العالم - مقالات
فعُملاء السعودية الآن مُحتجزين بالكامل في الرياض، يُفرض عليهم أو حتى على إرادتهم غير الحُرَّة مجموعة من الإملاءات والشروط وحتى الإِتفاقيات المجُحفة بحق الشعب اليمني، وهُم في حالة استسلامٍ مُريعٍ وخوفٍ مُذِل، ولهذا فإنَّهم جاهزون لتسليم الأرض وما فوقها وما في باطنها.
وعلى سبيل المثال (تسليم المثلث الأسود لأربعين عام قادمة) ويُقصد بها هُنا محافظات شبوه، ومأرب والجوف، لما تكتنزه أراضيها من خيرات النفط والغاز والمعادن الثمينة الأخرى، وكذلك مد أنبوب النفط السعودي في مُحافظة المهرة ليصل إلى بحر العرب دونما تحديد أية شروطٍ من هؤلاء العُملاء، وكذلك توزيع الجُزُرِ والشواطئ اليمنية الإِستراتيجية بين الحكومتين السعودية والإماراتية.
ولا نُبالغ ما إذا أوردنا الاهتمام بمصالح العدو الإسرائيلي الجيوإستراتيجية للتمهيد للتطبيع الكامل معها، مع الأخذ بالحُسبان توزيع المغانم أو الغنائم في الأرض اليمنية فيما بين شريكي العُدوان بشكلٍ مُرضٍ لهما، ويأتي صمت حكومة المنفى القابعة بالرياض أو القاهرة أو إسطنبول، لضمان استمرار الدفع المُستمر لرواتبهم وإيجارات شُققهم وأجنحة وغُرف النوم في فنادقهم، والفُتات يذهب لهؤلاء الشباب البُسطاء المُغرَّر بهم الذين يموتون بالعشرات تحت وابل نيران خصمهم اللدود من الطرف الآخر من المُرتزقة المأجورين التابعين كعُملاء لمشيخة الإمارات، وهُم كذلك يعيشون كرهائن في مدينة أبوظبي مع أُسرهم وحتى أقاربهم، يُنفِّذُون أوامر أسيادهم من مشيخة الإمارات، يعيشون كي يقتاتون على فُتات ما يجود به الشيخ الوكيل عليهم، يُنفِذُون بالحرف أوامره وخُططه ومشروعاته الإِستراتيجية كمُحتل، خاصةً إذا ما عرفنا بأنَّ دولتي العُدوان ليس بينهم قضيةً خلافيةً تُذكر، وأنَّ التنسيق بينهما يسير على قدمٍ وساق في جميع المحافظات التي احتلوها معاً مُنذ بدء العدوان على اليمن .
وحتى هذه اللحظة، وأنَّ ما يحدث على الأرض ما هو إلاَّ تنسيق في أوسع نطاق، وهُم يُحرِّكون العُملاء الخونة كبيادق وأحجار شطرنج في الرقعة الجغرافية اليمنية الواقعة تحت الإِحتلال ليس إلاَّ، ولكنني هُنا أُكرَّر أنَّ مُقابل هذا الخنوع والاستسلام والعبث بهم في كلٍ من الرياض وأبوظبي، مُقابل تلك التضحية والمُعاناة بسُكان مدينة عدن وضواحيها، لكي يصمتوا دون خجل لحِرمان أهل عدن الكِرام من خدمات الكهرباء والمياه وبقيَّة الإِحتياجات الإنسانية التي يحتاجها المواطن في عدن ولحج وأبين في ظل هذا القيض والحر الشَّديد مع تزايُدِ مرض جائحة كورونا وبقية أمراض الحُمِّيات، علاوةٌ على انقطاع الرواتب في المناطق الواقعة تحت الإِحتلال.
للأسف حتى اليوم نجد أنَّ هُناك من العُملاء والمُرتزقة من اليمنيين لازال يُبرِّر للمُحتل عُدوانه وحصاره وخنقه من جميع المنافذ، هؤلاء المُرتزقة يتحدثون لوسائل الإعلام التابعة لهم بأنَّ هدف عدوان آل سعود وآل نهيان على اليمن هو من أجل إعادة "الدولة الشرعية" إلى صنعاء، وأنَّهم يُقاتلون فئةً صغيرةً هُم الحوثيين، ولازال هؤلاء المُرتزقة البُؤساء يرددون دون خجل هذه الأسطوانة المشروخة مُنذ أزيد من خمس سنواتٍ دون احتشامٍ أو حياء.
المنطق العقلاني والسياسي هو أنْ نتتبع خُطوات دولتي العدوان وإجراءاتهم على الأرض ومُتابعة سياستهم الخارجية المتطابقة مع المشروع الإِستراتيجي الأمريكي والحركة الصهيونية إجمالاً، وهي التي كشَّرت عن أنيابها مع وجود اليمين الشعبوي العُنصري المتطرف في البيت الأبيض الأمريكي، حيث تبنَّت الإدارة الأمريكية المُتصهينة برئاسة الرئيس/ دونالد ترامب في هذه الفترة مشاريع صهيونية وقحة، وسُمِّيت بـ (صفقة القرن)، وضمُّ القُدس وأجزاء من الأغوار والضفة الغربية وهضبة الجولان العربية السورية للكيان الصهيوني، كُلَّ هذه الإجراءات غير المسبوقة تتم بهدف تصفية القضية الفلسطينية العادلة والقضاء عليها بما يخدم سياسة التطبيع مع الكيان الإِحتلالي الصهيوني المُجرم.
