العالم - مقالات وتحليلات
انتهى عام 2014، وباتت "الدولة الاسلامية في العراق والشام" او ما باتت تعرف اختصارا باسم داعش تسيطر على محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين واجزاء واسعة من ديالى هذا في العراق اما في سوريا فقد سيطرت على الرقة واجزاء واسعة من دير الزور وريف الحسكه وريف حمص الشرقي وصولا الى تدمر وصحرائها الواسعة وارياف حلب الشرقية والشمالية وصولا الى ريف دمشق ودرعا والسويداء ايضا. وبات ممنوعا على السوريين في مناطق داعش الخروج منها، حيث اصبحت تسمى باراضي الاسلام وخارجها هي بلاد الكفار. اما اذا كان هناك مريض وحالته صعبة جدا فانه يتوجه الى العراق وإذا كان جريح من مقاتلي داعش يتجه الى الموصل انذاك التي كانت عاصمة لدولتهم. ومن يقبض عليه وهو يحاول الهرب يقام عليه الحد وهو القصاص اي قطع الرأس، وبحسب الواسطة او من يدفع الرشوة لوالي داعش يتم تخفيف هذا الحد بحجة انها "فدية".
بعد فتره قصيره اُعلن موافقات سفر بشروط، ابرزها التقدم لموافقة السفر يكون خطياً وموجها الى مكتب الوالي ويشرح فيه سبب السفر او وجهة السفر. و هنا الوالي بعد الرجوع الى اعوانه وبعد القيام بدراسة امنية عن وضع المسافر يقدر اما بموافقة السفر او لا، لكن الاغلبية كانت نعم. والمسافر الذي لا يأتي بعد 20 يوما تتم مصادرة عقاراته من محلات التجارية او منزله او وسيلة النقل وتصبح ملكا للدولة الاسلامية المتمثلة بالوالي.
ابو فاطمه هو اسم امير داعش في مدينة هجين ومن ثم ولاية الفرات ككل، وكان بطشه شديدا كونه منتسبا منذ سنوات للتنظيم وكان يغتنم بيوت وعقارات من كان مسافرا خارج حدود دولتهم وكان يومياً يزور السبايا الايزيديات المتواجدات في حي القلعه في هجين هو ومعه عدة عناصر.
كان هناك سماسرة لموافقات السفر تصل الاسعار لنحو اربعة الاف دولار للطلب الواحد، وعندما يحصل طالب الموافقة على رخصة السفر مختومة بختم الوالي يسافر نحو وجهته وطبعا الطريق مليء بالحواجز الامنية لداعش ومعظم من فيها هم اجانب، وعند عودة الشخص تتم استجابته طبعا عبر دروس دينية مكثفة وامتحانات في نهايتها.
قادة داعش الزموا الناس باعلان التوبه وبدورات شرعية واستتابات بالجملة حتى يصبح الشخص مسلما بحسب زعمهم. ووصل هذا الامر الى حد نكران الهويات الوطنية سواء السورية او العراقية على حواجز داعش، وبدلا عنها قاموا بطباعة هويات جديدة عليها ختم دولتهم وبدأوا بالعمل بها. وقاموا بسرقة مبنى النفوس في كل مدينة يدخلون اليها في سوريا حتى يتمكنوا من معرفة السكان جميعهم.
جميع المستلزمات اليومية في الاراضي السورية من خضار وفواكه ومواد غذائية اما من العراق او كانت الغالبيه تأتي من تركيا، حيث ان البضائع التركية كانت تغزو اسواق داعش، كيف كانت تدخل ولماذا لم يفكر السكان وقتها، كان مجمل تفكيرهم في توفير وتأمين لقمة العيش فقط. مسلحو داعش كانوا يفرضون حصارا على سكان بعض المدن بهدف انضمام ابنائهم الى صفوفهم. في البداية كانوا بصفوف داعش داخل الاراضي السورية ولكن بعد مضي شهرين نقلهم الى العراق.
اما قضية حقول النفط فقد كان لها ملف خاص، لان هذه الحقول كانت كثيره وغزيرة في المناطق الشرقية لسوريا وتحديدا ريف دير الزور وكان عناصر الجيش الحر قبل ان تأتي داعش والمتمثلون بلواء ابن القيم يستخرجون النفط بطرق بدائية ويصل مبالغ اليوم الواحد بين الـ55 الى الـ60 مليون ليرة سورية وكانت صهاريج النفط بالعشرات تذهب يوميا الى تركيا. وبعد سيطرة داعش كان قسم بنسبة 2% يذهب الى محطات المياه في جميع ارياف ولاية الفرات بحسب ما كانت تسمى لدى داعش، والباقي يتم تصديره الى تركيا حيث ان حصتها من النفط لم تنقص عن ايام الجيش الحر بل زادت حتى اصبح جنود داعش لا يتعاملون الا بالدولار.
كان هناك عناصر من النساء من هجين في الحسبة ايضا حيث كانوا يقومون بدوريات يومية لمراقبة من كانت تخالف اللباس الشرعي او غيرها من الامور. كانو كل شهر يأتون باثنين او ثلاثة من غير مناطق يقومون بذبحهم كي تبقى الناس خائفه منهم ومن بطشهم. وفتحوا دورات تجنيد للاطفال.
المحاكم الشرعية كانت منتشرة في جميع المدن، فمثلا في هجين كان القاضي ابو صفية هو الامر الناهي فيها حيث طلّق اكثر من عشر نساء، لاسباب شخصية فعندما تعجبه المرأة وتكون متزوجه يطلقها من زوجها ويتزوجها.
مع انتهاء الفصل الثاني من رحلة وصف الحياة لدى داعش، نرى انها مزيج بين الامني البحت والاجتماعي ايضا حيث انها تتدخل في ادق تفاصيل المدنيين، وهو ما يجعلنا نفكر في شخصية الذين وضعوا مثل هذه القوانين التي هي مخابراتية محترفة ايضا، لانها متداخلة بين بعضها بطريقة ملفتة جدا، ما يجعلنا نتأكد بأن داعش اكبر من مجرد تنظيم مسلح يعتمد على افكار متطرفة في احكامه، لان هذه السلوكيات هي ثمرة عمل مخابرات كبيرة لعقود من الزمن.
ابراهيم شير - كاتب واعلامي سوري