لا ندري لماذا سارع “العرب” لإدانة عملية تل أبيب في الحقيقة؟ ولا ندري لم دخلت بعض الفتاوى التي تُحرّم قتل “اليهود” العُزّل؟ ولا ندري إن كانت دماء الشعب الفلسطيني المهدورة يومياً على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاصب تعتبر دماء مدنية يُحرّم أيضاً هدرها؟ لكن يبدو فيما يبدو أن الدماء الفلسطينية هي دماء يعود نسبها “للبطّة السوداء”، والبطّة السوداء وأبناؤها، لطالما عانوا على مر السنين، حتى من أبناء عمومتهم “البطّات البيض”!
عملية “تل أبيب” عملية مُحكمة مُتقنة، ضربت مركزاً تجارياً قريب من وزارة الدفاع الإسرائيلية وسط تل أبيب، وبلا شك أنها عملية بطولية نفّذها أبناء عمومة من قضاء الخليل، وخلّفوا وراءهم أربعة قتلى إسرائيليين، وأصابوا ستة بجروح، المُنفّذان التزما بكل القواعد المرورية خلال توجههم لمكان تنفيذ العملية، تنكّرا بلباس متدينين يهود، دخلا إلى المطعم، طلبا وجبة عشاء، ومن ثم بدأوا بإطلاق النار، هناك تخطيط مُسبق، دراسة كاملة لإنجاز العملية، ثبات ووعي، انضباط كامل حتى حانت ساعة الصفر للتنفيذ، العملية كلها تتعدى كونها جهد ارتجالي شخصي للمُنفّذين، وهناك من قد “يُسعدنا” بمثل تلك العمليات “المُباركة” في القادم من الأيام.
هذه الفرحة العارمة التي أصابتنا مع سماع أنباء “عملية تل أبيب”، لم تُفرح الكثير للأسف، وكما قلنا في البداية هناك من سارع لإدانتها بحكم “سماحة” الشهر الفضيل الذي يدعو المسلمين إلى التسامح حتى مع “أعدائهم” على حد تعبيرهم، وحده “حزب الله” اللبناني من حيّا العملية البطولية التي نفّذها شباب فلسطين في قلب تل أبيب، وأكد في بيان له أن كل أشكال الظلم والضغط والعدوان لن تهز أبداً عزيمة الفلسطينيين، كما دعا الشعوب العربية والإسلامية لدعم الشعب الفلسطيني لتمكينه من الاستمرار في خط المقاومة.
موقف “حزب الله” الشريف من العملية ليس غريباً على حزب مقاوم، لكن الغريب المُستهجن أن يُسارع البعض ليس فقط لإدانة العملية، بل وتعزية “الصهاينة” في مُصابهم، اعلامي وكاتب سعودي كان واحداً من الذين قدّموا تعازيهم للشعب الإسرائيلي، بل أكد أن تعاطفه ودعمه للحق الفلسطيني لا يعني أبداً قبول قتل المدنيين والأبرياء، وللحقيقة لا أعرف عن أي أبرياء يتحدث الكاتب؟ وما هو تعريف البراءة في قاموسه؟
هؤلاء “الأبرياء” الذين يتحدث عنهم الكاتب وغيره، هؤلاء قتلة اغتصبوا بلادي فلسطين، ومع هؤلاء لا يجوز بل هو حرامٌ بالإجماع، واعذرونا سنفتي هنا، فأهل الافتاء سقطوا في وحل طاعة الحكام والسلاطين، حرامٌ بالإجماع التسامح مع قتلة الشعب الفلسطيني، هؤلاء “الأبرياء” الذين لا يُفرّقون بين شيخ وطفل وامرأة فلسطينية، كيف لنا أن نتسامح، ونحن شعبٌ أكل الظلم من أضلاعنا، ووجوهنا، وكرامتنا؟
لا نريد منكم ومن أمثالكم سوى الابتعاد عنّا، وتركنا مع همومنا المُمتدة لأكثر من 60 عاماً، نحمد الله أن لا “كفيل” على الأراضي الفلسطينية، يوجب علينا أخذ إذنه قبل تنفيذ العمليات البطولية على أراضينا، ونحمد الله أننا من فلسطين الشامخة الأبيّة، وقبل أن نُودّعكم نريد أن نُذكّركم أن ما أخذ بالقوّة، لا يُسترد إلا بالقوّة، وكل شهر “تسامح” وأنتم بخير!
* خالد الجيوسي ــ رأي اليوم