من يحكم روسيا ؟... هل القصر يتحمل قيصرين؟
الأحد ١٤ مارس ٢٠١٠
١٠:٠٠ بتوقيت غرينتش
لم تعرف روسيا في تاريخها قضية الازدواج في السلطة، لا في الحقبة القيصرية ولا في الحقبة السوفييتية، فقد كانت دائماً الأمور واضحة ومحددة، والسلطة دائماً لمن يجلس في الكريملين، ولا جدال في ذلك، حتى ولو ظهر أشخاص بجوار الحاكم من ذوي النفوذ أو السلطات الواسعة.
وحتى في ظروف عجز الحاكم عن إدارة شؤون الحكم بسبب صغر السن في عهد القياصرة أو لأسباب صحية كما في الحقبة السوفييتية، فقد كان الحاكم واحداً، ولم يكن هناك شخص آخر ينافسه مكانته لدى الشعب.
فقد كان الزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف في السنوات الثلاثة الأخيرة من عمره يحكم الدولة وهو في شبه غيبوبة مستمرة، لكن أحداً لم يجرؤ آنذاك أن يقول إن هناك شخصاً آخر يدير الأمور، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وفي النصف الثاني من عقد التسعينات كانت الحالة الصحية للرئيس يلتسين لا تسمح له بممارسة مقاليد الحكم.
لكن الأمور كانت تسير دون ظهور أي اسم آخر بجوار اسمه، وخلال السنوات الثماني التي حكم فيها فلاديمير بوتين روسيا حتى عام 2008 لم يكن هناك أي شك في أنه هو، وبمفرده، الذي يدير الأمور.
ومع مجيء الرئيس الشاب ديمتري ميدفيديف للحكم في مارس عام 2008 شهدت روسيا لأول مرة في تاريخها سؤال ازدواج السلطة، ورغم أن الأمور كلها محددة دستورياً ورسمياً.
حيث الرئيس ميدفيديف هو الرئيس بكافة سلطاته الواردة في الدستور، وبوتين هو رئيس الوزراء بالسلطات المحددة له في الدستور، إلا أن السؤال حول (من يحكم روسيا.. بوتين أم ميدفيديف؟) لم يتوقف طرحه على كافة الصُعد وفي الداخل والخارج.
وقد عاد السؤال حول رأسي الحكم في روسيا (بوتين وميدفيديف) يتردد من جديد مع تزايد حدة الانتقادات والهجوم الموجه ضد رئيس الوزراء فلاديمير بوتين من بعض الجهات التي تريد أن تحمله المسؤولية عن تقاعس حكومته في مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية.
بينما يتهمه البعض الآخر بأنه يعوق سياسات الرئيس ديمتري ميدفيديف الليبرالية الحديثة التي تهدف إلى تطوير الاقتصاد الروسي وعصرنته، ووصلت حدة الهجوم على رئيس الوزراء بوتين إلى خروج مظاهرات في بعض المدن الروسية تندد بسياساته، آخرها في مطلع فبراير الجاري مظاهرة كبيرة في مدينة كاليننغراد الغربية رفعت شعارات ولافتات تطالب بإقالة بوتين.
- رؤية أخرى
سؤال العلاقة بين رأسي السلطة في روسيا تنقسم حوله الآراء اتجاهين، الأول يذهب إلى وجود خلافات حقيقية بين ميدفيديف وبوتين حول أساليب وسياسات إدارة الدولة، وأن هذه الخلافات تزداد حدتها يوما بعد يوم، والاتجاه الثاني يرى عدم وجود أي خلافات بين الاثنين ويرى أن هناك جهات داخل روسيا تروج لوجود هذه الخلافات لأهداف ومصالح خاصة.
وأن هذه الجهات تسعى إلى الالتفاف حول الرئيس ميدفيديف وإقناعه بأنه هو الأفضل وأن توجهاته هي الأكثر ملائمة لروسيا في الوقت الراهن، وخاصة في المجالات الاقتصادية، ويحدد البعض أصحاب هذه الاتجاهات بفئتين هما.
أولا «الأوليجارخية» من النخبة أصحاب الأعمال والمليارديرات الذين تغلغلوا في أركان السلطة في عهد الرئيس الراحل يلتسين وسيطروا على مراكز صنع القرار وعلى مفاتيح الاقتصاد الروسي.
ثم جاء بوتين ليشن حملة قوية عليهم ويقلص سلطاتهم ونفوذهم، والجهة الثانية هم الشيوعيون الذين همّش بوتين دورهم ووجودهم وقلص من شعبيتهم كثيرا بسبب طروحاته في السياسة الخارجية المشابهة كثيرا لطروحاتهم.
خاصة حول استعادة أمجاد الدولة العظمى والحنين للعهد السوفييتي، وأيضا تشابه طروحاته الاقتصادية مع طروحاتهم حول تدخل الدولة في الاقتصاد ووضع اقتصاد السوق تحت رقابة الدولة، الأمر الذي أدى إلى تقليص شعبية الشيوعيين في الشارع الروسي بشكل ملحوظ.
- لعبة الشيوعيين
رغم تقارب وجهات النظر بين الشيوعيين الروس ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين إلا أن الشيوعيين بقيادة زعيمهم جينادي زيوجانوف الذي يقود المعارضة في البرلمان يسعون للتقرب من الرئيس ديمتري ميدفيديف الذي يختلف معهم كثيرا في التوجهات الأيديولوجية والسياسية.
ففي الوقت الذي يمجد فيه بوتين الزعيم السوفييتي الأسبق ستالين ويعيد له مكانته في المجتمع ويعيد سيرته الذاتية كبطل قومي وزعيم خالد إلى كتب التلاميذ في المدارس، وهذا شيء من المفترض أن يلقى ترحيبا كبيرا من الشيوعيين الذين لم يكفوا على مدى العقدين الماضيين عن رفع صور ستالين في تظاهراتهم في كافة المدن الروسية.
لكن الشيوعيين الروس رغم هذا يذهبون إلى الهجوم على رئيس الوزراء بوتين ودعم الرئيس ميدفيديف الذي عبر أكثر من مرة عن رفضه للماضي، وخاصة الحقبة السوفييتية، ورغم رفض ميدفيديف لأي شكل من أشكال التدخل للدولة في الاقتصاد وتأييده لسياسة اقتصاد السوق بكافة أبعادها الغربية، إلا أن الشيوعيينالروس يرون ويصرحون بأن كافة الأخطاء مصدرها رئيس الوزراء بوتين.
وينتقدون بشدة إدارة بوتين للاقتصاد الروسي في ظل ظروف الأزمة العالمية، وهذه اللعبة المزدوجة من الشيوعيين الروس أمر