لا يمكن التعامل مع العدوانية المتزايدة في الغرب لكل ما هو إسلامي إلا من خلال نظرة تاريخية عميقة لعلاقة الغرب بالشرق وتداعيات هذه العلاقة على الوضع الراهن.
فما سبب كل هذا الحقد الغربي على الإسلام؟ في الحقيقة إن الأسباب كثيرة، ولا يسعنا الحال إلى ذكر كل ما قام به الأوروبيون والمعمّرون الغربيون من حقد قديم قدم الزمن في تنفيذ عدة مخططات كانت تهدف إلى إفناء المسلمين وإبادتهم وإحراق الحرث والنسل واستباحة المحرّمات وهتك الأعراض منذ أن دخل الصليبيون القدس سنة 1099، وكذا لما سقطت غرناطة تحت أيدي الإسبان الحاقدين سنة 1492، كان هؤلاء المسيحيون يستعملون كل طرق التعذيب، والاضطهاد، والتقتيل، وحتى من سمّوهم بـ"الموريشكيين"، أي العرب المتنصرين تحت التعذيب والتنكيل لم يتركوهم سالمين.
فكانوا يعدمونهم بالجملة أو يبيعونهم عبيدا أو يجمعونهم في سفينة ويغرقونهم جملة أو ينفونهم إلى أي مكان بعد مصادرة أموالهم، إلى ما فعله الاستعمار الغاشم الفرنسي والبريطاني والبلجيكي والإيطالي والبرتغالي في بلاد المسلمين، وما فعله الصرب مع قتل آلاف المسلمين لم يرحموا فيه لا الأطفال ولا النساء الذين لجأوا إلى الكنائس والمساجد كمعابد دينية من المفروض أن لا تمسّ بأذى. والقائمة طويلة لا تنتهي في بضعة سطور...
إذن، القضية ليست دينية عقائدية، بل هي سياسية عنصرية محضة هدفها فرض الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي، وتمزيقه، وضرب وحدته، وتشويه فكره وعقيدته المتمثلة بالتوحيد ومنهج الحق في الدين والدنيا.
اليوم، ونحن في عهد ما يسمى بالديمقراطية والعولمة وانتشار العلم والتكنولوجيا، ها هي ظاهرة تطغى على المجتمع العربي-الإسلامي، ألا وهي ظاهرة الإسلاموفوبيا. أثيرت في الآونة الأخيرة هذه الظاهرة واحتدم حولها جدل واسع النطاق، حيث تعددت الآراء وتباينت وجهات النظر حول الظاهرة وأسبابها وتداعياتها.
ومن خلال استعراض أهم الأسباب التي أدت إلى نشأة هذه الظاهرة وتناميها، يبدو في الغالب أن عنصر المؤامرة والكيد للإسلام والمسلمين حاكما لأغلب التصريحات المنتشرة في الغرب تارة، وبثنائي الجهل والتعصب مع الابتعاد كل البعد عن الدين المسيحي من قبل الغرب الذي تركه باسم الحريات والديمقراطية والانحلال تارة أخرى.
قد يتساءل البعض ما مصدر هذه الكلمة التي تعني الخوف غير المبرّر من الإسلام والمسلمين في البلدان الغربية، أصحاب النظريات الديمقراطية وحرية الأديان والاعتقادات كما يدّعون في وسائل الإعلام. للإجابة عن هذه التساؤلات، نستطيع أن نقول أن الاسلاموفوبيا islamophobia هذا المصطلح الانجليزي الغربي الذي ظهر في الثمانينات وانتقل إلي جميع اللغات في التسعينات واتسع استعماله بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية "يرتبط بتنامي المشاعر السلبية ضد الإسلام والمسلمين في المجتمعات الغربية وتشكيل هذه المشاعر أساسا لانطلاق سلوكيات غربية مجحفة بحقوق الأطراف المسلمة".
وأول من قام بتعريف هذا المصطلح هو البريطاني رونيميد تروست وأول من استعمل اللفظ عند الكتّاب الفرنسيّين ماليه إميل في مقال بعنوان "ثقافة ووحشية" نشره في جريدة لوموند الفرنسية عام 1994.
