رئيس الحكومة اللبنانية بين قبلته السعودية ومخاوفه من الانفتاح على السورية

رئيس الحكومة اللبنانية بين قبلته السعودية ومخاوفه من الانفتاح على السورية
السبت ٠٩ أكتوبر ٢٠٢١ - ١٢:٥٠ بتوقيت غرينتش

رئيس الحكومة اللبنانية بين قبلته السعودية ومخاوفه من الانفتاح على السورية.

العالم لبنان
على الأرجح، لم يكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يتوقع أن تكون انطلاقة حكومته بهذا الشكل، لا سيما على مستوى الملفّات الاقتصادية والاجتماعية التي تهم المواطن اللبناني قبل أي أمر آخر، فهو حكماً ليس سعيداً في مراقبة سعر صرف الدولار في السوق السوداء يرتفع ليتجاوز حدود 19000 ليرة، بعد أن كان قد انخفض إلى ما دون 14000 ليرة في الأيام الأولى من التشكيل، ولا هو سعيد في الارتفاع الاسبوعي لأسعار المحروقات، الذي يأكل ما تبقى من قيمة شرائية للرواتب والأجور في البلاد.

ويقول الكاتب السياسي ماهر الخطيب ان التعبير الأفضل عن الواقع الذي تمر فيه الحكومة، في الوقت الراهن، جاء على لسان رئيسها، بعد زيارته البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عندما قال، رداً على سؤال عن الأوضاع المزرية التي يعيشها اللبناني، "العين بصيرة واليد قصيرة"، فهو بدأ يلمس، بشكل لا يقبل الشك، أن كل الوعود بالحصول على مساعدات من الخارج، بعد التأليف، لن تكون واقعيّة، نظراً إلى أن من يملك القدرة على ذلك غير متحمّس لحكومته، نظراً إلى أنّ الراعي الرسمي لها، أيّ فرنسا، لم تنجح في إقناع قبلته السياسية، أي السعودية، في تبديل وجهة نظرها.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية متابعة إلى أن ما كان يتمنى ميقاتي أن يحصل عليه من الرياض، من خلال البوابة الباريسيّة، بات من المستحيلات قبل موعد الانتخابات النّيابية المقبلة، نظراً إلى أنّ الموقف السعودي من الأزمة اللبنانيّة واضح لا لبس فيه، وبالتالي لا يمكن الرهان على أن يتبدل في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن لدى المملكة مصالحها التي لا يمكن لها أن تتراجع عنها في لحظة اقليمية حساسة، تطغى عليها المفاوضات التي تحتاج إلى تجميع نقاط القوة لا تقديم التنازلات، وهي تنظر إلى لبنان على أنه ساحة في يد الجانب المقابل لها على طاولة المفاوضات.

من جانبه، سعى رئيس الحكومة إلى محاولة إرسال أكثر من رسالة ايجابيّة على هذا الصعيد، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، تبدأ من خلال موقفه من عملية إدخال المازوت الإيراني إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية، ولا تنتهي من موقفه من مسألة زيارته إلى سوريا، رغم كل المؤشّرات الايجابية التي حصل عليها لا سيما من الجانب الأردني، بل تشمل أيضاً موقفه من العروض الإيرانيّة التي نقلها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، الذي لم يكن مغايراً للموقف اللبناني الرسمي منذ سنوات، أي "التطنيش" خوفاً من التداعيات التي قد تترتب على ذلك.

من وجهة نظر هذه المصادر، ميقاتي لا يزال ينتظر أيّ مؤشر إيجابي من السعوديّة، رغم أنّه يدرك صعوبة الأمر من الناحية المبدئيّة، لا سيما أنّ المؤشرات التي برزت بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسيّة جان ايف لودريان إلى الرياض لا تبشّر بالخير، بينما في المقابل هناك مسار آخر من الممكن أن يستفيد منه في الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية، يكمن بذلك الذي تقوده الأردن على مستوى العلاقات مع سوريا، خصوصاً أنّ المصالح اللبنانيّة في هذا الانفتاح توازي، على الأقلّ، تلك التي لدى عمان، ولا يمكن له البقاء ضمن دائرة المخاوف التي لديه من العقوبات، لا سيما أنّ الجانب السوري أبدى أكثر من رغبة ايجابيّة على هذا الصعيد.

بالنسبة إلى المصادر السّياسية المتابعة، أمام ميقاتي أسابيع مفصليّة ليدرك حقيقة ما يمكن له أن ينجزه في عهد الحكومة الحالية، خصوصاً في الشقّ المتعلّق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، حيث من غير الوارد أن يقبل أن يكون رئيس حكومة تمرير الوقت بانتظار موعد الانتخابات النيابية المقبلة، لا سيما إذا ما كانت لديه الرغبة في الترشح في هذا الاستحقاق، نظراً إلى أنّ التداعيات عليه ستكون كبيرة في صناديق الاقتراع، في حين أن الكثير من التسريبات بدأت تتحدث عن رغبة في التوسّع إلى خارج دائرة طرابلس على مستوى الزعامة السنّية، الأمر الذي لا يمكن أن يحصل من بوابة الظروف الراهنة.

في قراءة المصادر نفسها، لدى رئيس الحكومة كل القدرة على لعب هذا الدور، لكنها تشدد على أن ذلك لا يمكن أن يكون من بوابة بقائه في موقع "المتردّد"، بل عبر الذهاب للبحث في كيفية القيام بمجموعة من المبادرات الضروريّة، سواء لمصلحة البلاد أو لمصلحته الشخصيّة، خصوصاً أن بعض من كانوا مؤيدين أو داعمين له من داخل بيئته، في فترة التأليف، بدأوا في تصويب السهام عليه، للاستفادة من ذلك شعبياً في صناديق الاقتراع.

في المحصلة، تنصح هذه المصادر ميقاتي بمراقبة كيفية تطور المسار الأردني في المنطقة، من أجل أن يدرك أهمية المبادرة في الوقت الراهن بدل البقاء في محطة الانتظار طويلاً، خصوصاً أن ما كان يطمح بالوصول إليه غير وارد حالياً، إلا إذا كان لا يزال يضع، من ضمن الاحتمالات، خيار القفز من المركب قبل موعد الانتخابات، وهذا الأمر مستبعد، على الأقل، حتى اللحظة

مراسل العالم