العالم - مصر
تباشر الحكومة المصرية وضع اللمسات الأخيرة على تحرير أسعار الوقود نهائياً خلال 2019 بمجموعة قرارات صارت جاهزة بالفعل، لكنها لم ترغب في إعلانها للرأي العام سريعاً، كما تنقل مصادر، رغم التوافق الداخلي الكلي عليها ومراجعة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لها خلال الاجتماعات الوزارية التي عقدت على مدار الأسبوع الماضي في مقر رئاسة الجمهورية.
فمنذ عودة الحكومة من شرم الشيخ بعد انتهاء «منتدى أفريقيا 2018»، بدأ رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، مناقشة التمهيد للقرارات الجديدة بشأن المحروقات، مع اعتماد آلية التسعير التلقائي على الوقود، التي ستطبق نهاية الشهر الجاري على «بنزين 95»، على أن تشمل لاحقاً باقي أنواع الوقود. ومع أن الحكومة لم تحسم نهائياً موعد رفع الدعم عن باقي أنواع الوقود، يُفترض دخولها حيّز التنفيذ قبل نهاية العام المالي الجاري في 30 حزيران/يونيو المقبل، بموجب التعهدات التي قدمتها إلى «صندوق النقد الدولي» من أجل الحصول على قرض الصندوق كاملاً، المقدَّر بـ 12 ملياراً، علماً أنّ القاهرة حصلت على غالبية دفعات القرض.
بموجب الآلية الجديدة، سيُحدد سعر بنزين 95 بداية كل شهر بناءً على الأسعار العالمية، وستُطبق الزيادات المحتملة على الأسعار مسبقاً، كي يُباع ليتر البنزين بالسعر العالمي دون أن تتحمل موازنة الدولة عبء أيّ جنية في إيصاله إلى المستهلك. ومن المقرَّر أن تشمل الخطة تحرير سعر بنزين 92 لاحقاً، مع إلغاء بنزين 80 الذي تستخدمه غالبية مركبات النقل ليُستبدَل به بنزين 87 الذي سيرتفع سعره أيضاً، وذلك لخفض فاتورة الدعم ككل. كذلك، سيرتفع سعر السولار (المازوت) الذي تستخدمه سيارات النقل، في زيادات ستؤدي بمجملها إلى ارتفاع التضخم وزيادة نسبة الفقر، في وقت توقفت فيه الدولة عن تقديم المزيد من الدعم إلى الأسر الاكثر احتياجاً.
تقول مصادر مطلعة إنّ مفاوضات الحكومة شهدت خلال الأيام الماضية مناقشات مستفيضة عن الأسعار الجديدة، خاصة أن الدعم الحكومي سيظل موجهاً حصراً إلى السولار وبنزين 87 المستحدث، على أن يُلغى في موازنة 2020-2021، وذلك في محاولة لتدريج الآثار التراكمية للخطوات الحالية، ضمن الخطة التي بدأ تنفيذها منذ وصول السيسي إلى الحكم في 2014. واتجهت الحكومة إلى تطبيق المنظومة الجديدة على بنزين 95 أولاً، لأن السيارات الأحدث في البلاد هي التي تستخدمه فقط، فضلاً عن إمكانية إعادة تصحيح أي أوضاع قد تنتج من هذا القرار بسرعة، وذلك بحكم محدودية مستخدمي «95». واللافت أن التقارب في سعر بنزين 95 و«92» خلال الزيادة الأخيرة لأسعار المحروقات في حزيران/يونيو الماضي زاد استهلاك الأول بنسب وصلت إلى 10 أضعاف، لتصل إلى مليون ليتر يومياً بعدما كانت أقل من 100 ألف.
من جهة أخرى، رغم أنّ الحكومة لم تكشف تفاصيل خططها في هذا الشأن كلياً، فهناك خطة جرى الحديث عنها وتشمل التحوط من ارتفاع أسعار النفط العالمية. ويتوقع أن تعلن قريباً تفاصيل الاتفاقية التي تضمن تأرجح أسعار النفط التي تحصل عليها القاهرة من الخارج في نطاق محدد، دون أن تتأثر بأي ارتفاع أكبر من المتوقع في سوق النفط، وهي الاتفاقية التي نوقشت مع شركات عالمية، لكن تأخر تطبيقها على خلفية الارتفاع المضطرب في أسواق النفط منذ نهاية الصيف حتى بداية الشهر الماضي. وستساهم هذه الاتفاقية في تثبيت تقريبي للأسعار التي تشتري بها البلاد النفط، مع استمرار توحيد أسعار البيع في جميع النقاط التي تديرها الشركات الخاصة أو الجيش أو وزارة البترول.
مع ما سبق، تخشى الحكومة من نتائج الخطتين، وخاصة على معدلات التضخم، في ضوء رغبة «البنك المركزي» المصري في خفض الفائدة على الجنيه، الأمر الذي عجز عنه حتى الآن بسبب استمرار ارتفاع معدلات التضخم الشهرية عن المعدلات المستهدفة منذ تحرير سعر الصرف في تشرين الثاني/نوفمبر 2016. والآن باتت الدولة أقرب إلى تحريك أسعار الوقود بسرعة لتكون آثار التضخم تدريجية، خاصة مع التزامها رفع أسعار الكهرباء والمياه بداية العام المالي المقبل أيضاً.