دعونا نُفنِّد بالوقائع حركة دولتي العدوان السعودي – الإماراتي وعُملائهم من اليمنيين في السياسة الخارجية الإقليمية لكي يُصحح البعض من هؤلاء (السياسيين) اليمنيين بعضاً من مفرداته ومفاهيمه:
أولاً:
دأبت السعودية والإمارات وعدد من الدول الخليجية في العشرين السنة الأخيرة بأنْ تُطرح فِكرة حِدَّة الصراع بين المذهبين الرئيسيين في الإسلام السُنِّي – الشيعي في المنطقة ونفذت تلك السياسة الإعلامية والدبلوماسية بحشد سيلٍ من الخُطباء المُتفوهين والمُتشددين معاً من الجماعة الوهابية المُتطرفة مع جموع السلفيين المتشددين دونما وعيٍ يُذكر لهؤلاء، وقد برع هؤلاء الخُطباء والدُعاة كثيراً في إغواء الناس البُسطاء وتجهيلهم حتى وصلوا إلى نُقطةٍ حرجةٍ في جعل مذهب الشيعة يتضادُّ ويُعادي مذهب السُنَّة ، مع أنَّ المذهبين مُسلمين حنيفيين، والجامع لهما أكثر من ألف مرَّةٍ من عناصر الخلاف والفُرقة، واستُخدِمَتْ منابر المساجد والمعاهد وحتى بعض الجامعات الدينية الحزبية والقنوات الفضائية ومنصات التواصل الإِجتماعي في بث تلك السموم للعداء بين المذهبين الإسلاميين الحنيفيين.
ثانياً:
ومن أجل تسهيل مُهمة تنفيذ سياسة التطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي المُحتل لأرض أهلنا بفلسطين، بدأت فِكرة شيطنة سياسات جمهورية إيران الإسلامية واتهامها بأنَّها تُزعزع الإِستقرار في المنطقة وأنَّها عامل توتر، والتخويف من سياسة إيران النووية وصواريخها بعيدة المدى، وبأنَّها مصدر خطرٍ حقيقيٍ على دُول المنطقة برُمتها، وأنَّ إيران هي العدو الحقيقي لشعوب ودُول المنطقة العربية، وأنَّ “إسرائيل” لم تعُد هي الخطر على الأمن القومي العربي وستكون جُزءاً من منظومة الأمن والسلام العربي، وهكذا يتم الترويج الإعلامي اليومي ولسنواتٍ حتى تحوَّل الأمر لدى البعض من الناس إلى احدى مُسلَّمات ثقافته ومُفرداته وربما قناعاته وبالذات من السواد الأعظم من البُسطاء الذين تنطلي عليهم مثل تلك الحيل والسياسات المُمنهجة، وللتذكير فإنَّ ما ورد ينطبق مع التوجه العام ويتَّسق كُلياً مع السياسة الخارجية لدولة الكيان الصهيوني.
إنَّ محاولات تحويل العدو إلى صديق والعكس منه تحويل الصديق إلى عدو هي احدى السياسات التي طبختها وجهزت أفكارها وحضَّرت أدواتها المُخابرات في الدول الغربية الرأسمالية وتحديداً:
الموساد الإسرائيلية MOSSAD
الإِستخبارات الأمريكية CIA
الإِستخبارات البريطانية M16
وكُلها مؤسسات ذات طابعٍ احترافيٍ خبيثٍ في الإِختراقات والكسب وبثِّ السموم الإعلامي والخبري للشعوب عبر استخدام العامل الديني، والهويات الفرعية، والضغائن التاريخية التي حدثت في التاريخ.
ثالثاً:
عملت الإدارات الأمريكية المُتعاقبة بسياسةٍ ثابتةٍ لحماية ودعم كيان العدو الصهيوني، لكنَّ إدارة الرئيس/ دونالد ترامب الشعبوية العُنصرية كانت هي الأكثر وضوحاً في دعم الكيان الإسرائيلي من خلال ما حضَّرته لـ (صفقة القرن) سيئة الصيت والسُمعة، وكان لها دعماً مباشراً مادياً وإعلامياً وترويجياً من قِبل حكومات دول مجلس التعاون للأسف، وللتذكير هُنا فحسب بأنَّ العرب الصهاينة قد مهَّدوا للفعاليات والمؤتمرات الإقليمية والدولية بهدف إدخال مُمثلي العدو الإسرائيلي في هذه التجُمعات والمهرجانات السياسية والدبلوماسية كمدخلٍ للتطبيع العلني، كمؤتمر وارسو عاصمة جمهورية بولندا عام 2019م وقد كان المشاركون فيه الدول الآتية وهي (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، بولندا، “إسرائيل”، السعودية، البحرين، مصر، الأردن، المغرب، الكويت، الإمارات المتحدة، قطر، عٌمان، وحكومة هادي القابعة في الرياض)، وكذلك ما حدث في المؤتمر الإِقتصادي التطبيعي المُنعقد في المنامة عاصمة البحرين في نهاية يونيو 2019م، وحضرته ذات الدول مع إضافة المُطبعين من رجال الأعمال العرب المتصهينين.
