغان على العالم ليعلن ان قواته التي توغلت في شمال العراق دخلت بطلب من الحكومة العراقية ، وانه ليس في وارد سحبها حتى لو احتجت الحكومة العراقية!!.

وعلى صعيد الحرب المفروضة على سوريا ، كانت عمليات النهب الممنهج للبنية الاقتصادية السورية ، وتفكيك المصانع والمعامل والشركات والمستشفيات ومحطات الكهرباء ، من قبل العصابات التكفيرية ، وتهريبها الى تركيا ، كانت تجري بعلم من اردوغان وحكومته ، حتى وصل الامر ان يجعل اردوغان من تركيا الطرف التجاري ل”داعش” والقاعدة ، في تجارة النفط السوري المهرب ، وقصف الطائرات الروسية لطوابير الشاحنات المحملة بالنفط السوري الى تركيا ، وتضييق روسيا على حرية الحركة للجماعات الارهابية عبر الحدود التركية السورية ، وشل الحركة “التجارية” لهذه العصابات مع تركيا ، كل ذلك كان وراء مغامرة اردوغان باسقاط الطائرة الروسية ، التي دفعت بالمنطقة الى حافة الهاوية.

بدلا ان يقلل اردوغان من حدة تصرفاته الرعناء ويبعد المخاطر عن بلاده والمنطقة ، نراه يتمادى في غيه ويسعى لاشعال نار اخرى في المنطقة ، وذلك عندما اعلن انه حذر الرئيس الايراني حسن روحاني في اتصال هاتفي من ان ايران “ستدفع ثمنا باهظا” لو ايدت الموقف الروسي ازاء شراء تركيا للنفط السوري المهرب من قبل “داعش” ، ولكن من حسن حظ تركيا والمنطقة ، ان ايران لم ترد على اردوغان المهووس باشعال الفتن والصراعات التي لا تخدم الشعب التركي بالدرجة الاولى.

من الطبيعي ان نسمع خطابا طائفيا بغيضا من السعودية وقطر والجماعات التكفيرية المنتشرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن ، فالطائفية هو ديدنها ، بها تقوم ،واخذنا نسمع صدى هذا الخطاب وبشكل اقوى واقبح ، ففي الوقت الذي يسعى العقلاء في العالم لعزل الجماعات التكفيرية وخطابهم الطائفي الكريه ، نرى اردوغان يظهر يوم الخميس الماضي على شاشة قناة “الجزيرة” القطرية، ويتحدث بخطاب “داعشي” بامتياز ، يحسده عليه ابو بكر البغدادي ، حيث قال ما نصه :”هناك في العراق حلف ثلاثي يتشكل من روسيا وإيران والسلطات العراقية، وهذا الحلف الثلاثي يراقب كل هذه التطورات من بغداد من المركز، لا يمكن أن نتجاهل هذا الحلف أو نعتبره غير موجود، هذا الحلف يحاول تأسيس سلطة طائفية لم تكن موجودة قبل الآن .. السنة مهمشون في إدارة العراق للأسف لا يمكن رؤية السنة في أماكن ذات أهمية في دوائر الدولة في العراق، لكن التطورات حدثت بمنظور طائفي”.

ترى كيف يمكن للمواطن العراقي العادي ان يستمع الى هذا الخطاب المقزز والتحريضي والمتجاهل بالمرة حقيقة المشهد السياسي العراقي ، ولا يشك بنوايا اردوغان واطماعه في العراق وسوريا ، المبطنة بغطاء الدفاع عن اهل السنة؟، ترى الا يرى اردوغان ان الرئيس العراقي سني ورئيس البرلمان سني ، ووزير الدفاع سني، ووزير المالية سني، والعديد من الوزارات السيادية الاخرى بيد الاكراد السنة والعرب السنة، ورئيس اركان الجيش من السنة ، وجميع المحافظين في المحافظات السنية سنة ، ونحو نصف نواب الشعب في البرلمان من السنة؟ وكل هؤلاء انتخبوا باصوات الشعب ، وشهد على هذا الانتخاب العالم اجمع ، فاين هذا التهميش واين هذه الطائفية العراقية التي تتدخل فيها روسيا وايران والسلطات العراقية؟، بالمناسبة اردوغان المصاب بجنون العظمة استكثر ان يقول العراق ، لانه يبدو لا يتعرف بوجود بلد جار لبلاده اسمه العراق ، فقال “السلطات العراقية” ، بينما ان القرار الذي يتخذه العبادي رئيس الحكومة ، يتخذه بالاجماع ، وهذا الاجماع يعني اجماع الاكراد السنة والعرب السنة بالاضافة الى العرب الشيعة.

يبدو ان اردوغان الذي اعماه الحقد الطائفي وحلمه باعادة امبراطورية اجداده على اجزاء من اراضي العراق وسوريا ، لن يرعوي ابدا ، فهذه الحالة المرضية التي يمر بها اردوغان ، هي حالة مر بها كل المستبدين والمصابين بمرض جنون العظمة على مر التاريخ ، الا انها تنتهي وللاسف الشديد بخراب بلادهم وتشريد شعوبهم ، وهو المصير الذي لا نتمناه لتركيا والشعب التركي.

* منيب السائح / شفقنا