بن سلمان يكثف حضوره الإعلامي.. فكيف استغل كورونا وغياب الملك سلمان عن قمة العلا؟

بن سلمان يكثف حضوره الإعلامي.. فكيف استغل كورونا وغياب الملك سلمان عن قمة العلا؟
الثلاثاء ١٢ يناير ٢٠٢١ - ٠١:٤١ بتوقيت غرينتش

يجدد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي حضوره الإعلامي، ويبدو أن الحاكم الفعلي للمملكة، لا يريد البقاء متواريا عن الأنظار ليبات رصد ظهوره العلني نادرا، وذلك بعد أزمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في تركيا التي قللت حضور بن سلمان إعلاميا أو بات شبه منعدم، وما لحق بلاده، واتهامه شخصيا بالمسؤولية المباشرة بالضلوع في أوامر قتله، والتي نفاها بدوره، وتحمل المسؤولية عنها كونه مسؤول في الدولة السعودية.

العالم - السعودية

الظهور الإعلامي للأمير بن سلمان، يمكن وصفه بالعودة التدريجية، وصولا لمشاهد الظهور المتوالي، وتحديدا لحظة إعلانه عن رؤية 2030 منذ ثلاثة أعوام، وتقديم نفسه رجلا إصلاحيا بعد تقليصه لصلاحيات المؤسسة الدينية، مستغلا اليوم عددا من الأحداث ذات الاهتمام العالمي، حيث الرجل له معجبوه من الشباب السعودي، ورؤيته التي يقول منتقدون أنه تراجع تطبيقها بفعل الأزمات المتلاحقة داخليا، وخارجيا.

استغل الأمير بن سلمان بداية فيروس كورونا، ووصول اللقاح إلى بلاده، ومع وجود شكوك عند السعوديين، وغيرهم، بحقيقة اللقاح، وأعراضه الجانبية، ظهر علانية، وتلقى العلاج شخصيا، وبحسب وسائل إعلام محلية، بات هناك إقبال بعد ظهور الأمير الشاب وهو يتلقى حقنة اللقاح في كتفه، وكان ذلك المشهد الأول للظهور الإعلامي صاحبه أضواء إيجابية، وقد ركزت وسائل إعلام غربية على ذلك الظهور للأمير، فيما كان بالأمس تحت سهام انتقاداتها، على خلفية مسؤوليته عن حرب اليمن، ومقتل خاشقجي، كما اعتقال النشطاء والناشطات، والمشائخ، وبدا أن لحظة تلقيه اللقاح، حظيت باهتمام محلي أكثر من والده العاهل السعودي الذي تلقاه أخيرا أمام عدسات الكاميرات.

المشهد الثاني، حرص الأمير بن سلمان، على تصدر مشهد المصالحة الخليجية، وبدا أنه رغب في قيادة القمة التي جمعت الأشقاء المتخاصمين في العلا، بل وغاب الملك سلمان تماما عن المشهد، على عكس القمم الخليجية والعربية الماضية، والتي حضر فيها الأمير بن سلمان إلى جانب والده، وترك له القيادة، وبقي مشهد عناقه مع الأمير القطري تميم بن حمد، عالقا في أذهان الصحافة العالمية، وتفسير أسبابه الحقيقية، وهو ما يوحي برغبة الأمير العودة إلى الأضواء الإيجابية، وتصدره المشهد الإعلامي الغربي سلبا، وتقديم نفسه الحريص على حل الأزمات، ورغبته في الصعود على عرش المملكة، التي كان قد أكد أنه لن يمنعه عنه سوى الموت.

وبعد توالي الشكوك حول قدرة رؤية الأمير بن سلمان 2030 على المضي قدما، والاستمرار بتقديم المشاريع الاقتصادية، وتوقف بعض مشاريع الرؤية لأسباب اقتصادية، وتراجع الاقتصاد بفعل جائحة كورونا ووجوب شد الأحزمة كما أعلن وزير المالية، وإعلان ميزانية بعجز غير مسبوق، ظهر الأمير الشاب وهو يعلن عن مشروعه الجديد “ذا لاين”، والذي سيكون مشروعا بصفر شوارع، وصفر سيارات، وبطاقة متجددة، وتكثيفا لحضوره الإعلامي، أعلن الأمير بنفسه عن المشروع، مرتديا زيه الرسمي، وشماغه الأحمر، ويبدو المشروع واعدا باعتماده على الذكاء الاصطناعي، إذا قدر له وبقية مشاريع مدينة نيوم أن ترى النور، حيث جرى نقل موقع إدارة شركة “نيوم” من العاصمة الرياض إلى نيوم، تزامنا مع بدء أعمال الإنشاءات هناك، والتي كان قد تعطل بعضها بفعل أزمات مالية.

