العالم - تقارير
هناك وبعد أن رأت عيون العالم العديد من إثارات الفتن وإندلاع الحروب المدمرة، كالحرب العالمية الاولى والثانية والحرب الباردة وحرب فيتنام وإشعال فتيل الفتن و الأزمات في منطقة شرق الأوسط وغيرها،ظهرت اساليب جديدة استخدمتها الوكالات الاستخباراتية العالمية "CIA" في تنفيذ مهمات حساسة كتلك التي أرادت بها الاطاحة بزعيم ما قد يشكل عقبة في طريق سياسة تلك الدولة واجندتها، فإنها نموذجا بارعا في تخطيط لتنفيذ هذه المهمة متناسقا مع الإوضاع التي تتابع تهديمها.
كما تراوحت محاولات القتل، من القناصة إلى أفكار مبتكرة، كالاغتيال في أفلام الجواسيس، وأشهرها السيجار المتفجر الشهيرة وبدلة الغوص المبطنة بالسم!.
فتاريخ ال "سي اي ايه" حافل بمحاولات الاغتيال، أما البارزة منها هي محاولة استهداف "فيدل كاسترو" رئيس كوبا،
حيث فشلت في محاولتها ضده في المرتبة الأولى و لكنها نجحت منذ عام 1945 في إزاحة أو قتل عدد من القادة في أماكن أخرى من العالم، إما بشكل مباشر أو في أحيان كثيرة باستخدام عملاء لها من عسكريين أو مجرمين والمنشقين المتطرفين داخل تلك الدول.
تورط المخابرات الأمريكية “سي آي إيه” في عملية اغتيال رؤساء وزعماء،منها...
1- رئيس الإكوادور خايمي رودلس
وصل خايمي للسلطة عام 1979 وبدأ في سياسات للحد من سيطرة ونفوذ الشركات الأمريكية على الإكوادور، وبدأ رولدس تدشين ما سُمِّيَ فيما بعد “السياسات البترولية”؛ فقد كان رولدس يرى أن أكبر ثروات الإكوادور هي الثروات البترولية وبالتالي فإن أي استثمارات في الإكوادور يجب أن تعود بالنفع على أكبر عدد من السكان.
في العام 1981 بدأ رودلس فى فرض سياسات جديدة تضيق عل الشركات العالمية مفادها أنه إذا لم تضع الشركات البترولية والمستثمرين في الإكوادور خططًا لمساعدة شعب الإكوادور فإن عليهم مغادرة البلاد، الأمر الذي عُرف وقتها بمشروع “الهيدروكاربون”.
بالطبع لم تكن الولايات المتحدة لتقبل بهذا كعادتها فدبرت محاولة لاغتيال رولدس عبر حادث طائرة فى مايو 1981، ورغم إنكار الولايات المتحدة رسميًّا تورطها في الحادث إلا أن العديد من الساسة الأمريكيين السابقين يجزمون ببصمات المخابرات الأمريكية، وأبرزهم الخبير الاقتصادي جون بيركنج الذي عمل مع الشركات العاليمة فى الإكوادور.
وهي الفرضية التي يعززها اغتيال رئيس بنما عمر توريخوس بنفس الطريقة وعبر تحطم طائررة في يوليو من نفس العام بسبب معارضته للسياسات الأمريكية.
2- رئيس بنما عمر توريخوس
حاكم بنما بين عامي “1968 و1981″، لم يتسم توريخوس برئيس الجمهورية لكنه بدلاً من ذلك أطلق على نفسه ألقابًا منها “القائد الأعلى لثورة بنما” و”الرئيس الأعلى للحكومة”، ورغم أن توريخوس لم يصل إلى السلطة عبر الانتخابات إلا أنه كان يتمتع بنوفذ كبير في بنما واستقلالية كبيرة في القرار.
يُعرف بمعاهدات توريخوس – كارتر مع الرئيس الأمريكي جيمى كارتر التي أعطت بنما السيادة الكاملة على قناة بنما عام 1979،
ولم يكتف توريخوس بذلك بل شرع في تنفيذ مشروع جديد بحفر قناة موازية لقناة بنما بإشراف ياباني بعد أن رفض منح امتيازها لشركة بكتل الأمريكية،
كما اتخذ عدة قرارات تقلص من نفوذ الشركات المتعددة الجنسيات في بنما وأبرزها شركة “يونايتد فروتس” المملوكة للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش.
تم اغتيال عمر توريخوس بحادث تفجير طائرة غامض في يوليو 1981، وجاءت الولايات المتحدة بالجنرال المشبوه المتحالف معها “إيمانويل نورويجا” خلفًا له، قبل أن تقرر الولايات المتحدة غزو بنما عام 1988 بحجة النشاطات غير القانونية لنورويجا – التي كانت تعرفها الولايات المتحدة مسبقًا – وقبضت عليه وقامت بسجنه ومحاكمته.
