في حال رحيل ترامب.. هل ترحل الترامبية؟

في حال رحيل ترامب.. هل ترحل الترامبية؟
السبت ٠٧ نوفمبر ٢٠٢٠ - ٠٦:٤١ بتوقيت غرينتش

"على ترامب، في حال فاز بولاية ثانية، ان يذبح أنطوني فاوتشي ( كبير خبراء الأمراض المعدية في امريكا)  وكريستوفر راي (مدير مكتب التحقيقات الاتحادية ،اف بي أي)، وان يضع رأسيهما على الحراب، ويعلقهما في زاويتين من البيت الأبيض". هذا الكلام ليس لـ"داعش" بل لكبير مسؤولي الشؤون الإستراتيجية في البيت الأبيض سابقا ستيف بانون، جاء لتهديد من وصفهم بـ"البيروقراطيين الاتحاديين".

العالم قضية اليوم

اما الجريمة التي بسببها استحق فاوتشي و راي القتل بتلك الطريقة البشعة، من وجهة نظر بانون، هي معارضة الاول الاداء الكارثي لترامب في التعامل مع جائحة كورونا، والذي اسفر عن موت اكثر من 230 الف شخص واصابة نحو 10 ملايين امريكي بالفيروس، ودور الثاني في التحقيق الذي اجرته الشرطة الاتحادية في التدخل الخارجي في الانتخابات الامريكية.

قد يستبعد البعض ان يكون بانون جادا فيما ذهب اليه عندما دعا الى ذبح فاوتشي و راي، وان ما قاله جاء تحت تاثير نتائج الانتخابات التي قد تضع حدا لطموح ترامب في البقاء بالبيت الابيض. ولكن الامر ليس كذلك، وان ما قاله بانون لم يكن بسبب فورة غضب، بل ما قاله يأتي انطلاقا من العقلية التي تحكم امريكا بشكل عام، وتحكم انصار ترامب من اليمين واليمين المتطرف والعنصري بشكل خاص. وهذه العقلية هي التي دفعت الالاف من المسلحين، للنزول الى الشوارع مهددين باحراق امريكا في حال لم يفز ترامب، وهي ذات العقلية التي دفعت جماعات الى ارسال 11 قنبلة الى كل من يعارض ترامب، مثل الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما، و وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ومقر شبكة سي ان ان التلفزيونية، الا ان الشرطة تمكنت من كشفها وابطالها. وهي العقلية التي دفعت جماعة للتخطيط لإختطاف وقتل حاكمة ولاية ميشيغان غريتشن ويتمر، والتي تمكنت الشرطة من احباطها في اللحظة الاخيرة.

من الخطأ التقليل من خطر هذه الجماعات والعقلية التي يتحركون في نطاقها، على اعتبار انها جماعات منعزلة او ذئاب منفردة. فنتائج الانتخابات التي تشهدها امريكا اليوم، كشفت ان هذه الجماعات تمثل نصف المجتمع الامريكي، فلولا وجود هذه الجماعات لما وصل ترامب الى سدة الحكم بهذا الخطاب العنصري الصارخ، وبهذه الشخصية المتعجرفة والرعناء، وبهذا التاريخ المتخم بالفساد المالي والاخلاقي والسياسي.

تأكيدا على تبنى نصف الشعب الامريكي، توجهات وسياسات شخص مثل ترامب، منح 68 مليون امريكي صوته لترامب في الانتخابات الحالية التي تجري في امريكا، اي ان ترامب حصل على اصوات اكثر من الاصوات التي حصل عليها في انتخابات عام 2016. وهو ما يؤكد التأييد الشعبي القوي لتوجهات ترامب وعلى راسها العنصرية، الامر الذي يشطب على مقولة "المجتمع الامريكي المتسامح".

العنصرية ليست شيئا طارئا على المجتمع الامريكي، فأمريكا قامت على العنصرية عندما اباد البيض اكثر من 20 مليون من سكنة امريكا الاصليين، واستقدم مئات الالاف من الافارقة للعمل في الحقول كعبيد, كما ان العنصرية كانت قانونا في امريكا الى ما قبل عقود قليلة، ورغم الغائها من على الورق، الا انها مازالت تستوطن الشخصية الامريكية، وتبحث عن فرصة لتتفجر حقدا وضغينة على الاخر.

صعود ترامب للسلطة عام 2016 ، واعلانه الحرب منذ اليوم الاول لدخوله البيت الابيض على الملونين والافارقة الامريكيين، ومنعه المسلمين من دخول امريكا، ووصفه لشعوب امريكا اللاتينية وافريقيا بأقذع الصفات، واحتقاره للمرأة، ووقوفه الى جانب ابشع الانظمة الدكتاتورية في العالم، وعدائه الفاضح للصحافة، ورفضه لبديهيات العلوم، وعدم اعترافه بوجود مشكلة اسمها المناخ او فيروس كورونا، وتاييده المطلق للجماعات العنصرية في امريكا. كل ذلك وفر فرصة كبيرة امام العنصرية في امريكا لتتفجر وتطل برأسها البشع مرة اخرى.

لم ينجح ترامب بإخراج العنصرية من ثنايا الشخصية الامريكية فحسب، بل زرعها في النفوس ايضا، وزاد من اتساع رقعة العنصرية على الجغرافيا الامريكية ، كما زاد من تجذرها في المجتمع الامريكي. لذلك تعتبر فترة رئاسة ترامب للولايات المتحدة الامريكية، فترة مفصلية. فامريكا ما بعد ترامب ليست كما كانت قبله، ولن يؤثر رحيله عن البيت الابيض في واقع امريكا الجديد، بعد ان ترك ترامب وراءه إرثا سيكون مرجعا "مقدسا" لعنصريي امريكا.. وهو "الترامبية".

سعيد محمد - العالم