رابعاً:
ولأنَّ السعودية ومشيخة الإمارات تقودان بوضوحٍ قاطرة التطبيع (العربي) العلني مع الكيان الصهيوني، فكان لِزاماً عليها أنْ تأمُر حكومة المستقیل عبدربه منصور هادي بالحضور المُهين لفعالية المؤتمر التطبيعي في وارسو عاصمة بولندا، ويتذكر المشاهد بأنَّه قد شاهد خالد اليماني وزير خارجية هادي وهو يتوسط الجلوس بأريحيةٍ تامةٍ بين كلٍ من رئيس وزراء كيان العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية مايك بومبيو، وكان مشهداً مُستفزاً وخارجاً عن المألوف لجميع الأحرار في اليمن والعالم العربي أنْ يُشاهدوا مسؤولاً عربياً يتماهى مع أيِّ مُمثلٍ للكيان الصهيوني عدا دول التطبيع كمصر والأردن ودول مجلس التعاون« هذا الموقف المبدئي العام من مُمثلي الحركة الصهيونية تستند إلى مشروعية الحق الفلسطيني في الأرض وإِرثه التاريخي باعتباره حقٌ ثابت وغير قابلٍ للمُساومة لا بالبيع ولا بالشراء.
كما أوعزت مشيخة الإمارات لأتباعها ومأجوريها من المجلس الإِنتقالي الإِنفصالي بأنْ يُدلوا بدلوهم في الهرولة بالتصريحات لطلب ود الكيان الصهيوني، والغريب في الأمر أنَّهم يُعلنون جهاراً نهاراً بأنَّهم سيفتتحون سفارةً للعدو الصهيوني الإسرائيلي في عدن إذا ما حققوا حُلم الإِنفصال المقيت، تصوَّروا يقولونها بالصوت والصورة بأنَّهم مع التطبيع وإعادة العلاقات مع الإسرائيليين الصهاينة، وهذا لعُمري لم نعهده من قبلٌ في التاريخ اليمني الناصع البياض تجاه العدو الحقيقي للعرب والأمة الإسلامية برُمتها، لم نعهده من أيِّ يمنيٍ يحترم ذاته ويحترم تضحيات الأشقاء الفلسطينيون والعرب، ويحترم حقوق الشعب العربي الفلسطيني، ولِسان حال هؤلاء المُطبعين التافهين هو في كيفية التسابق بين العُملاء وخونة اليمن للتسابق في إرضاء قادة الكيان الصهيوني المُحتل، تسابقاً يضمن لهم رضا أسيادهم وأسياد أسيادهم من الأمريكان والصهاينة، هكذا وصل حال هؤلاء المرتزقة المأجورين من السقوط الأخلاقي المريع، تواصلاً وتماهياً مع تفريطهم بالأرض والكرامة اليمنية حينما استدعوا دولتي العدوان لضرب اليمن وشعبه العظيم مُنذ بدء العدوان في مارس 2015م، أنْ تموضعوا في جزيرة سُقطرى كما تموضعوا في عدن والطرف الآخر تموضع في أبين وشبوه وحضرموت، ومقابل ذلك التموضع الرخيص الواقع تحت الإِحتلال، يطلبون مُقابله خطب وِدَّ ورضا كيان العدو الإسرائيلي، هؤلاء هم اتباع ومستأجرين و(شُقاة) طرفي دولة العُدوان السعودي – الإماراتي في اليمن.
إنَّ كل شبرٍ من اليمن بِما فيها جزيرة سُقطرى وبقيَّة الجُزُرِ اليمنية والشواطئ والمدن وحتى (الحوافي) الحواري في اصغر مدائن الوطن لن يتم التفريط بها، ولن يتمَّ قُبول مستعمرٍ جديدٍ مهما طال الزمن أم قُصر، وسيطردُ هؤلاء المُحتلون وأذنابهم العُملاء بعزمِ رجال الرجال وبالحديد والنار، وتجارب التاريخ اليمني القريبة والبعيدة خير شاهدٍ على نجاح مقاومة المحتلين، أمَّا هؤلاء المُرتزقة المأجورين والمُفلسين أخلاقياً من اليمنيين سيُغادرون مع أسيادهم في أول رحلةٍ لمُغادرة المُحتل المُغادر للأراضي اليمنية، وهو حدثٌ سيُصبح واقعاً ملموساً عمَّا قريبٍ بإذن اللَّه، واللَّهُ أَعَّلمٌ مِنَّا جَمِيعاً.
أ٠د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور - رئيس الوزراء اليمني