العالم - قضية اليوم
وعلى عكس المتوقع جاء هذا التصعيد العسكري في الوقت الذي توالت فيه دعوات الأمم المتحدة ومبعوثها لدى اليمن مارتن غريفيث بضرورة وقف التصعيد العسكري وتوحيد الجهود لمواجهة تفشي وباء كورونا، لكن بدى تحالف العدوان كمن ضرب بكل هذه الدعوات عرض الحائط، فالإحصائيات تشير إلى شنه أكثر من ٣٢٠ غارة جوية منذ دعوة الأمين العام للأمم المتحدة الخميس الفائت بالوقف الفوري لإطلاق النار، آخرها القصف الجنوني لعدة مواقع في العاصمة صنعاء، وكذا مواقع في صعدة ومأرب والجوف وكذلك الحديدة التي تشهد منذ أيام خروقات مستمرة لقوى العدوان تنوعت بين الغارات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي، وهو الأمر الذي تقول القوى في صنعاء إنه دفعها لتنفيذ العملية العسكرية النوعية الأخيرة في العمق السعودي كخيار اضطراري ووحيد بالنسبة لها، مستهدفة بصواريخ ذو الفقار الباليستية وطائرات صماد٣ أهدافاً حساسة في الرياض وبصلية من صواريخ بدر وطائرات قاصف تو كي قصفت أهدافًا اقتصادية وعسكرية في كل من جيزان ونجران وعسير، رداً -كما يقول بيان القوات اليمنية- على استمرار العدوان وحصاره، وبهدف تثبيت معادلة ردع أوسع من تلك التي عهدها النظام السعودي خلال الأشهر التي مضت.
إذن في ظل استمرار تصعيد السعودية وتحالفها ورد صنعاء بهذه النوعية من العمليات بل وتهديدها بالمزيد وتوعدها بضربات موجعة أكثر، تبدو أن دعوات الأمم المتحدة ما زالت في مهب الريح وأن غموضاً أكبر يخيم على مستقبل التهدئة والحل السياسي المفترض مع أمل طفيف في أن تتكرر تحركات المجتمع الدولي لإحداث الهدنة المأمولة وعودة الأطراف إلى طاولة المفاوضات مع استمرار انتشار "جائحة كورونا" وسط تطلعات يمنية واسعة أن يصلح "وباء كورونا" ما عجزت عنه كل التحركات والجهود في إيقاف الحرب والحصار.
ومن خلال قراءة مواقف القوى في صنعاء فإنها تَعتبر ما يحدث تصعيداً خطيراً يكشف أن التحالف السعودي الإماراتي ليس في وارد وقف العدوان، مجددة تمسكها بعملية السلام ومتهمة الأمم المتحدة ومبعوثها بتمييع المواقف، إذ ترى أن الدعوات الأممية لن تجدي نفعاً كون الحل لن يكون إلا بالإعلان الصريح وإصدار قرار واضح من مجلس الأمن بوقف الحرب إطلاق النار ورفع الحصار عن اليمن، حيث وأن التجارب السابقة أثبتت فشل دعوات المنظمة الأممية لوقف الحرب في اليمن أو خفض التصعيد لأسباب يلخصها البعض في عدم جدية المجتمع الدولي ومساواته بين الجلاد والضحية وسلبية تعاطيه مع القضية اليمنية، إلى جانب تأثير التدخلات الخارجية حسب تقاطع أو تباين مصالحها، إضافة إلى أزمة الثقة بين الأطراف وتعثر معالجة الملفات الإنسانية والاقتصادية التي لها انعكاسها الكبير على الملفين العسكري والسياسي.
وعلى أية حالٍ، فإن الطرف الذي أعلن الحرب هو من يكون بمقدوره -منطقياً- وقفها من خلال إعلان إنهاء تدخله العسكري إذا أراد لفرص السلام أن تنجح، لكن يبدو أن طرف التحالف السعودي رغم إدراكه لفشله عسكرياً وسياسياً وتورطه في هذه الحرب وما بات يعيشه من مأزق كمن يحاول من خلال تصعيده الأخير تسجيل أي إنجاز يحفظ له ماء الوجه في إطار ما يمكن وصفه بآخر "رفسات التيس المذبوح" لا أكثر مع تيقنه أن كل هذه المحاولات ستفشل كما فشلت سابقاتها خلال خمس سنوات ماضية بالنظر إلى تصارع وتمزق الفصائل اليمنية الموالية له مقابل ما تتمتع به صنعاء من تماسك وتفوق وعوامل قوة وتعاظم لقدراتها التسليحية وامتلاكها لرؤية تُختزل في معادلة فرض السلام بالقوة، مترجمةً ذلك بضرباتها الدقيقة في العمق السعودي أو إنجازاتها الميدانية في الجبهات الداخلية وآخرها تحرير مواقع جديدة في محافظة الجوف والاقتراب أكثر من مأرب.
علي الذهب