عطوان: هل يعني اعتراف بولتون فشل الحرب في سوريا والذهاب إلى طهران؟

عطوان: هل يعني اعتراف بولتون فشل الحرب في سوريا والذهاب إلى طهران؟
الثلاثاء ٠٣ يوليو ٢٠١٨ - ٠٣:٥٧ بتوقيت غرينتش

من يتمعن في التصريحات الخطيرة التي أدلى بها جون بولتون، مستشار الرئيس دونالد ترامب للأمن القومي، التي أدلى بها لمحطة تلفزيون CBS يخرج بانطباع راسخ مفاده أن الحرب الأميركية المقبلة في الشرق الأوسط ستكون في إيران حتماً، وفي وقت قريب على الأرجح.

العالم  - مقالات وتحلیلات

بولتون الذي يعتبر من أكثر صقور الإدارة الأميركية كراهية للإسلام والمسلمين، وانحيازاً لإسرائيل وأجندتها في المنطقة، كشف في التصريحات نفسها أنه لا يعتقد أن الرئيس السوري بشار الأسد يمثل مشكلة استراتيجية بالنسبة إلى بلاده، وأن المشكلة الاستراتيجية الحقيقية هي إيران".

الخطر الإيراني بالنسبة لبولتون لا ينحصر فقط في طموحاتها النووية، وتطويرها أسلحة في هذا الصدد، وإنما "دعمها الكبير أيضاً، والمتواصل للإرهاب الدولي، ووجود أذرعها الثورية في منطقة الشرق الأوسط".

هذا الكشف غير المسبوق يعني حدوث تغيير جذري في الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط عنوانه الأبرز الذهاب إلى مركز الخطر بالنسبة إلى أميركا وإسرائيل، أي "رأس النظام" في طهران، والتوقف عن شن الحرب للقضاء على وجودها، وحلفائها وقواتها، في الأطراف، أي سوريا، ولبنان، وأفغانستان، والعراق، وقطاع غزة.

***

ما يؤكد هذه النظرية عدة تطورات يمكن إيجازها في النقاط التالية:

ـ أولاً: تهديد الرئيس ترامب بفرض حصار خانق شرس على إيران يتواضع أمامه الحصار المفروض على كوريا الشمالية.

ـ ثانياً: اتصال الرئيس الأميركي بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ومطالبته برفع إنتاج النفط السعودي إلى سقفه الأعلى، أي 12 مليون برميل يوميا، بزيادة مقدارها مليوني برميل، لتعويض أي نقص في أسواق النفط، سواء كان ذلك بسبب شن حرب وشيكة ضد إيران، أو ضرب منشآتها وآبارها النفطية، أو الاحتمال الأرجح والأسرع الذي قد يتجسد في إغلاق الأبواب بإحكام أمام الصادرات النفطية الإيرانية إلى الصين والهند وتركيا وفرنسا وإيطاليا واليونان، الزبائن الأكبر لها، لتجفيف الموارد المالية وزيادة معاناة الشعب الإيراني.

ـ ثالثاً: إعلان الرئيس ترامب عن نواياه بسحب قواته من سوريا، وحث حلفائه بدول مجلس التعاون على إرسال قوات بديلة خاصة في شرق الفرات، تحسباً لتعرضها لهجمات من قبل "الحشد الشعبي"، و"حزب الله العراق"، وحركات عسكرية عراقية أخرى مثل "النجباء"، في حال فرض الحصار أو الذهاب إلى الحرب.

ـ رابعاً: تخلي الولايات المتحدة كليا عن الفصائل السورية المسلحة في جنوب غرب سوريا، وإبلاغ قادة هذه الفصائل رسميا من قبل قيادة غرفة "الموك" الأميركية في الأردن أنها لن تتدخل لحمايتها من الجيش العربي السوري الذي وصلت وحداته إلى ريفي درعا والسويداء لاستعادة السيطرة الكاملة عليهما، وإعادة فتح المعابر الحدودية السورية الأردنية.

ـ خامساً: تمسك الولايات المتحدة بقاعدة التنف على الحدود العراقية السورية والقريبة من الأردن، ومنع أي تواجد لسوريا وحلفائها شرق الفرات، لقطع طريق الإمداد الإيراني البري إلى قوات الحلفاء في العراق وسوريا ولبنان.

***

الركن الأساسي في الاستراتيجية الأميركية تتلخص مقدماته في انطباع راسخ لدى واضعيه بأنه إذا نجحت الضغوط العسكرية أو الاقتصادية، أو الاثنان معاً في تغيير النظام في طهران، فإن عملية تغيير النظام في سوريا وربما العراق أيضاً، والقضاء على أذرع إيران العسكرية، وخاصة "حزب الله" في لبنان، ستكون أكثر سهولة ويسراً، وتحصيل حاصل.

نظريا، أو على الورق، تنطوي هذه الاستراتيجية على بعض الصحة، بالنظر إلى قوة أميركا كدولة عظمى مدعومة بإسرائيل وبعض العرب، ولكن عندما يتم تطبيقها عمليا، ربما تكون النتائج كارثية على أصحابها، فإيران اليوم ليست عراق عام 2003، ليس لأنها أقوى، وإنما أيضاً لأنها جزء من منظومة إقليمية ودولية لا يجب التقليل من أهميتها وصلابتها.

العراق في عامي 1991 و2003 كان محاصراً عربيا وأميركيا وأوروبيا، وحليفه الروسي المفترض كان يحكمه رئيس مخمور وخاضع للوبيات اليهودية الصهيونية، وتمر بلاده بمرحلة انتقالية عنوانها الفوضى والتبعية السياسية والاقتصادية للغرب، ولذلك كان حصاره وتدميره ومن ثم غزوه واحتلاله عملية سهلة، لكن الوضع الحالي في إيران مختلف جذريا.

نتنياهو هو الذي وضع هذه الاستراتيجية الأميركية الجديدة، أي إعطاء الأولوية لتغيير النظام في طهران، تماماً مثل أستاذه برنارد لويس، وعملاء إسرائيل من اليهود في إدارة جورج بوش الابن، مثل بول وولفوفيتز، وريتشارد بيرل، الذين هندسو خطة غزو العراق واحتلاله، ولكن الفرق يكمن في أن مئات آلاف الصواريخ التي تزدحم بها ترسانات أسلحة إيران وسوريا و"حزب الله" وحركة "حماس" ستهطل مثل المطر فوق رؤوس الإسرائيليين، وحلفاء أميركا وقواعدها في منطقة الخليج الفارسي.

ربما يكون بولتون وحلفاؤه من المحافظين الجدد نجحوا في تدمير العراق واحتلاله، ولكننا لا نعتقد أن النجاح سيكون حليفهم في إيران في المرة المقبلة، وسيكون الثمن الذي سيدفعونه وحلفاؤهم باهظاً جدا.

أعترف أنني عندما شاركت مع بولتون في برنامج تلفزيوني على شاشة الـ BBC الإنجليزية العامة قبل شهر من العدوان على العراق كان الصواب حليفه عندما قال لي انتظر وسترى النتائج الصادمة لك، ولكن المقاومة العراقية لم تخذلني مطلقاً، ولقنت الأميركان درساً قاسياً، ولا أتحدث عن تمنيات، وإنما وقائع أيضاً.. ويشرفنا دائماً أن نكون في الخندق المواجه للعدوان الأميركي والإسرائيلي.. والأيام بيننا.

* عبد الباري عطوان