غربال «السيادة» العراقي: شمس العمالة البارزانيّة لا تُغطّى

غربال «السيادة» العراقي: شمس العمالة البارزانيّة لا تُغطّى
الأربعاء ١٦ مارس ٢٠٢٢ - ٠٧:٣١ بتوقيت غرينتش

جعلت العلاقة المبكرة لآل بارزاني مع العدو الإسرائيلي، من «الحزب الديموقراطي الكردستاني» الذي يتزعّمه مسعود بارزاني، ويتحكّم بجزء من كردستان العراق، ولا سيما عاصمة الإقليم أربيل، واحداً من الاختراقات الأمنية الأساسية في المنطقة التي يَعبر من خلالها الإسرائيليون لتنفيذ عمليات تجسّسية وتخريبية ضدّ إيران والعراق وسوريا. وإذا ما تشكّلت حكومة غالبية في العراق، كما ينادي زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، فإن هذا الحزب سيكون جزءاً أساسياً منها، ما يوفّر له إمكانات أكبر للعمل، هذه المرّة على امتداد البلد كله.

العالم-مقالات

كتبت صحيفة الاخبار اليوم الاربعاء: الوجود الإسرائيلي في تلك المنطقة، واتّخاذها منصة للتخريب، وتحديداً ضدّ إيران والعراق وسوريا، ثابتان في التقارير الصحافية الإسرائيلية والغربية، وفي الكلام الكردي، طوال عشرات السنين. والبداية بما يقوله الأكراد أنفسهم، وخاصة بارزاني وأعوانه. ففي تقرير نشرته في السابع من حزيران الماضي، تنقل صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية عن مسعود بارزاني قوله في عام 2006، إن «إقامة علاقات مع إسرائيل ليست جريمة. وإذا ما أقامت بغداد علاقات مع إسرائيل، فإنّنا سنفتح قنصلية إسرائيلية في أربيل». وبحسب التقرير ذاته، فإن «الوجود الإسرائيلي في كردستان ليس جديداً، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تدعم المقاتلين الأكراد في العراق وتدرّبهم منذ عقود، وبالنتيجة صارت لها علاقات خاصة وقوية معهم، ولا سيما مع الحزب الديموقراطي». ويصف التقرير تلك العلاقة بأنها «استراتيجية وحتى أقوى من العلاقات بين الأكراد والولايات المتحدة ودول أوروبا».

وبحسب الاخبار، بدأت تلك العلاقات في منتصف خمسينيات القرن الماضي، ضمن سياسة إسرائيلية معروفة تدعو إلى التحالف مع الأقليات في المنطقة. لكن ما كان جلياً على طول الخطّ بين آل بارزاني المتسلّطين على أربيل، وبين إسرائيل، هو أن هؤلاء كانوا منذ نشأة الكيان يرون فيه نموذجاً للدولة الكردية التي أثبتت الأحداث مراراً وتكراراً أنها مستحيلة. وتكتب رئيسة برنامج الأكراد في «مركز موشي دايان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية»، عوفرا بونجيو، في حزيران 2014، أن أحد الذين قاموا بترتيب الصلة بين الإسرائيليين والأكراد هو عصمت شريف فانلي، الذي كان ناطقاً باسم مصطفى بارزاني في أوروبا، واقترح عليه في عام 1964 إقامة علاقات مع إسرائيل، ثمّ ذهب إلى الدولة العبرية بموافقة الأخير، حيث التقى رئيس الوزراء في حينه ليفي أشكول، وكذلك شمعون بيريز الذي كان رئيساً لحزب العمل. وبعد تلك الزيارة، أرسلت تل أبيب ممثّلاً دائماً إلى كردستان، لكن هذه العلاقات ظلّت سرية. وزار مصطفى بارزاني إسرائيل سرّاً مرّتَين في عام 1968 وعام 1973، حيث التقى مع رئيس الوزراء ومسؤولين كبار، كما زارها ابناه إدريس ومسعود. وفي المقابل، كان مسؤولون إسرائيليون يتردّدون بانتظام إلى المنطقة الكردية في العراق.

واشارت الصحيفة الى الطبيعة التخريبية والتجسّسية للوجود الإسرائيلي في كردستان، وهو السبب الذي أوردته التقارير للهجوم الصاروخي الإيراني، تنقل مجلة «نيويوركر» عن أحد كبار ضباط «الموساد» السابقين من دون أن تُسمّيه، قوله إن «التحالف مع الأكراد وفّر لإسرائيل عيوناً وآذاناً في إيران والعراق وسوريا». ونشط الجيش الإسرائيلي بصورة مباشرة، فضلاً عن استخباراته العسكرية في مناطق الأكراد في البلدان الثلاثة، حيث قدّموا للوحدات الكردية التدريب وقاموا بعمليات سرّية خاصة بهم. وبعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، تعزّزت العلاقات العسكرية والسياسية بين إسرائيل وأكراد العراق، وأشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، آرييل شارون، بالمدى الذي وصلت إليه تلك العلاقات، على إثر اجتماعات بين مسؤولين أكراد وإسرائيليين لم يحدّد ما إذا تمّت في العراق أم في إسرائيل.
وبحسب صحيفة «يني شفق» التركية، كان بارزاني يخطّط لتعزيز سلطته في الإقليم، بعد الاستقلال، بمساعدة يهود أكراد يحتلّون مناصب بارزة في كيان العدو، كما كان نحو 200 ألف يهودي كردي يستعدّون للعودة إلى كردستان العراق والإقامة فيها. وقيل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، الذي كان في السلطة عند تنظيم الاستفتاء، ضغط على قادة عالميين من أجل دعمه. وعندما هاجمت القوات العراقية و«الحشد الشعبي» كركوك، طلب من القوات الكردية عدم التراجع. أمّا اقتصادياً، فتَذكر صحيفة «فايننشال تايمز» أن إسرائيل كانت في مرحلة معيّنة تستورد ثلاثة أرباع النفط الذي تستهلكه من كردستان.

وختمت الصحيفة ان هذه كلّها شواهد إسرائيلية وغربية وكردية عراقية، وليست إيرانية، على العلاقة العميقة التي تربط «الحزب الديموقراطي» بإسرائيل، وتجعله أحد أوّل الأحزاب التي نادت بالتطبيع مع العدو في الشرق الأوسط، وأحد أخطر الاختراقات الأمنية في المنطقة التي تنشط فيها بالذات حركة كردية إيرانية مسلّحة معارضة، فضلاً عن العمليات الاستخباراتية السرّية التي تطاول أمن إيران انطلاقاً من تلك المنطقة، وأحدثها الهجوم الإسرائيلي بالمسيّرات على منشأة في مدينة كرمنشاه الإيرانية في شباط الماضي، والذي يُرجّح أنه خرج من هناك. وبالتالي، يبدو جديراً بالقوى السياسية العراقية التي تستنكر الردّ الإيراني، أن تسدّ هذه الفجوة الأمنية، قبل أن تسعى لتشكيل حكومة أغلبية، سيكون هذا الاختراق الإسرائيلي الكبير، جزءاً منها على الأقلّ، وإلّا فلطهران الحقّ الطبيعي في الدفاع عن النفس من الهجمات التي تستهدفها بواسطة الإسرائيليين، بالانطلاق من كردستان.

حسين إبراهيم - الأخبار