البحرين... كسر الصمت يستدعي الكلام

البحرين... كسر الصمت يستدعي الكلام
الثلاثاء ٠٧ أبريل ٢٠٢٠ - ١٢:٥٤ بتوقيت غرينتش

حدث جلل وممارسة لا تغتفر، كسرت شبكة (BBC) البريطانية الصمت عنها كاشفة النقاب عن جريمة مكتملة الأركان انتهكت فيها القيم الإنسانية والدينية والتقاليد العربية.

العالم- البحرين

إنها جريمة اعتقال وتعذيب وانتهاك حرمة نسوة بحرانيات في بلاد ومنطقة تقيم للمرأة وزنا، وتذود فيها عن شرفها لأنها رفيعة الشأن والمنزلة. كيف لا وقد أوصى النبي الأكرم (ص) بها خيرا واصفا إياها بالريحانة، وداعيا للرفق بمن وصفهن بالقوارير.

لكن عديمي الضمير والشرف والدين أثبتوا مرّة أخرى مدى انسلاخهم عن القيم الإنسانية والدينية والأعراف القبلية. فكان آل خليفة خير مصداق لهؤلاء وذلك ليس منهم ببعيد.

غزاةٌ استباحوا أرض أوال قبل أكثر من قرنين من الزمن وساموا أهلها الذل والهوان مستعينين بالأغراب من كل حدب وصوب، وشعارهم إنا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب.

آل خليفة، لم يشعروا يوما أنهم ينتمون لهذه الأرض، فهم يعتقدون في قرارة أنفسهم أن جدهم فتحها! فأصبحت مغنما لهم ينهبون ثرواتها ويتحكمون بمصائر أهلها، حتى وصل بهم الإنحطاط إلى حد انتهاك حرمة حرائرها.

هذا مافعلوه مع عدد من حرائر البحرين ومنهن من سلطت الشبكة البريطانية الضوء على ماجرى لهن عبر فلم (كسر الصمت) الذي سرد معاناة ناشطتين بحرانيتين هما نجاح يوسف وإبتسام الصائغ، اللتان تمتلكان خزينا من الشجاعة التي لا يحمل آل خليفة مثقال منها.

تعذيب، إهانات، ترهيب، وتحرش جنسي في معتقلات آل خليفة، على أيدي أراذل الخلق من “الفداوية” ممن لا شرف لهم ولادين . ممارسات لا يمكن تبريرها لو ارتكبت ضد مجرمين، فكيف لو كانت ضد شريفات عفيفات كل جريمتهن هو المطالبة بحقوق شعب مظلوم!

جريمة نجاح يوسف أنها غردت على “فيسبوك” مسترعية انتباه العالم لما يجري في البحرين من انتهاكات، تحاول السلطات الخليفية التعمية عليها عبر تنظيم سباق الجائزة الكبرى للسيارات فورمولا 1، ليوحي بأن كل شيء في البحرين على مايرام، طالما أن سيارات السباق تخترق حلبة الصخير!

وأما الحقوقية إبتسام الصائغ فجريمتها الدفاع عن حقوق المظلومين في البحرين ممن تنتهك كراماتهم وتصادر حرياتهم، فهي أحد الأصوات التي ساهمت بكشف معاناتهم للمجتمع الدولي والرأي العام، فكان جزاؤها الاعتقال والتعذيب والسجن!

لم يكشف الفيلم عن معاناة سيدتين بحرانيتين فحسب، بل معاناة شعب كامل في ظل حكم عائلة طاغية متجبرة. فعندما تضع هذه العائلة القيم والتقاليد والأعراف التي تعطي المرأة مكانة مرموقة، فيمكن تصور ما تفعله هذه العائلة بباقي فئات الشعب.

كشف فلم بي بي سي المستور في الفضاء الإعلامي الأوسع فأثار غضب آل خليفة بعد أن كشف مدى انحطاطهم وخستهم! لم تكن الـ بي بي سي قناة صفوية ! يسهل تكذيبها، لكنها شبكة تابعة لحلفاء آل خليفة التاريخيين!

كان الفيلم إدانة وبراءة من الحلفاء مما فعله السفهاء الخليفيون، بأوامرهم وبمؤسساتهم القمعية وفي مقدمتها ما يسمى جهز الأمن الوطني وقوة دفاع البحرين.

فالفيلم سلط الضوء على دور وزير الداخلية الخليفي راشد الخليفة وعبده طارق الحسن، في ارتكاب الجريمة، فكان بمثابة إدانة لهم. اعقبتها إدانات من جهات داخلية كانت صامتة عن هذه الجرائم حتى حركت ال بي بي سي مشاعرها! ولكن هل يكفي ذلك؟ فهل تكفي الإدانات اللفظية ؟ وماذا بعد كسر الصمت غير الكلام! ولكن اي كلام، إنه الموقف الحازم الرادع للسلطات.

