جرابلس والدواعش الذين تبخروا

جرابلس والدواعش الذين تبخروا
الجمعة ٢٦ أغسطس ٢٠١٦ - ٠٦:٤٦ بتوقيت غرينتش

جعل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من مدينة جرابلس، خنجرا مغروسا في خاصرة سوريا، على مدى السنوات الماضية، بعد ان سهل احتلالها من قبل جماعة "داعش" الارهابية وباقي العصابات التكفيرية، على امل ان تكون نواة للمنطقة الامنة التي كان يحلم بإقامتها في حلب.

كلنا يتذكر خطابات اردوغان وقادة حزبه حزب العدالة والتنمية، والتي كانت تتمحور على ضرورة اقامة منطقة عازلة شمال سوريا، لاسكان اللاجئين السوريين، وكذلك خطاباتهم حول محاربتهم للارهاب التكفيري وعلى راسه الارهاب الداعشي، بينما كل الحقائق على الارض كانت تؤكد اطماع تركيا في حلب، وكذلك كانت تؤكد حجم التواطؤ التركي الفاضح مع الدواعش والقاعدة وجميع العصابات التكفيرية الاخرى في سوريا.

بعض قادة الغرب والعرب والمسلمين، الذين تحالفت بلدانهم ضد سورية، وشاركوا في الجريمة المستمرة منذ خمس سنوات ضد الشعب السوري، كانوا يؤكدون ليل نهار ان الرئيس السوري بشار الاسد راحل لا محالة، وكانوا يحددون لرحيله مواعيد مختلفة، وكان صاحب اقصر هذه المواعيد الرئيس التركي اردوغان، حتى ان بعض بطانته وضعوا اسابيع لرحيله كحد اقصى.

“ثقة” اردوغان “الاكيدة” برحيل الاسد، كانت تنطلق من معرفته بالعدد الكبير للمسلحين الذين تدفقوا الى سوريا عبر حدود تركيا، وكذلك لمعرفته بنوع الاسلحة المتطورة التي تم تسليح المجاميع التكفيرية بها من قبل امريكا وبعض الدول الخليجية وتركيا، وكذلك لمعرفته بحجم الاموال التي كانت تنهال عليهم من السعودية وقطر، فكل هذه الامكانيات الضخمة، لم تكن كفيلة باسقاط الحكومة السورية فحسب، بل باسقاط سورية من الوجود، وتحويلها الى دويلات قومية ومذهبية متصارعة.

لكن وبعد مرور خمس سنوات على الحرب المفروضة على سورية، انقلب السحر على الساحر، فلم يحقق اردوغان حلمه باقتطاع حلب من سوريا، ولا اسقاط الحكومة السورية، بل ان الخطر انتقل الى عقر داره، واصبحت تركيا هي المهددة بوجودها وبوحدة اراضيها وبامنها، بعد ان انتقل “الدواعش” للعمل في الداخل التركي، وشهدت تركيا العديد من التفجيرات الارهابية التي اودت بحياة المئات من الابرياء، وبعد ان نجح اكراد سورية في فرض هيمنتهم على شمال سوريا، وانتقلوا الى الضفة الغربية من نهر الفرات وحرروا مدينة منبج ولم يتبق سوى بلدتي جرابلس والباب للوصول الى عفرين اقصى نقطة في شمال غرب سورية، وبذلك سيفصل الاكراد بين تركيا وبين الجماعات المسلحة على مختلف اطيافها ومن ضمنها “داعش” والقاعدة، داخل سورية.

الكابوس الذي قضّ مضجع اردوغان، لم يكن الخوف على حياة العصابات التكفيرية، بل هو الكيان الكردي في شمال سورية الذي اخذ يتبلور شيئا فشيئا دون ان يتمكن اردوغان من فعل اي شيء عبر المجاميع التكفيرية، لذلك قرران يتدخل بجيشه وقواته الخاصة ودباباته ومدرعاته هذه المرة في سورية، فكانت معركة “تحرير” جرابلس!!.

قبل الغزو التركي لسورية عبر بوابة جرابلس، انقلب الخطاب التركي 180 درجة، فالمستمع لخطابات اردوغان وقادة حزبه، يشعر وكأن الاتراك لم يشعروا بخطر “داعش” الا اليوم، ولم يعرفوا ان جرابلس هي في قبضة “داعش” الا اليوم، كما ان وحدة التراب السوري اصبحت في ليلة وضحاها امرا مقدسا وخطا احمر للاتراك، ولن يسمحوا بتجزئة سورية.

الملفت ان انقلاب اردوغان على سياسته السابقة ازاء ما يجري في سورية، كان استعراضيا بشكل فاضح، وبان ذلك في طريقة “تحرير” اردوغان لجرابلس من مسلحي “داعش”، فالدواعش “تبخروا” حتى قبل ان يصل الجيش التركي، ولم تنقل اي وسيلة اعلامية محايدة افلاما او صورا عن “الاشتباكات” التي وقعت بين الجيش التركي و بين الدواعش.

لم تمر ساعة واحدة على دخول الجيش التركي للاراضي السورية، حتى تم محاصرة الدواعش في جرابلس من اربع جهات، وبعد اقل من ساعة تم اعلان تحرير المدينة، وكأن الجيش التركي قد  خصص ممرات امنه للدواعش للخروج من جرابلس، اما للانتقال الى داخل تركيا او الى بلدة الباب، ليكونوا ذريعة مناسبة للجيش التركي من اجل التقدم نحو تلك البلدة، قبل ان يحررها الاكراد!!.

ما حصل من “تحرير” لجرابلس في وقت قياسي، ومن اختفاء و”تبخر” الدواعش في لحظات، يجعلنا نشكك في نوايا اردوغان، الذين يحاول الظهور هذه الايام بمظهر النادم ازاء ما فعل بسوريا وبشعبها على مدى خمس سنوات، وما يعزز هذه الشكوك، رفضه الى الان اي تنسيق عسكري مع الحكومة السورية، ضد الجماعات التكفيرية وفي مقدمتها “داعش”.

* شفقنا

2-210