عندما تعطل القرار العربي.. سوريا الغائب الحاضر بقمة بيروت

عندما تعطل القرار العربي.. سوريا الغائب الحاضر بقمة بيروت
السبت ١٩ يناير ٢٠١٩ - ٠٩:٠٥ بتوقيت غرينتش

منذ أن صدر القرار بتمزيق مركز العروبة، والعضو المؤسس والمؤثر في تأسيس أكبر تكتل عربي، "الجامعة العربية"، الجمهورية العربية السورية، وشن الحرب عليها، تعطلت القرارات العربية المؤثرة ولم يشهد العالم العربي، بل وحتى العالم الإسلامي والمنطقة، الأمن والإستقرار جراء قرار حرق سوريا وتمزيقها.

العالم- تقارير

ومع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، تعطلت ثاني اكبر قمة عربية، التي شهدت ثلاثة إجتماعات للبحث والتشاور فيما يخص التنمية والتعاون الإقتصادي فيما بين الدول العربية والإستثمار فيها.

واليوم وبعد مضي ستة أعوام، والإقرار بعدم إمكانية إبعاد سوريا عن الجسم العربي والإسلامي، يفرض الرأي العام العربي رأيه على من أرادوا مواكبة أعداء العرب في تمزيق بلدانهم خدمة للأسياد ومحافظة على استمرارهم على رأس السلطات التي لاتخدم سوى الأهداف والمصالح غير العربية في المنطقة والعالم العربي.

لقد حان وقت إستضافة القمة العربية الإقتصادية من قبل بيروت، تلك القمة التي جند لها لبنان كل امكانياته ووجه دعوات لزعماء واحد وعشرين بلدا عربيا، لبى الدعوة ثمانية منهم فور إستلامها، ووعدوا بالمشاركة والحضور، فيما اعتذر الباقون، لأعذار قدموها، و وعدوا بمشاركة فاعله فيها.

لكن كلما اقترب موعد إنعقاد القمة، كلما تفرق الزعماء وإزدادت الإعتذارات من الحضور، حتى بلغ عدد الزعماء المسجل حضورهم في القمة التي ستعقد يوم غد الأحد في بيروت ثلاثة رؤساء هم رؤساء جمهوريات العراق وموريتانيا، والصومال، فيما سيكون رابعهم ومضيفهم الرئيس اللبناني ميشال عون.

وبالرغم من كل التحديات والمشاكل التي تعيشها المنطقة وبالتحديد الوطن العربي، تبقى قضية عودة سوريا للجامعة العربية وحسب تعبير وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الى الحضن العربي، فوق كل الأولويات والملفات التي بلغ عددها اكثر من 23 ألف ملف، مدرجة على جدول اعمال قمة بيروت الاقتصادية.

وقد شهدت وسائل الإعلام العربية والإقليمية تحليلات عديدة برهنت على إعتذار بعض القادة العرب عن المشاركة في قمة بيروت الإقتصادية، ولكن المراقبين يحصرون هذا التراجع الفريد لمشاركة الزعماء في رابع "قمة عربية" لبحث القضايا الاقتصادية والمعيشية والتعاون العربي العربي، الى أمرين لا ثالث لهما، وسنحاول التطرق الى كل منهما حسب ما يسمح الوقت.

الأول- ان الكثير من الزعماء العرب لا خيار لهم في اتخاذ قرار المشاركة في أي إجتماع، إلا بعد التنسيق مع نظرائهم وخاصة اولئك الذين يدعمونهم سياسيا، ويمولونهم إقتصاديا، ما يجعل قرارهم تبعا لقرار الدولة الأكثر إعتمادا في التمويل. كما شهد العالم، تجربة إدراج اسم المملكة العربية السعودية على لائحة الإرهاب إبان فترة الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون، نتيجة للشواهد والأدلة الموجودة لدعمها للجماعات المتطرفة والتكفيرية في العالم.

لكن تصريحا واحدا من ممثل العربية السعودية في قطع المساعدات المالية السعودية للأمم المتحدة جعل كي مون، يتراجع عن قراره بعد اقل من 48 ساعة.

