العالم - مقالات وتحليلات
الشّعب اللبناني يجوع، لأنّ هُناك قِوى تتزعّمها الولايات المتحدة وأدواتها من أحزابٍ سياسيّة، وطائفيّة محليّة، تُريد تفكيك البِلاد وإشعال فتيل الحرب الأهليّة، والهدف طمأنة كيان الاحتِلال الإسرائيلي وتأمينها من خِلال تحويلها جميعًا إلى كبش فداء، لنزع سِلاح المُقاومة اللبنانيّة.
نَسوق هذه المُقدّمة لتسليط الأضواء على تفاقم واحدة من أخطر الأزمات في لبنان هذه الأيّام، وهي أزمة الوقود، بعد أن نجح المُخطّط الأمريكي الفرنسي في فرض شُروط صندوق النّقد الدولي بالقوّة بإلغاء الدّعم الحُكومي على السّلع الضروريّة و”عمليًّا” تحويل هذه الخطوة إلى أمْرٍ واقع باعتِبار أنّ الوقود والكهرباء هُما آخِر الحلقات في هذا المُسلسل.
تضاربت الأنباء حول وصول ناقلات نفطيّة إيرانيّة مُحمّلة بالبنزين والمازوت إلى مرفأ بيروت لتوفيرهما للمُواطن اللّبناني الذي ينتظر عدّة ساعات أمام محطّات البنزين بسيّارته للحُصول على كميّة قليلة جدًّا منه، وسط تلاسن بين السّفيرة الأمريكيّة دورثي شيا ونظيرها الإيراني في بيروت.
السيّدة شيا التي عيّنتها دولتها حاكمًا ساميًا على لبنان، وباتت تتدخّل في كُلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ من شُؤونه الداخليّة، قالت في مُقابلةٍ مع تلفزيون “الجديد” المحلّي “إنّ تفريغ النّفط الإيراني في مرفأ بيروت ليس حلًّا، وإن تخلّصتم من الفساد المُستَشري في قطاعيّ الطّاقة والكهرباء فسَتُحَل نِصف المُشكلة على الفور، وقالت، وهذا بيت القصيد، “إنّ ما تتطلّع إليه إيران هو دولة تابعة يُمكِن أن تستغلّها (لبنان) لتنفيذ جدول أعمالها، وتوفير أفضل الحُلول باللُّجوء إليها”.
الرّد على أقوال السيّدة شيا من قبلنا في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” التي تُعارض مُعظم السّياسات الأمريكيّة في الشّرق الأوسط وليس في لبنان فقط، يُمكِن حصره في النّقاط التّالية:
أوّلًا: أنّ الغالبيّة السّاحقة من الفاسدين في لبنان، خاصّةً في قِطاعيّ الطّاقة والكهرباء، يحظون وأحزابهم، بدَعمِ الولايات المتحدة، ومن أكثر المُترَدِّدين على سفارتها في بيروت.
ثانيًا: إذا كانت السّفيرة الأمريكيّة وحُكومتها تَرفُضان الوقود الإيراني، باعتِباره “حرامًا”، أو “نجسًا”، فلماذا لا تُوعِز لحُلفائها في السعوديّة ودول خليجية أُخرى التي تسبح على مُحيطٍ من النّفط، بإرسال ناقلاتها المُحمّلة بالنّفط “الحلال” و”الطّاهر” إلى لبنان لحلّ هذه الأزمة؟
ثالثًا: إلغاء الدّعم للسّلع الضروريّة الذي تَقِف خلف الولايات المتحدة من خِلال صندوق النّقد الدولي يستهدف الطّبقة المسحوقة التي تُشَكِّل أكثر من 80 بالمئة من الشّعب اللبناني، ومُعظم هؤلاء من أهل الجنوب، حاضنة المُقاومة، والهدف تحريضهم على الثّورة ضدّ “حزب الله” الذي يُشَكِّل تهديدًا وجوديًّا للعدوّ الإسرائيلي.
رابعًا: إذا كانت إيران تُشَكِّل خطرًا على لبنان لماذا تتفاوض معها الولايات المتحدة في فيينا، وتَستَجدِي عودتها إلى الاتّفاق النووي عارضةً رفع 1000 بندًا من 1040 بندًا من العُقوبات، وهل نفهم أنّ الولايات المتحدة تستخدم لبنان كرهينة أو ورقة ضغط في هذه المُفاوضات؟
خامسًا: من يُعرقِل تشكيل الحُكومة اللبنانيّة هو الثّنائي الفرنسي الأمريكي، وسيندم حُلفاء أمريكا أشدّ النّدم في المُستقبل القريب عندما تتخلّى عنهم الإدارة الأمريكيّة وتعترف بشرعيّة “حزب الله” مثلما اعترفت بشرعيّة حركة “أنصار الله” وقبلها طالبان.
السّفيرة الأمريكيّة تُريد تفجير الحرب الأهليّة في لبنان من خِلال تهيئة التّربة وبُذور الفتنة من خِلال تصعيد الأزمات وتعقيد حُلولها، ثمّ تتركه يُواجِه مصيره، والفرار تمامًا مثلما فعلت وتفعل في أفغانستان والعِراق وليبيا وقريبًا سورية.
السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” قال في خِطابه الذي ألقاه مساء أمس الجمعة “إنّ جميع التّدبيرات الإداريّة واللّوجستيّة بخُصوص استِيراد البنزين والمازوت من إيران إلى لبنان وتوزيعه قد أُنْجِزَت والأمر يحتاج فقط إلى فتح الحركة”.
يا سيّد نصر الله رجاءً أصدر هذا الإذن، وأعطي الضّوء الأخضر للنّاقلات الإيرانيّة لتَحُطّ الرّحال في مرفأ بيروت، وبأسرعِ وَقتٍ مُمكن، فهذا هو أقصر الطّرق لإنقاذ لبنان من أزماته، فالنّاقلات الإيرانيّة لا تَحمِل أسلحة، ولا تُهرّب مُخدّرات أو بضائع ممنوعة، وإنّما وقود الحياة للشّعب اللبناني من كُلّ مذاهبه وطوائفه وأعراقه.. فآخِرُ العِلاج هو الكيّ.
“رأي اليوم”