3- الرئيس الكونغولى باتريس لومومبا
كان لومبوبا أحد أبرز قيادات المقاومة الوطنية التي كافحت ضد الاستعمار البلجيكي؛ حيث أسس الحركة الوطنية الكونغولية عام 1954 وظل يكافح حتى عام 1959؛ حيث تم اعتقاله من قِبل القوات البلجيكية لمدة 6 أشهر قبل أن يتم نقله بالطائرة إلى بروكسل – بعد فشل بلجيكا في السيطرة على الاحتجاجات.
وفي يناير 1960 تم الاتفاق على الاستقلال يوم 30 يونيو 1960، وقبلها صدر القانون المركزي – الدستور – في مايو الذي أقر دولة مركزية “السلطة في يد رئيس الوزراء”.
خاض حزب لومبوبو الانتخابات وحصل أغلبية أهلته لتولي رئاسة الحكومة، وبعد مرور أقل من 5 أيام على توليه الحكومة –نعم، 5 أيام فقط!!... بدأ التحضير المشترك بين الولايات المتحدة وبلجيكا للإطاحة به عبر دعم دعوات الانفصال في إقليمي كاتونغا وكازائي؛ حيث أعلن زعيما الانفصال في كاتنغا وكازائي عن إقامة اتحاد بين المقاطعتين، وبدآ السعي معًا إلى إسقاط باتريس لومومبا بدعم من الحكومة البلجيكية والولايات المتحدة عبر شركات المناجم البلجيكية في الكونغو.
وفي عام 1961 دعمت الولايات المتحدة وبلجيكا الانقلاب الذي قام به الجنرال موبوتو سيسكو ضد لومومبا؛ حيث ألقت قوات درك كتانغا القبض على لومومبا – في حضور قوات الأمم المتحدة – في مطار إليزابثفيل لدى هبوطه من الطائرة وتم نقله – ورفاقه – إلى سجن بلجيكي، وأعدموا رميًا بالرصاص بعد بضع ساعات على يد كتيبة إعدام يقودها ضابط بلجيكي.
وتم التخلص نهائيًّا من الجثث بعد أربعة أيام بتقطيعها إلى قطع صغيرة وإذابتها في حمض الكبريتيك، ونفّذ هذه المهمة ضابط شرطة بلجيكي اسمه جيرارد سويت.
ووفقًا لما يعرف بتقرير لجنة تشيرش “المسماة باسم رئيس اللجنة وقتها وهو عضو فى مجلس الشيوخ”، وهي لجنة مكونة من 11 سيناتورًا شُكِّلت عام 1975 داخل الكونغرس الأمريكي للإشراف علي الإجراءات السرية التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فإن الوكالة ظلت تمول وتشجع المعارضين الكونغوليين الذين أبدوا رغبتهم في اغتيال لومومبو.
وبعد أن تم إحباط محاولة لقتله عن طريق منديل مسمم من قبل قوات حرسه، قام وكلاء السي آي إيه بإخبار معارضيه الذين سلحتهم عن مكان اختباءه، إلى أن تم القبض عليه في أواخر عام1960 وتم قتله فيما بعد بتلك الطريقة الغامضة التى كُشِفَ عنها مؤخرًا، كما تحدث المخبر السابق في وكالة الأمن القومي، روبرت جونسون، عن اجتماع جمع الرئيس الأمريكي أيزنهاور وضباط استخبارات عليا تم التوصل فيه بشكل ضمني إلى قرار باغتيال لومومبا.
4- الجنرال نغو دييم رئيس فيتنام الجنوبية
لعل أبرز ما يثير الانتباه في هذا الشأن أن الجنرال المقتول نغو دييم كان حليفًا للولايات المتحدة، بل لعله كان حليفها الأول فى فيتنام.
كان نغو دييم رئيسًا لجمهورية فيتنام الجنوبية، وكان قد تلقى تعليمه في أمريكا عام 1950، وأسَّس علاقات سياسية مع وزارة الخارجية وبعض أعضاء الكونغرس والتقى بالسناتور جون كيندي، وعاد ديم إلى فيتنام الجنوبية قبل شهور من انسحاب الفرنسيين وتم تعيينه رئيسًا للوزراء عام 1954، وفي العام التالي عدّل الدستور ومنح نفسه سلطات مُطلقة وأقال الإمبراطور وعيَّن نفسه رأسًا للدولة وعين أقاربه في جميع المناصب الحساسة.