هذا على الصعيد الدولي، وعلى الصعيد الإقليمي يكفي أن نشير الى تكتل ما يسمى بـ"مجلس التعاون" للدول العربية المطلة على الخليح الفارسي، والذي تلعب فيه السعودي دورا قياديا، لا يمكن الخروج عنه، مهما بات هذا الدور خفيا على الرأي العام، لأكثر من ثلاثة عقود.

لكن تطورات الأعوام الأخيرة، وإنشطار هذا التكتل الى شطرين، مؤيد ومعارض للسياسات السعودية، فضح ما تسترت عليه عواصم هذه المشيخات لأكثر من ثلاثة عقود.

الثاني- ان لبنان الذي سيستضيف القمة الإقتصادية العربية يوم غد الأحد، هو الآخر موضع إتهام من قبل الدول التي لم تسعدها تطورات الساحة اللبنانية، وتعمل على عرقلة نشاطاته، بحيث ما إن أراد هذا البلد النهوض من أزمة، إلا وتحاول تلك البلدان، إقحامه في أزمة اخرى.

فتلك الدول لا ترى اي مصلحة في استضافة لبنان لهذه القمة الاقتصادية، لأنها ترى في لبنان تجسيدا لتيار المقاومة الوطنية، وللإرادة التي تريد توحيد البلد والمحافظة على سيادته، وهذا ما لا يروق لها وتحاول الترويج لـمقولة: "كيف يمكن لبلد لم يكن قادرا على تشكيل حكومته، أن يستضيف قمة اقتصادية عربية، تريد بحث ودراسة اكثر من 23 ألف ملف اقتصادي يهدف لتنمية اقتصادية شاملة؟!!!..."

وهذا ما دفع الكثير من الزعماء العرب الفاقدين للخيار في المشاركة دون الإستئذان من أسيادهم ان يتذرعوا بذرائع منها قد تكون ذرائع أمنية، أو الإنشغالات، أو عدم التمكن من الحضور في القمة نتيجة المرض و الشيخوخة، التي يعاني منها بعض الزعماء الطاعنين السن ولا يرغبون ترك السطلة، حتى لو كان على حساب صحتهم.

فمهما كانت أسباب عدم حضور غالبية الزعماء العرب في رابع قمة اقتصادية عربية، تبقى الأصابع مشيرة الى ضرورة إعادة الجمهورية العربية السورية الى الحضن العربي، كما اكد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل امام اجتماع وزراء الخارجية يوم امس الجمعة، لأن بقائها خارج الإطار العربي سيسجل عارا تاريخيا على العرب بتعليق عضويتها في الجامعة العربية والكلام لباسيل نفسه.

أما الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي بدوره أكد يوم أمس في مؤتمر صحفي على هامش اجتماع وزراء الخارجية، "أن سوريا لم تُطرد من جامعة الدول العربية وعودتها حتمية، وما حصل هو تعليق مشاركة الوفود السورية في الجامعة العربية، وإنهاء تعليق المشاركة يتم بالتوافق."

هذه التصريحات تكشف الكثير من الحقائق التي تحتاج لفترة من الزمن كي تتجرع السم، تلك الدول التي ارادت مواكبة إستراتيجية تمزيق العالم العربي بدءا من تمزيق سوريا، علها ترضخ للأمر الواقع، وزيارة المبعوث الأممي الجديد بشأن سوريا "جير بيدرسون" يوم أمس الجمعة للرياض، ولقائه ممثلين عن ما يسمى بـ"الهيئة العليا للمفاوضات السورية"، خير دليل على ذلك.

حتى ان الهيئة نفسها أصدرت بيانا، ركزت فيه على الاجتماع الذي عُقد في الرياض بين بيدرسن ورئيس الهيئة، نصر الحريري، أشار فيه الى أن الطرفين اكدا ضرورة إتباع "جميع النقاط لإيجاد حل سياسي لإنهاء الأزمة السورية".

ولا يبقى الا ان نقول ان سوريا التي ارادوا بتمزيقها، تمزيق العالم العربي ومن بعده العالم الإسلامي، باتت اليوم اقوى وأكثر إعتدالا من أي وقت آخر، وعلى المتآمرين ان يجدوا أقنعة وذرائع ليتستروا بها كي يتمكنوا من المشاركة في اي اجتماع عربي، اقليميا كان او دوليا بسبب فشلهم وفشل سياسات اسيادهم في سوريا.

*عبدالهادي الضيغمي