ومن أشهر علماء الاجتماع الذين عالجوا هذه الظاهرة البروفسور فيلهلم هايتماير حيث وضع الاسلاموفوبيا في مصاف الظواهر الاجتماعية المشهورة مثل العنصرية أو كراهية الأجانب أو العداء للسامية. وكذا الفيلسوف وعالم الدين الكاثوليكي هاينز بيليفيلدت الذي أصبح منذ سبتمبر2003 أول أستاذ كرسي ألماني لحقوق الإنسان وسياسة حقوق الإنسان في جامعة إرلانغن-نورينبيرغ بألمانيا. كما هو الشأن للكاتب السويدي هينينغ مانكل الذي يتفاعل بقوة تجاه كراهية الإسلام التي تتصاعد شيئا فشيئا في بلاده بحيث أنه يعتبر أن بلاده تنتهج طريقا خاطئا في تدخلها في الصراع العنصري المتطرّف، بحيث أنه لم يفاجأ على الإطلاق إثر الهجوم الذي وقع السبت 11 ديسمبر 2010 في ستوكهولم، حيث أنه كان متوقعا جدا مثل هذه الأحداث بعد التزام السويد إلى جانب الولايات المتحدة في حربها ضد أفغانستان، كما يعتقد أن هناك مخاوف من أن بلاده ستكون أكثر فأكثر ضحية لارتفاع التطرف، إذ أن العنف يُولّد العنف المضاد.
تؤدي هذه التساؤلات وغيرها إلى نتيجة مفادها أننا إزاء مفهوم ملتبس سواء على مستوى المعنى أو مسيرة تطوره؛ فمن ناحية يصف بعضهم الإسلاموفوبيا بأنها عبارة عن تفاقم مشاعر العداء تجاه الإسلام وما يصاحبه من مظاهر تعد واضحة على المسلمين وحرياتهم ومقدساتهم. بيد أن هذا التوصيف يقع في تماس بالغ مع مفهوم "التحامل على الإسلام" والذي يُقصد به وجود نية مبيّتة لدى الآخرين لوصف الإسلام بما ليس فيه، كمرادفته بالإرهاب، والعنف، وعدم التعامل بالديمقراطية، وعدم التعامل بالموضوعية في مناقشة مسائله والتعرض لقضاياه، ومن جهة أخرى الخوف من انتشاره واحتضان العالم الغربي أفكارا غريبة عنه.
كيف تكونت ظاهرة الإسلاموفوبيا في العصر الحديث؟ وهل ما تزال في سياقاتها المعرفية مرتهنة بالفعل لإرث الكراهية ضد الإسلام منذ العصور الوسطى؟ أم أن ثمة جهات عليا تعمل على إطلاق العنان للخوف من الإسلام وتطال عليه في آن واحد؟!. يمكن القول إننا عندما نتحدث بالفعل عن تنامي موجة العداء للإسلام، إنما نتحدث عن تكوين نمطي مسبق وخلفيات مفبركة مُحمَّلة بالعديد من القناعات المغلوطة ومُنطلِقة من مفاهيم موروثة منذ القرون الوسطى كما ذكرناه آنفا، ناهيك عن استغلال الصهيونية العالمية لأفكارها الحاقدة على العرب والمسلمين واستثمارها في كل زمان ومكان مع خلفيات مبيّة، لا سيما في تأثيرها على المجتمع الأميركي وبالخصوص على المحافظين الجدد الذين انصاعوا وانقادوا لأفكار المسيحية المتطرفة والتيار الصهيوني منذ أحداث سبتمبر 2001 التي يعتقد أنها مفبركة لضرب الإسلام وتعاليمه الحنيفة..
وانطلاقا من الرؤى السابقة يرى "المصابون بالإسلاموفوبيا" من سكان الغرب، (وكأنه مرض) أن"العداء للإسلام والمسلمين والتحيّز ضدهم أمر طبيعي ورد إثر أفعال وتصرفات تلقائية على طبيعة المسلمين الشريرة". لذا فهم يساندون التمييز ضد المسلمين وحشد قوى الغرب في حرب ضد الإسلام وأتباعه خوفا من انتشاره بحيث أصبح هناك خلط عند سكان الغرب "بوحشية المسلمين" الذين أرادوا أن يدمّروا الحضارة الأميركية وبالتالي الحضارة الغربية.
بالطبع، من تداعيات هذا كله، تمثل المعتقدات السابقة أساسا لتصرفات تمييزية عنصرية ضد المسلمين، قد تأخذ صورة المطالبة بسياسات تحد من حقوق وحريات مسلمي الغرب المدنية، أو تخضعهم لمراقبة متزايدة من قبل السلطات الأمنية. وقد تأخذ صورة انتشار لمشاعر سلبية تجاه المسلمين داخل المجتمعات الغربية كرفض العيش بجوار جيران مسلمين، ورفض بناء المساجد في فرنسا وألمانيا، ومنع الحجاب في المدارس والبرقع في الأماكن العمومية، ومنع المآذن في سويسرا، والمؤسسات الإسلامية في هولندا وأميركا (وهما البلدان المتأثرتان بكثرة بأفكار اليهود الصهاينة المتشددين)، والإساءة للرسول الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عبر الصور الكاريكاتورية في الدانمرك والسويد، إلى غير ذلك من الإساءات والعراقيل والإهانات والمراقبات التفتيشية في الموانئ والمطارات الغربية والكيد لهذا الدين ومشاعره المقدسة...