ومما يدعو للغرابة والإستهجان، ومع تزامن بث الفيلم وانشغال الناس بجائحة الكورونا والتدابير التي تتخذها الدولة لاحتوائه، أن البعض وربما لقصور في الفهم أو لضيق في الأفق، سارع للإشادة بالمؤسسات الخليفية ذات التاريخ الأسود في ارتكاب الانتهاكات، مخدوعا ببعض إجراءاتها التي لا تهدف إلا للحفاظ على حكم الخليفيين، وإن كانت في ظاهرها أعمال محمودة.

فعندما تتدخل ما تسمى بقوة دفاع البحرين في خضم الأزمة التي تمر بها البلاد جراء تفشي وباء كورونا، فإن جل مايهم هذه القوة هو الدفاع عن حكم العائلة ودرء كل خطر عنها وكل ما يمس بسمعتها! وإلا فإن سجل هذه القوة مليء بالجرائم وأولها هدم أكثر من ثلاثين مسجدا خلال شهر واحد في العام 2011، وقتل عشرات المتظاهرين العزل . إن جرائم هذه القوة لا يمحيها دورها خلال الأزمة الحالية،لإن جميع هذه الممارسات يجمعها قاسم مشترك واحد، هو الدفاع عن آل خليفة وليس عن البحرين وشعبها.

ولو كانت العائلة الخليفية صادقة في جديتها بمحاربة فيروس كورونا، لحلت منذ أسابيع أزمة البحرانيين العالقين في إيران، ولكنها تركتهم فريسة للموت والمرض، بل إنها عرقلة عودتهم كما فعلت بمن وصل منهم إلى مسقط أو الدوحة. وهنا يبرز في الواجهة ولي العهد الخليفي الذي استولى على سواحل البحر في البحرين، وحولها إلى مشاريع تجارية، ملأ عبرها حساباته المصرفية. لكنه حاول أن يخدع البعض بإظهار الإهتمام الحكومي بالمواطنين العالقين! وقد سارع البعض بسذاجة إلى الإشادة به، غير مدركين لدوافعه وأهدافه الخبيثة، والمتمثلة في إقامة سباق فورمولا ون!

فبعد أن ذهبت أحلامه بإقامة السباق أدراج الرياح، دس رأسه في التراب عن مأساة العالقين فلا تسمع له صوتا ولا حسّا! وكذلك فعل أمام الجرائم التي كشفت عنها بي بي سي، وهو طرف أساسي في ارتكابها، حيث أن الناشطة نجاح يوسف كانت إحدى ضحايا سباق الدم الذي يرعاه! لكنه لم تهتز شعرة من شواربه، لانتهاك حرمة البحرانيات داخل سجون عائلته، ولم يوعز بمحاسبة المجرمين، وكيف يفعل كما يظن البعض وفيه الخصام وهو الخصم والحكم!

لم يكسر فيلم الـ بي بي سي الصمت عن معاناة بحرانيتين فقط! بل كشف عن معاناة أكثر من أربعة آلاف سجين سياسي، يعانون الأمرين في سجون البحرين، من تعذيب وسوء معاملة وحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية. وفوق كل ذلك يحيط بهم اليوم خطر محدق ألا وهو فيروس كورونا الذي لا قدر الله ودخل عليهم، فسيحدث كارثة إنسانية لربما ستكون الأولى من نوعها في تاريخ البحرين.

إن الصمت لابد ان يكسر اليوم، وأن ترتفع الأصوات المطالبة بإطلاق سراح السجناء البحرانيين، الذين لم يرتكبوا جريمة سوى المطالبة بحقوقهم من عائلة جائرة. فالصمت اليوم سيمهد الطريق لوقوع كارثة إنسانية في سجون البحرين، فلابد من شحذ الهمم لتفاديها قبل أن يسبق سيف كورونا العذل!

كما أن كسر الصمت يستدعي الموقف في الحفاظ على حق القصاص من الجلادين ومن أوعز لهم أفعالهم الدنيئه، وهو ما يعني الإلتزام بالتمسك بالمفاصلة مع النظام الخليفي الذي لم يراعي حرمة ولا ذمة، وتعامل مع السكان الأصليين والعفيفات بأسلوب المافيا والعصابات، ومثل تلك الأنظمة لا يمكن أن تؤتمن على ادارة دفة البلاد، ولذلك فإن مستقبل البحرين بالأمن والعدل والكرامة لا يمكن أن يتأتى في ظل الحكم الخليفي أبدا أبدا.

البحرين اليوم