ثورات الشعوب العربية .... يسجلها التاريخ!

الثلاثاء ٢٩ مارس ٢٠١١
٠٢:٢٨ بتوقيت غرينتش
ثورات الشعوب العربية .... يسجلها التاريخ!
يكاد شهر ثالث يمضي من عام الانتفاضات و الثورات التي يشهدها أكثر من بلد عربي، ومازالت بعض الأنظمة غير قادرة أو بالأحرى لا تريد أن تتعظ وتستوعب الحدث، مع أن أحداث يناير وفبراير ومارس في غير بلد عربي، من تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن وغيرها كثير، كانت مملوءة بالعبر والدروس التي يفترض الاستفادة والتعلم منها. الانتفاضات التي تهز العالم العربي لازالت متواصلة ومستمرة وإذا بحثنا عن ثورات مشابهة لها في التاريخ فإن أكثر ما ينطبق عليها هي تلك الثورات التي هزت أوروبا في نهاية النصف الأول من القرن التاسع عشر، وسميت "ربيع الشعوب" أو "ربيع الثورات"، والتي بدأت شرارتها من باريس.. لقد نقل لنا التاريخ هذه القصة: أنه وتحديداً في عام 1848 كانت الجماهير الساخطة على نظام الملك لويس فيليب، وهو نظام كان قد نخرته الفضائح الكبرى وأضعفه الفساد وسوء استخدام السلطة، على موعد لإقامة تظاهرة عامة عقب لقاء احتجاجي جمهوري آخر في باريس. وعندما عرفت الحكومة "الرجعية" التي كانت برئاسة فرانسوا غيزو بأمر اللقاء والتظاهر فأنها أصدرت ، أمراً لشرطة باريس لمنع قيام ذلك التظاهر والاحتجاج، فأشعل المنع غضب الجماهير، ونزل المتظاهرون إلى الشوارع، وراحوا يهتفون بسقوط حكومة غيزو، وبحلول مساء ذاك اليوم كان المتظاهرون الغاضبون قد نجحوا في إطاحة الكثير من المتاريس المقامة لمنع التظاهرات في باريس، خصوصا في المناطق العمالية الفقيرة. وفي اليوم التالي كانت باريس تزدحم بالمتظاهرين الغاضبين الذين أزداد عددهم، وهم يواصلون ترديد شعاراتهم ، مما أضطر الملك إلى إقالة حكومة غيزو وتشكيل حكومة أخرى. لكن هذه الخطوة لم تنفع شيئا ولم ترق لطموحات ومطالب الجماهير بل شجعتهم وزادتهم إصرارا على مواصلة التظاهر، ورأوا فيها دليلا على أحقية وشرعية مطالبهم، فرفعوا من سقف مطالبهم، وبدأوا يرددون مطلبا رئيسيا: نريد إسقاط النظام. وفي اليوم التالي كانت حشوداً بشرية تغص بشوارع باريس يهتفون وهم غاضبون هدموا آخر ما تبقى من الحواجز، والمتاريس المقامة، ، ثم اتجهوا نحو قصر الملك وطوقوه. وعندما أدرك الملك لويس فيليب أن الأمور وصلت إلى نقطة اللاعودة، وتفاديا لاستفزاز المتظاهرين فأنه لم يأمر بإطلاق النار، واكتفى بالتنازل عن العرش لحفيده، فيليب أيغاليتيه، وتسلل خلسة من القصر بصحبة زوجته ماري-أميلي، وهربا (مثلما زين العابدين وزوجته، أو حسني مبارك وعائلته) ، وتوجه إلى انجلترا. وحالما ذاع نبأ الهروب ونجاح الثورة الفرنسية حتى انتقلت عدواها إلى بقية البلدان الأوربية، فانتعشت من جديد أمال الشعوب الأوربية الأخرى المحبطة، وبدأ مسلسل الانتفاضات والثورات في مناطق مختلفة في أوروبا: ايطاليا، ألمانيا، النمسا، هنغاريا، بريطانيا، وبلدان أخرى! سقت هذه القصة التاريخية للتشابه الحاصل بين ما جرى في أوروبا في القرن التاسع عشر وما تشهده الاقطار العربية هذه الايام، فطريقة العدوى التي انتقلت فيها الانتفاضات من بلد إلى أخر، ورفض المتظاهرين في الحالتين الأوروبية والعربية لأنصاف الحلول، والمطالبة بتغييرات اصلاحية ديموقراطية عميقة، والاحتجاج ضد تردي الأوضاع المعاشية والفساد الإداري والفضائح المالية واستئثار فئات اجتماعية قليلة بالثروات العامة.كلها عوامل تتقاطع ووتشابه في القرن التاسع عشر والقرن الحادي والعشرين..لا شك أنه "ربيع الشعوب"! كما ان التجارب تؤكد لنا أن التحركات الشعبية ذات المطالب السلمية لم تعد تنفع معه الأساليب الأمنية القمعية، التي تلجأ فوراً، مباشرة أو عبر “البلطجة” إلى ممارسات عنفية. فالشعوب تمشي على قانون فيزيائي "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه"..والضغط دائماً يولد الانفجار! تظاهرات باريس واوروبا واحتجاجات الشعوب العربية هذه الأيام تؤكد أيضاً على أن الدم يستسقي الدم، فأي نظام يجب ان يحسب ألف حساب قبل استخدام القوة في مجابهة ومواجهة شعبه، فمن حق الناس أن يقولوا كلمتهم سلمياً، ومن واجب السلطة، أي سلطة، أن تستمع إليهم، وأن تحاول وتسعى جاهدة إلى المعالجة السلمية أيضاً، بعيداً عن أي أسلوب من أساليب القمع المعتاد، خصوصاً القمع الدموي الذي يهدف إلى إخراس أي صوت وضرب أي طموح وكسر أي تطلع ودفن أي تحرك شعبي . يقال أن الثورة تقوّم في سياقها، وكل ثورة تخلف بصمتها الخاصة والمتميزة. فالثورات تنتقل من مكان الى آخر، وهي تتفاعل تفاعلاً محدوداً، ودراما الثورة الواحدة تختلف عن دراما غيرها من الثورات، ولو تزامنت أو تعاقبت. وكل ثورة لها أبطالها وأزماتها. وتفترض كل منها رواية خاصة بها في معزل عن الأخريات. لكن قد يقول قائل أن تجارب الشعوب لا تستنسخ ولا تستورد...نعم هذا صحيح و لكنها لا ُتمحى من الذاكرة وسيسجلها التاريخ وتستذكرها الشعوب يوماً ما. *اسلام تايمز- خالد محمود
كلمات دليلية
0% ...

آخرالاخبار

صحیفة عبرية: إيران تبدأ حربًا سيبرانية تهدد أمن "إسرائيل"


كردفان تحت القصف.. نزوح واسع وموت المدنيين يهدد السودان!


الأمن الأميركي: لا مؤشرات تربط بين إيران وقتل"نونو لوريرو"


كوريا الشمالية: يجب وقف طموحات اليابان النووية "بأي ثمن"


شاهد.. تصريحات زيدان تشعل سجالا سياسيا حول حصر السلاح في العراق!


رصاصة تخترق سيارة مديرة مكتب بن غفير


مسيحيو إيران ورقة تنوع حضاري من أوراق قوة إيران


حين تتحول التكنولوجيا الإيرانية إلى نموذج يحتذى في البنتاغون!


غزة بلا دواء… والمستشفيات على حافة الموت!


حصر السلاح شمال الليطاني بلا ضمانات.. يشعل الجدل في لبنان!