ومن جملة القراءات المختلفة لأسباب صعود ظاهرة الإسلاموفوبيا في يومنا هذا ما يلي:
- قراءة ثقافية حضارية قديمة ترى أن صعود الإسلاموفوبيا هو انعكاس لمشاعر سلبية عميقة مدفونة منذ القدم في وعي المواطن الغربي ضد الإسلام والمسلمين، وتعبير عن تحيز تاريخي وثقافي ضد الإسلام كدين وضد المسلمين وحضارتهم الخاصة التي يرون أنها تتنافى مع الحضارة المسيحية كون المسلمين لا يندمجون بسهولة مع الحضارة الغربية بتقاسم معيشتهم كونهم لا يذوبون أبدا في الحضارة الغربية.
- قراءة سياسية ترى أن ظاهرة الإسلاموفوبيا هي نتاج لبعض الأحداث الدولية التي أثرت بقوة على العلاقات بين العالم الإسلامي والمجتمعات الغربية خلال السنوات الأخيرة، ومن ضمنها هجمات الحادي عشر سبتمبر 2001 وما تبعها من هجمات أخرى هنا وهناك كون منفذيها رفعوا شعارات إسلامية وضربوا مجتمعات غربية مختلفة مثل إسبانيا، وبريطانيا، وإيطاليا، والسويد، ومناطق أخرى استغلها المتطرّفون الغربيون والصهاينة ضد الإسلام كدين، وانتشرت بصفة أخرى تأثرت في انعكاسها على المثقفين والرأي العام الغربي الذي لا يعرف شيئا عن الدين الإسلامي ولا حتى عن دينه المسيحي الذي تركه يتلاشى ويذوب في ثقافة العصرنة وثقافة ما يسميه بتعاليم الحرية المطلقة، بحيث وصل به الحال إلى الاعتداء المطلق على تعاليم الإسلام وضرب رموزه الأساسية مثل استعمال الرسوم الكاريكاتورية في الدانمرك ضد الرسول الأكرم سيدنا محمد (ص) تحديا للدين الإسلامي واستفزازا لمشاعر المسلمين.
أضف إلى ذلك الأزمة التي صنعها زعيم حزب "من أجل الحرية" اليميني الهولندي المتطرف الذي صرّح في رسالة مفتوحة في صحيفة الفولكس كرانت فيلدرز بدعوته إلى منع تداول القرآن الكريم في هولندا وصرح أنّ القرآن كتاب يدعو للعنف، وقارن بين المصحف الشريف وكتاب أدولف هتلر "كفاحي" وأزمة تصريحات البابا بنديكت السادس عشر حول الإسلام، وأزمة الحجاب في فرنسا، وتصريحات بعض القيادات الغربية الدينية والسياسية المسيئة للمسلمين. هذا، إضافة إلى بعض المشكلات الثقافية الدولية التي أثرت سلبا على العلاقات مع الدول والشعوب الإسلامية.
-أما القراءة الثالثة- وليست الأخيرة– المطروحة في هذا المجال فهي قراءة اقتصادية واجتماعية ترى أن صعود الإسلاموفوبيا خلال السنوات الأخيرة انعكاس لبعض التغيرات المجتمعية الكبرى التي لحقت بالمجتمعات الغربية والإسلامية خلال العقود الأخيرة، وعلى رأس هذه التحولات تراجع قوى اليسار الغربي التقليدية التي سادت خلال النصف الثاني من القرن العشرين والتي كانت تساند الحركات التحررية من ويلات الاستعمار الغربي وسيطرة الإمبريالية الأميركية بمبدأ تكريس المساواة وحقوق الإنسان والتحرر من القيود الرأسمالية ونفوذ الشركات المتعددة الجنسيات. مقابل هذه التيارات كلها، نرى صعود قوى اليمين الرأسمالي والثقافي والديني المتطرف الذي تغلّب في الغرب. يقابله تطرف معاكس في العالم الإسلامي خلال الفترة ذاتها التي تكاد تفرض أن الخلاف الثقافي بين المسلمين وأبناء المجتمعات الغربية خلاف حتمي يكاد يعفي المسلمين من مسؤولية فهم المجتمعات الغربية وتفاصيل ما يدور فيها، كما تعفيهم من سبل توعيتها بصورة الإسلام الصحيحة خاصة في ظل تنامي أعداد المسلمين في الدول الغربية، وانفتاح أعداد متزايدة من أبناء تلك المجتمعات على فهم الإسلام والمسلمين، وتنامي قوى العولمة والاتصالات بما يسهّل عملية التواصل مع الآخر وتوعيته.
