حفريات نتنياهو؛ فلسطين على أبواب انتفاضة جديدة

حفريات نتنياهو؛ فلسطين على أبواب انتفاضة جديدة
الجمعة ٢٨ أكتوبر ٢٠١٦ - ٠٦:٥٤ بتوقيت غرينتش

يبدو أن التطوّرات الحاصلة في مدينة القدس المحتلّة بدأت شيئاً فشيئاً تتخذ منحى تصاعديا ينذر بانتفاضة جديدة، وخصوصاً بعد التصريحات الأخيرة لرئيس وزراء الکيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تعهّد بالمشاركة الشخصية في الحفر ونقل التراب من أسفل المسجد الأقصى، داعيا المجتمع اليهودي إلى الانضمام إليه.

وتأتي تصريحات نتنياهو عقب قرار حكومة الکيان إجبار كل إسرائيلي على المشاركة في الحفريات التي تنفذها سلطة آثار الاحتلال أسفل المسجد الأقصى المبارك، ومحيطه، وباقي مناطق القدس، بهدف الحصول على "أدلة"، تربط اليهود بالمكان، بعد قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" أن "لا علاقة لليهود بالأقصى وحائط البراق"، واعتباره "المسجد الأقصى وكامل الحرم القدسي الشريف موقعا إسلاميا مقدسا ومخصصا للعبادة".

كذلك، يتزامن كلام نتنياهو مع اقتحام سلطة آثار الإحتلال لمقبرة باب الرحمة، الملاصقة للمسجد الأقصى، وقيامها بهدم وتجريف بعض القبور داخلها، وذلك ردّاً على قرار "اليونيسكو" الذي نصّ على الحفاظ على التراث الثقافي الفلسطيني وطابعه المميز في القدس.

حتّى نتنياهو حاول استغلال الجماعات التكفيرية كداعش وأخواتها للصق تهمة الإرهاب بالإسلام، متناسياً أن المسلمين هم ضحايا هذه الجماعات قبل غيرهم، كما أن المعارك التي تدور ضد هذه الجماعات هي اسلاميّة بامتياز، وإن لم يخلُ الأمر من بعض الدول الغربية التي تسعى لتأمين مصالحها السياسيّة هنا والإقتصاديّة هناك، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا قدّم الکيان الاسرائيلي في سبيل مكافحة الإرهاب؟ ألا يدعم الجماعات المسلّحة في الجنوب السوري، بما فيها جبهة النصرة الإرهابيّة؟ ألا تعزّز اجراءات نتنياهو الإرهاب والتطرف وتهدد السلم والأمن في العالم؟

إن الصمت العربي والدولي، الذي خرقته بعض بيانات الإدانة "الطفيفة"، على تلك الجرائم العلنية يشجّع نتنياهو علی تنفيذ جرائمه على مرأى ومسمع من العالم، وهذا ما يفسّر استمرار تصاعد اقتحامات المستوطنين واستباحتهم لحرمة ومكانة المسجد الأقصى الدينية لدى المسلمين الامر الذي يتطلّب موقفا وتحركا عربيا إسلاميا عاجلا للتصدى لعداون وجريمة نتنياهو النكراء بحق كل العرب والمسلمين والأحرار في العالم.

عوداً على بدء، إن هذه الجريمة النكراء بحق المسجد الأقصى، والتي تنذر بانهياره، تؤكد تسريع المخططات الإسرائيلية الممنهجة، الأمر الذي يستوجب تنفيذاً لقراري اليونيسكو حول وقف العدوان الإسرائيلي علی المقدسات وتوفير الحماية اللازمة لها، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى التالي:

أولاً: إن الحكومة الإسرائيلية تتحمّل كافّة التبعات في حال قرّر نتنياهو انتهاك حرمة المسجد الأقصى كسلفه شارون الذي أشعل انتفاضة الأقصى باقتحامه والجنود الإسرائيليين للمسجد المبارك، وإذا كان قرار سلطة آثار الاحتلال، ضرورة أن يشارك كل شاب إسرائيلي قبل تجنيده في الجيش، في عمليات الحفر أسفل الأقصى، وفي محيطه، كـ" مهمة وطنية"، فالدفاع عن الأقصى هي مهمّة وطنية وعربية وإسلاميّة.

