العالم-مقالات
مثل هذا الصحفي السعودي يزيد هناك عشرات بل مئات المعتقلين في السجون السعودية، والجريمة الوحيدة التي ارتكبوها هي أنهم طالبوا بالاصلاح، وانهاء الفساد والسرقات والمحسوبيات والتخلف والطائفية، لم يطالبوا بتغيير الحكم بالقوة ولا حملوا السلاح ولا انخرطوا في جماعات مسلحة بل لم ينتموا الى أحزاب سياسية معارضة، غاية ما فعلوه انهم تحدثوا هنا وهناك وفي مواقع التواصل الاجتماعي عن ضرورة الاصلاح.
عندما وصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى الحكم قام بثلاثة عمليات قمع واسعة بالتناوب:
- قمع المعارضين في المنطقة الشرقية، بل لم يتورع في الايعاز لجنوده باستخدام السلاح ضد كل من يقف بوجه عملية القمع الواسعة، ولكي يدخل الرعب والخوف في نفوس الاهالي والناشطين قام بتسوية حي المسورة في القطيف مع الأرض بذريعة تحديث الحي، وبذريعة أن هذا الحي تحول الى مركز للمجرمين والمنحرفين والفاسدين وغير ذلك من النعوت والصفات، بينما كان الهدف الرئيسي هو تسوية المكان الذي لجأ اليه المعارضون والهاربون من بطش النظام مع الأرض وانهاء وجوده بالكامل، والا اذا كان الهدف هو تحديث الحي فلماذا اقتحمته الدبابات وقصفت العديد من مبانيه، ولماذا تحول الحي في غضون ساعات الى ثكنة عسكرية؟ خاصة وأن العديد من وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي نشرت مقاطع مصورة حول تبادل اطلاق النار بين الذين لجأوا للحي وبين قوات النظام.
- قمع الدعاة والنخبة والناشطين، بل لم يقتصر الامر على الخطباء والكتاب والناشطين الحقوقيين وحسب وانما القمع طال حتى أعضاء المؤسسة الدينية، فكل من يعترض على الوضع الجديد حتى لو كان اماما للجمعة والجماعة فانه يزج به الى السجن، وهناك العشرات من أئمة المساجد يرزحون اليوم في السجون الى جانب الدعاة الذين اعتقلوا مع بداية مجيء بن سلمان للسلطة ومضت عدة سنوات على اعتقالهم، يا ترى هل الدعاة والكتاب والناشطين طالبوا يوما بتغيير السلطة أو الانقلاب عليها، وانما غاية ما طالبوا به هو الاصلاح وانهاء الفساد بجميع أشكاله، كلمة واحدة تخرج من فم رجل دين، أو جملة واحدة يكتبها داعية أو اعلامي أو ناشط تذهب به في غياهب السجون.
- قمع الأمراء وكبار المسؤولين بذريعة مكافحة الفساد واستعادة المال العام، ولعل قضية فندق ريتز كارلتون في الرياض شاهد على عملية القمع الواسعة، وكان الهدف الرئيسي من ذلك هو تكميم الافواه وقمع كل من يفكر بالانقلاب أو الاطاحة ببن سلمان، وكانت حملة الاعتقالات الواسعة في الفندق بمثابة رسالة قوية وجهها بن سلمان لسائر أعضاء أسرة آل سعود حذرهم ضمنيا فيها، بأنه لن يوقفه أي شخص مهما علا شأنه عن تحقيق ما يريد.
عندما وصل بن سلمان للسلطة واقام الدنيا ولم يقعدها وطبل لمشروعه "رؤية 2030" لم نر أية عملية اصلاح حقيقية، ولربما اعتبر السماح للنساء بقيادة السيارات ودخولهن للملاعب والاختلاط مع الرجال واقامة الحفلات الماجنة وفتح نوادي الرقص والديسكو واللهو هو الاصلاح الذي يدعو اليه، أو ربما أعتقد أن بيع أسهم شركة آرامكو، وابرام صفقات الأسلحة بمئات المليارات مع ترامب هو الاصلاح؟
الاصلاح الحقيقي يبدأ بمنح الحريات للتعبير عن الرأي والسماح بتأسيس وسائل اعلام حرة، وتأسيس الاحزاب، واجراء الانتخابات الحرة، وتداول السلطة، فعندما يتم السماح لوسائل الاعلام بانتقاد الاخطاء بكافة أشكالها، وتقوم السلطة بمحاسبة المخطئين، وعندما يسمح بتأسيس الاحزاب التي تتنافس على تقديم الخدمة الأفضل للمواطن فينتخبها لتتولى السلطة، تذهب سلطة وتأتي أخرى، هذا هو الاصلاح الحقيقي، وليس اقامة حفلات الرقص والمجون.
لم نر من اصلاحات بن سلمان سوى حملات القمع الواسعة والمتناوبة.
*صالح القزويني