لماذا يتساهل الروس مع الاتراك في تنفيذ اتفاق سوتشي حول ادلب؟

الخميس ١٨ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٧:٢٢ بتوقيت غرينتش

لم يكن تريث الجيش العربي السوري في إعتماد الحسم العسكري لملف ادلب مؤشر ضعف أو عدم قدرة ميدانية أو عسكرية بتاتا.

العالم . مقالات وتحليلات

الدليل كان حينها الاستنفار الدولي الذي قادته الولايات المتحدة الاميركية لمنع ذلك، عبر التهديد والوعيد والتلويح الفاضح باستعمال شماعة الكيماوي لاستهداف سوريا، فيما لو نُفذت العملية العسكرية على ادلب، فالوحدات العسكرية الشرعية السورية والمدعومة من الحلفاء الروس أو حزب الله أو القوات الرديفة، كانت تتحضر لانطلاق المهاجمة الواسعة وعلى عدة محاور متزامنة مع بعضها البعض، وكانت قد وضعت جميع الامكانيات المناسبة لنجاح العملية.

صحيح أن تأجيل الحسم العسكري كان لإعطاء الفرصة للتسوية التي تمخّضت عن اجتماع سوتشي بين الرئيسين الروسي والتركي، والتي لم يُنفذ حتى الآن البند الأساسي منها، والقاضي بانسحاب المجموعات الارهابية المتشددة من المنطقة المنزوعة السلاح الثقيل، ولكن يبقى السؤال الأساس هنا، هل عجزت تركيا عن ارغام هؤلاء المتشددين على الانسحاب من المنطقة العازلة كما قضى الاتفاق، وكما تعهدت والتزمت؟ أم أنها تتواطأ أو تتمهل في تنفيذ ذلك أو في الضغط لتنفيذ ذلك؟

في الوقت الذي تخوض فيه حالياً مفاوضات من نوع آخر، تعتبرها الأهم ربما من بين الملفات التي تشكل عناصر استراتيجيتها في المنطقة والعالم، فإن تركيا تناور حاليا في موضوع ادلب، وهي تتريث في حسم تنفيذ بنود اتفاق سوتشي، بانتظار بلورة علاقتها مع الاميركيين، حيث تسارعت الأحداث وتداخلت التطورات، بين ملف العقوبات الاقتصادية الاميركية عليها، وبين ملف اطلاق سراح القس الاميركي برنسون او ملف مقتل او (اختفاء) الخاشقجي على أراضيها، وإيجاد مخرج لتصفيته، أو حول ما طرأ في ملف مدينة منبج وإعادة تصويبها على تأخر الاميركيين في تطبيق اتفاق سابق معها، لاخلاء وحدات الحماية الكردية من المدينة، الأمر الذي دفعها للمناورة في محاولة ربط انهاء ملف ادلب بتلك الملفات الحساسة الأخرى.

من جهة اخرى، نجد أن الروس غير منزعجين كما يبدو من التأخير في تطبيق الاتفاق حول ادلب، وحيث انتهت المدة المحددة لانسحاب المجموعات المتشددة من المنطقة المنزوعة السلاح، من دون أن ينفذ هذا البند الاساس من المرحلة الاولى،  فهم (الروس) ما زالوا يعتبرون ان تركيا ملتزمة به وتقوم بعمل جيد لناحية التطبيق.. فهل للروس مصلحة في دعم المناورة التركية في المواجهة الديبلوماسية الحساسة التي تخوضها حاليا مع الولايات المتحدة الاميركية ومع السعودية؟ وأين تكمن هذه المصلحة الروسية؟

من الطبيعي أن كل مكسب تحصل عليه تركيا في المواجهة مع الاميركيين، يمكن اعتباره وبنسبة معينة، مكسباً للروس، حيث انه في ذلك يخسر الاميركيون نقاطا استراتيجية في المنطقة وفي الشرق، ويمكن تحديد ذلك على الشكل التالي:

في الموضوع الكردي، بالنسبة للروس سيكون مناسبا جمع منبج مع ادلب في منطقة واحدة برعاية تركية (مؤقتة طبعا)، لانه في ذلك انتزاع ورقة فاعلة من يد الاميركيين تتعلق بالنفوذ الكردي الطامح بكانتون مستقل، وهذا عمليا مناسب للدولة السورية، لان مستقبل هذه المنطقة التي ترعاها مؤقتاً تركيا في الشمال السوري، آيلٌ لا محالة الى السلطة السورية، حيث ان ذلك اساسي في الاتفاق الروسي- التركي - الايراني والسوري ايضا، فمن مصلحة روسيا وسوريا اذاً ربط منبج بإدلب.

كلما تأزّم ملف الخاشقجي - بضغط  من تركيا طبعا، ناتج عن تشددها بموضوع سيادتها حيث الجريمة حصلت على ارضها- تباعدت وتشنجت العلاقة الاميركية ـ السعودية، وهذا ايضا مناسبٌ للروس، ربما ليس في الوقت الحالي حيث تم استيعاب ذلك مبدئيا حسبما تقضي الصفقة المرتقبة، ولكن من المؤكد في المستقبل سيربح الروس من ذلك، حيث كان عنصر التهديد السعودي الاول للاميركيين هو باللجوء الى حضن روسيا، أسلحة وقواعدَ وتوجها سياسيا واستراتيجيا، فيما لو مضت الولايات المتحدة الاميركية بتهديداتها بفرض عقوبات غير مسبوقة على السعودية، على خلفية ادانتها كدولة بجريمة مقتل الخاشقجي.

من الناحية الميدانية ايضا، ربما اكتشف الروس والجيش العربي السوري ايضا، وبعد أن اكتملت المنطقة المنزوعة السلاح، تفاصيل مهمة تتعلق بطبيعة انتشار المجموعات المتشددة في المنطقة المذكورة، وهذه التفاصيل ستكون مناسبة ومُنتِجة لعملية عسكرية سريعة في تلك المنطقة، تهدف الى توقيف أو تصفية العديد من الارهابيين الأجانب أو المحليين، والذين لا يرغب أحد من أطراف الاتفاق بخروجهم سالمين من سوريا، أو الذين لم يوافق أحد من الأطراف الاقليمية أو الدولية على انسحابهم أو وجودهم في بلدانها أو في بلدان قريبة منها.

من هنا، يظهر سبب تريث الروس ومهادنتهم للأتراك حول التأخير بتنفيذ سحب المتشددين من المنطقة المنزوعة السلاح، وسبب تصريحاتهم بأن الاتراك جديون وملتزمون بتنفيذ اتفاق سوتشي، ولكن من جهة أخرى، لا يبدو ان الجيش العربي السوري قد تخلى عن قراره  بالحسم العسكري لملف تحرير ادلب، وسيكون تعثّر تنفيذ بند انسحاب المتشددين من المنطقة المذكورة، المبرر الرئيس لانطلاق العملية العسكرية الواسعة، والتي يبدو ايضا ان عناصر نجاحها قد اصبحت مؤمنة بالكامل وبأقل قدر ممكن من الخسائر.

شارل ابونادر ـ العهد