إن رواج مصطلح الإسلاموفوبيا هو في الحقيقة انعكاس لتنامي ظاهرة يبحث لها الغرب عن تسمية مناسبة له لما يتميز به هذا الأخير من انغلاق على النفس، وقد يختلف البعض حول دقة المصطلح، ولكن هناك شعور متزايد بالظاهرة نفسها تذكّر الأجواء التي سبقت استعمال مصطلح "العداء للسامية " مع ظهور النازية قبل الحرب العالمية الثانية، ثم مع ظهور الثورة البلشفية في الاتحاد السوفياتي سابقا وبعدها مع انتصار الحلفاء على النازية وانقسام العالم الأوروبي بين المعسكرين الشرقي والغربي وبروز العداء للشيوعية كمنهج عقائدي وكمنهج اقتصادي جاء يضايق الحضارة الغربية.
كل ما في الأمر أن الإعلام الغربي المتطرف، وعلى رأسه الإعلام الصهيوني المؤثر هو المسؤول الأول والمحرك الأساسي لهذه الكراهية ضد الإسلام، وهو الذي يغذّي بحقده المسموم هذه الكراهية والعنصرية. فمباشرة إثر تفجيرات 11 سبتمبر 2001 قام بإلصاق تهمة الإرهاب إلي الإسلام والمسلمين قبل أن تجرى أي تحريّات أمنية تجاه المتسبّبين الحقيقيين في هذه العمليات الإرهابية بالرغم من أن الكثير من المسلمين لقوا حتفهم في هذه الأحداث. والغريب في الأمر والذي يطرح عدة تساؤلات هو أنه ما يسمى بالإرهاب صار يحصد من الضحايا المسلمين ما لا يعد ولا يحصى، وكأن يد العدوّ صارت تختار أهدافها لتكيد أكثر فأكثر للإسلام أينما وُجد أثره.
وها هو الآن يجدد ترويج المصطلح بانحياز كامل للمعارضة المسيحية المتطرفة والمتأثرة بنفوذ اللوبي الصهيوني الذي يبذل كل ما أوتي من قوة لتكريس مخططاتها الشيطانية من أجل عرقلة أي إنجاز لصالح المسلمين. نشهد من خلاله اليوم رفض بناء مركز إسلامي في منطقة "الغراوند زيرو" بنيويورك بالرغم من موافقة عميد بلدية نيويورك ورضا الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يريد من خلال ذلك ربط أواصر العلاقات بين الأديان وتشجيع حوار الحضارات.
بل ذهب هذا الحقد إلى درجة تعطيل أي مشروع علمي من شأنه أن يساهم في التطوير التكنولوجي والنووي السلمي للدول الإسلامية. وما يكيدون به لباكستان وبالخصوص لإيران في شأن برنامجها النووي (الذي ما فتئت تنادي بأنه سلمي) لخير دليل على درجة الكراهية للمسلمين بحيث حاول المغرضون من خلال هذا كله اغتيال العالم الجليل الباكستاني، صانع القنبلة النووية الباكستانية، كما اغتالت أيادي الغدر الصهيونية عالما فيزيائيا وعضوا في الجمعية النووية الإيرانية في تفجير منفصل وقع في طهران مؤخرا قُتل على إثره في انفجار قنبلة ألصقها شخصان كانا يستقلان دراجة نارية وهي تسير في شمالي شرقي طهران. ناهيك عن العراقيل والمضايقات التي يتعرض لها هذا البرنامج النووي السلمي الذي هو حق شرعي لجميع الدول، سواء بصفة علانية بما يسمى مفاوضات مجموعة "خمسة زائد واحد"، أو خفية عبر التشويش الإلكتروني الذي تقوم به الأيادي الصهيونية من داخل إسرائيل. أضف إلى ذلك ما يقوم به التيار اليميني المتطرف في فرنسا تحت قيادة حزب جان ماري لوبان وابنته في شن حملة عنصرية ضد المسلمين القاطنين في فرنسا سواء فيما يخص الحجاب، أو تسويق مأكولات الحلال، أو الصلاة في الشوارع المجاورة للمساجد باعتبارها كلها بمثابة "احتلال للحضارة الللائكية الفرنسية"...