ثانياً: إن أي انتفاضة جديدة على شاكلة انتفاضة الأقصى حق مشروع لكافّة أبناء الشعب الفلسطيني، ومن يدعمهم، وفي حال اعتقدت السلطات الإسرائيلية أن التطمينات التي أطلقها أحد المسؤولين الكبار في السلطة الفلسطينيّة، والذي لم يُكشف عن اسمه، لصحيفة (هآرتس) العبريّة، حول ضغوط أمريكية ومصريّة على محمود عباس تكفي لاسكات الأخير عن انتهاك حرمة الأقصى، فتجدر الإشارة إلى أنّه لم يكن في يوم من الأيام التعويل على السلطة السياسيّة، وتحديداً السلطة الحاليّة، بل الرهان كل الرهان على الشبّان والشابّات أصحاب "انتفاضة السكاكين" كأشرقت قطناني وأصدقائها.

ثالثا: لا شكّ في أن نتنياهو يستغل اليوم انشغال العالم بمعركة الموصل للالتفاف على قرار "اليونيسكو". أبلغ تعبير على هذا الأمر هو ما قاله الخبير الأمني الإسرائيلي في صحيفة "معاريف" يوسي ميلمان "أن هذه الأحداث (معركة الموصل) تشكل أخبارا سارة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان والمستوى العسكري الإسرائيلي، لأنها تلفت أنظار العالم بعيدا عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما قد يمنح "إسرائيل" حرية واسعة من الحركة لفعل ما تريده في الضفة الغربية وقطاع غزة، من دون أن تواجه ضغوطا دولية شديدة عليها".

رابعاً: رغم أن خيار الإنتفاضة هو الأفضل لمواجهة العدوان الإسرائيلي على المسلمين، إلا أن صمود المقدسيّين في وجه الحفريات والحفاظ على قدسية وسلامة المسجد الأقصى من الداخل، أمرٌ لا يقل أهميّة عن الخيار الأول.

خامساً: لطالما صبّت كل الجهود الدولية التي تم بذلها حتى الآن سواء من قبل "اللجنة الرباعية الدولية" أو الأمم المتحدة أو أمريكا لصالح إنقاذ الاحتلال الإسرائيلي، حيث تغيب هذه الجهود عندما تحضر حاجتها لدى الشعب الفلسطيني. ولكن، حالياً، عندما يقع الفأس بالرأس كما يقول المثل، لن يجدي الكلام نفعاً، ولا قيمة للرهان على أي جهود عربية ودولية لإخماد انتفاضة الأقصى، لاسيّما أن عوامل اشتعال الانتفاضة وامتدادها في وجه الاحتلال الإسرائيلي أكبر بكثير من كل محاولات إخمادها.

سادساً: أعجبتني بعض التحليلات "البريئة" التي تنطوي على شيئ من الواقع والتي جاء فيها: إن "داعش" و"اسرائيل" وجهان لعملة واحدة، فقد جاءت "داعش" لتخفّف عن الجبهة الإسرائيلي، وها هي اليوم "اسرائيل" تبادل "داعش" الجميل نفسه، عبر الضغط في فلسطين للتخفيف عن داعش في الموصل وسوريا".

يبدو أنّنا على أبواب انتفاضة جديدة باتت تنتظر ساعة صفرها التي يحدّدها نتنياهو بنفسه، فهل يفعلها أم يتراجع، أم أن الضغوط الإسرائيلية ستجبر "اليونيسكو" على التراجع؟

* الوقت

2-210