ورغم كل محاولات تنويع مصادر الدخل الاقتصادي في العربية السعودية، والتي جرى الإعلان عنها ضمن رؤية 2030، والتي أدخلت السياحة وتأشيرتها للسياح الأجانب، وفرض الضريبة المضافة، إلى جانب موسم الحج السنوي الذي تراجعت إيراداته بفعل أحكام التباعد الاجتماعي موسمه الفائت، بقي النفط المصدر الأساسي المتحكم في رفاهية السعوديين، والذي أوقف علاواتهم السنوية، والدعم عنهم، ومع انخفاض أسعاره المسجلة آخر 11 شهرا، ستكون التساؤلات مطروحة حول مصادر التمويل التي ستعتمد عليها المملكة في دعم وتمويل مشاريع نيوم، والمشروع الذكي الجديد المعلن عنه أيضا.

ويبدو أن المملكة، ترغب في التركيز على خفض إنتاج النفط، وتعهدها غير المسبوق بخفضه، وبالتالي أملها والأسواق برفع أسعار النفط، محاولة عدم الالتفات لما يحدث من اضطرابات في الولايات المتحدة، ومع هذا فقد أثر اقتحام الكونغرس على أسعار العقود الآجلة للنفط.

ومع رحيل ترامب المرتقب عن السلطة، يبدو أن الحكومة السعودية التي وافقت على زيادة إنتاج النفط بطلب منه، ترغب بالتحلل من هذه الزيادة، وضغوطه، حيث قدمت تعهدها غير المسبوق لأسواق النفط أخيرا بخفض إنتاج النفط، وهي أكبر مصدر للعالم له، بمقدار مليون برميل يوميا في فبراير ومارس، وهو ما يعني آمالا بعودة ارتفاع أسعار النفط، الذي سيكون الممول الأبرز لمشاريع نيوم، والتي توقفت بعد انخفاض أسعاره.

وتظل التساؤلات بكل الأحوال، فيما إذا كان الارتفاع في أسعار النفط سيظل مستمرا، لكن يبدو أن السعودية حريصة هذه المرة على عدم المماحكة السياسية مع روسيا، فهي لا تريد العودة إلى مشهد انهيار أسعار النفط إبريل العام الماضي الذي نتج عن رفع الإنتاج، ومع وجود ترجيحات تعافي اقتصاد العالم، مع بدء توزيع اللقاح المضاد لفيروس كورونا.

ويكثف الأمير محمد بن سلمان، ظهوره الإعلامي الذي ينظر له البعض بإيجابية، تزامنا مع بدء العد التنازلي لنهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب الخاسر، ووصول جو بايدن إلى الحكم، وقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبايدن أعلن أنه سيقدم المصلحة الإنسانية، على المصلحة السياسية في علاقته مع العربية السعودية.

يبدو ولي العهد السعودي، حريصا على إغلاق ملفات الأزمات، فأنهى خلافه مع قطر، وأصدر القضاء السعودي حكمه النهائي على الناشطة لجين الهذلول، والذي يتردد أنها ستخرج بعد حوالي ثلاثة أشهر، بحكم قضائها المدة، أما في اليمن فقد توصلت السعودية مع الإمارات إلى حكومة جديدة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي جرى استقبال حكومة هادي القادمة من الرياض بتفجير في مطار العاصمة عدن، أما المصالحة مع انصار الله، فيبدو أنها ستبقى عالقة بعد تصنيف أمريكا لها إرهابية، وترحيب المملكة بهذا التصنيف.

الأوساط السعودية، تتحدث عن جهوزية المملكة للتعامل مع إدارة بايدن الديمقراطية، فالأمير بن سلمان لا يرغب بالبقاء معزولا، وهو يبدو حريصا على الظهور الإعلامي، ومخاطبة شعبه وجيل الشباب منهم على وجه التحديد، وهذا الحضور الإعلامي، لن يتعرض لانتقادات أقله على شاشة “الجزيرة” القطرية، والتي ما عادت تقترب من الأمير الشاب، بعد أن كان تصدر عناوين نشراتها، وتغطياتها، بعد المصالحة الخليجية، وهي القناة التي تحظى بمتابعة في أوساط الخليجيين عموما، اللغة الإنجليزية أساسا ستكون عائقا للبعض عن متابعة الإعلام الغربي، فيما لو وجه نقده لولي عهد المملكة، والجزيرة ما انفكت وفق ما رصدت “رأي اليوم” قبل المصالحة عن ترجمات متوالية في ذلك الخصوص.

والسعودية من جهتها، حريصة على إتمام تلك المصالحة، بعد وصول مرحلة التأزيم بين البلدين إلى فصل العائلات المتصاهرة على خلفية الجنسية القطرية، وتناول الأعراض، وخلاف طويل دام لثلاث سنوات.

يبقى التساؤل مطروحا بكل الأحوال، حول تعامل إدارة بايدن مع القيادة السعودية.

خالد الجيوسي - رأي اليوم