هذا، وقد أظهر مؤخرا استطلاع للرأي أجراه مركز«الدراسات العربي الأوروبي» ومقره باريس إثر استهداف كنيسة الإسكندرية بمصر، أن الهدف المباشر من ترهيب المسيحيين العرب هو تشويه صورة العربي المسلم. وأضاف المركز في بيان وزع مؤخرا أن أكثر من 71 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع رأوا من خلال هذا كله إلصاق صفة التطرف والإرهاب به ومن ثم إلحاق العار بالأمة الإسلامية بإظهارها كأنها عنصرية غير قادرة على التسامح وغير مؤهلة لاستيعاب مفهوم العيش المشترك. وبالتالي، بتشويه صورة الإسلام يسعون جاهدين لفسح المجال للدول الأجنبية من أجل التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان بحجة حماية المسيحيين العرب مع العلم أن المسيحيين الذين يعيشون منذ القدم مع إخوانهم المسلمين لا يرون أي حاجة في طلب حمايتهم من الغرب أو من بابا الفاتيكان، كما صرح بذلك القديس القبطي للكنيسة في مصر. كما أن أكثر من 18 في المائة يعتقدون أن إسرائيل لها يد في هذه العمليات المشبوهة ومصلحة كبيرة في انشغال العرب بالقتال الطائفي من أجل إتلاف القضية الفلسطينية وغض النظر عن أبشع الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني يوميا في الأراضي المحتلة. أما حوالي 10في المائة يرون أنه لا أحد يرهب المسيحيين العرب ولكن البعض من الطوائف والأقليات العربية قابل للتواطؤ والتعامل مع القوى الغربية لتنفيذ أهداف إستراتيجية مدروسة. وخلص المركز إلى نتيجة مفادها أن ما يتعرض له المسيحيون العرب مؤخرا لأشكال متعددة من الترهيب، وخاصة في العراق ومصر والسودان بات يستدعي طرح الكثير من علامات الاستفهام حول خلفية هذه العمليات الإرهابية، والجهات التي تقف وراءها. وما مخطط تفكيك السودان الأخير وفصل الشمال العربي المسلم عن جنوبه الذي يقطنه المسيحيون والوثنيون لخير دليل على ما يحاك على الأمة العربية والإسلامية.
مما يجعل، في آخر الأمر، المواطن العربي والإسلامي تتبادر إلي أذهانه تساؤلات حول استراتيجية موحّدة وخطة إعلامية شاملة للدول العربية والإسلامية تجاه هذه الحملات الغربية والصهيونية المغرضة سواء أكان ذلك ضمن جامعة الدول العربية أو ضمن منظمة المؤتمر الإسلامي، أو ضمن جمعيات ومنظمات ومجتمع مدني غيور على قيّمه ومعتقداته الغالية كما فعله اليهود في تقنين نصوص دولية تجرم كل من يتعامل بما يسيء "للسامية". بينما تتحدى إسرائيل اليوم المجتمع الدولي برمّته بدون أن تخضع للقوانين الدولية التي كانت هي تنادي بها من منطلق "المسكين المظلوم" سواء تجاه منظمة الأمم المتحدة أو تجاه الوكالة الدولية للطاقة النووية، عكس ما تفعله الدون الإسلامية التي تتعامل مع القوانين الدولية، وذلك في ظل تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا والعنصرية. ليس هذا فحسب، بل إن بعض المحللين الذين يراقبون الوضع بدقة واهتمام يعتقدون أنه من المحتمل أن يؤدي هذا كله إلى بروز تيارات إسلامية وتنظيمات أكثر تشدّد وتطرّف سوف تستهدف القوات والمصالح الغربية سواء أكان ذلك داخل الدول العربية والإسلامية التي تحتضن مصالحها أو خارجها، وبالتالي قد تلتفت الأنظار لإبرام علاقات اقتصادية وتجارية مع العالم الآسيوي الذي ليس له أي مصلحة في شن مثل هذه الكراهية وهو يمثل دول صاعدة متحصّلة على التكنولوجيا مثله مثل الغرب. وهذا كله في آخر المطاف لا يخدم الديمقراطية ولا حرية المعتقدات ولا حقوق الإنسان التي يتغنى بها الغرب ولا التقارب بين الأديان ولا حوار الحضارات كما يريدها كل مجتمع متحضّر.
*مع التلخيص- بقلم: د. محمد ختّاوي