ولَقِيَ حُكم دييم معارضة كبيرة من جبهة التحرير الوطنية (فيتكونق) الداعية لتوحيد فيتنام “الشمالية والجنوبية” وهو ما كانت ترفضه الولايات المتحدة – لثقتها في فوز زعيم فيتنام الشمالية المعادي لها برئاسة الجمهورية الموحدة -، فأوعزت إلى دييم بقمع الاحتجاجات ضده كما استُخدمت الطائرات الأمريكية في عمليات القمع، وامتد الأمر كذلك حتى عام 1963 حين ألغى النظام الاحتفال بعيد ميلاد بوذا “ديانة الغالبية” الأمر الذي أشعل الاحتجاجات في كل أنحاء البلاد، فاضطر ديم لإعلان الأحكام العرفية واعتقال رجال الدين، وهو الأمر الذي زاد من السخط الشعبي ضد النظام.
وبعد أن تفاقمت الأمور وأدرك السفير الأمريكي فقدان السند الشعبي للنظام، وأنه غير مؤهل لإحراز نصر في الحرب ضد الشمال، اتصل بالإدارة الأمريكية للموافقة على تدبير انقلاب عسكري، واختارت المخابرات الأمريكية الجنرال تران دون لقيادة الانقلاب – ونوقشت التفاصيل الأخيرة لخطة الانقلاب مع القيادة الأمريكية في 13 أغسطس عام 1963 – وتمّ دفع التمويل اللازم له، ونجح الانقلاب وتمت تصفية الرئيس وشقيقه في نوفمبر 1963 وهي العملية التى تم الكشف عنها في أوراق السي آي إيه فيما بعد.
5- الزعيم والرئيس الكوبي فيدل كاسترو
رغم أن المخابرات الأمريكية – أو أي جهة أخرى – لم تنجح في اغتال كاسترو، إلا أن وضعه في هذه القائمة لم يكن عبثًا، فهو الرجل الأكثر تعرضًا لمحاولات الاغتيال في التاريخ بواقع 638 محاولة فاشلة منذ عام 1959 وحتى تنازله عن رئاسة الجمهورية إلى أخيه الأصغر “راؤول كاسترو” في العام 2008 بسبب ظروفه الصحية.
بينما تنوعت أشكال المحاولات بشكل بارز بدءًا من استخدام عصابات المافيا ك”آل كابونى” إلى محاولة استغلال شغف كاسترو بالصيد فى زرع قنابل مفخخة فى البحر إلى استغلال علاقاته النسائية لأجل قتله بالسم إلى الهدايا المتفجرة وعمليات زرع المتفجرات والاستهداف المباشر بالرصاص وغيرها الكثير.
محاولات اغتيال فاشلة التي قادتها جميعها وكالة الاستخبارات الأمريكية “CIA” بمعاونة بعض معارضيي “كاسترو” الكوبيين والمنفيين خارج البلاد، وتورط بها كل رؤساء الولايات المتحدة، فطالما كان شوكة في جنوبهم تؤرقهم ، بدءًا من “أيزنهاور” مرورا بـ ”كنيدي” و”جونسون” و”نيكسون” و”كارتر” و”ريغان” و”بوش” الأب ووصولاً إلى “بيل كلينتون” مستخدمين وسائل متنوعة للتخلص منه مثل القناصة، والمتفجرات، وسيجار مسمم إلى العبوات الناسفة، وتلك التي وضعت داخل كرة بيسبول ولكن دون أن تُسفِر كل تلك المحاولات عن لا شيء!!.
فكاسترو ،لا يزال يحكم كوبا حيث مر عليه هؤلاء العشرة من رؤساء أمريكيين، وهو يقول بافتخار إنه نجا من ستمئة وسبعة وثلاثين محاولة اغتيال.وعن ذلك قال كاسترو إنه "يشعر أنه لا يستحق هذا الشرف العظيم".
وكالة الاستخبارات الأمريكية عادت لعمليات الاغتيال...
هذا وبعد أن أمرت الحكومة الأمريكية وكالة الاستخبارات المركزية "سي أي إيه"، باتخاذ "كل الإجراءات اللازمة" للقضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان!!!...فذلك يعني أنها أصبحت على وشك العودة لتنفيذ عمليات الاغتيال لأول مرة منذ أكثر من ربع قرن.
وصرح وزير الخارجية الأمريكي كولين باول آنذاك، بأنه تجري دراسة كل الوسائل الممكنة، وهو ما فسره البعض على أنه استعداد لرفع حظر تنفيذ عمليات الاغتيال المفروض على وكالة الاستخبارات المركزية، منذ عهد الرئيس الأسبق جيرالد فورد استجابة لضغوط داخلية.
حيث اتخذ الرئيس فورد قراره استجابة لتقارير صدرت عن مجلسي الشيوخ والنواب، أدت نتيجته إلى أن وكالة الاستخبارات تحولت إلى جهاز مارق يمارس القتل على نطاق واسع في سبيل تحقيق النصر في الحرب الباردة.
ف.رفيعيان