في حوار خاص مع العالم..

مفكر سوداني يروي ما جرى إبان الثورة الاسلامية في ايران

الأحد ٠٥ يونيو ٢٠٢٢ - ٠٣:٣٩ بتوقيت غرينتش

اكد الباحث والمفكر الاسلامي السوداني والمدير الاسبق لجامعة افريقيا العالمية البروفسور حسن مكي، ان الثورة الاسلامية في ايران برزت في وقت يئس الناس من ظهور اي حركات اسلامية تنصر المستضعفين في العالم العربي والاسلامي.

العالم - خاص بالعالم

وقال مكي في حديث لقناة العالم خلال برنامج "ضيف وحوار" على هامش ذكرى رحيل الامام الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران: ان الامام الخميني الراحل استطاع ان يقود ثورته في البداية خلال نفيه الى نوفل لوشاتو الفرنسية من خلال شريط كاسيت، ادت الى خروج المظاهرات المليونية واسقطت شاه ايران.

وفيما يلي نص المقابلة..

العالم: في ذكرى رحيل الامام الخميني "قدسر سره" تتجلى شخصيته انه كان قائداً عقائدياً وسياسياً وايضاً دينياً، كيف تبلورت كل هذه الرؤى للامام الراحل؟

مكي: هذا يرجعنا الى شخصية ايران التاريخية، والى عام 78 عندماً بدأت نذر الثورة الايرانية تظهر، وفي عام 71 قام الشاه احتفالاً ضخماً بمناسبة مرور 1500 عام على العرش الايراني، وأقام حفلاً ضخماً بالمناسبة كلفه 350 مليون دولار.

في هذا الحفل ظهرت صور مختلفة لايران عبر التاريخ، واختفت منها صورة كبيرة عن الفتح الاسلامي، ثم بعد ذلك جاءت ثورة الشاه ما يسمى بالثورة البيضاء، وهي الثورة التي ظهرت فيها المؤسسة الدينية الايرانية، حيث اراد الشاه ان يجعل من المؤسسة الدينية جزء من الدولة وان يأخذ الفقهاء مرتباتهم من الدولة وان تصادر اراضيهم، فهنا بدأت اولى ظهور للامام الخميني "قدس سره"، عندما رفض ان تصبح حركة العلماء في ايران جزء من حركة الدولة، وإلحاق العلماء بالدولة، عندها بدأت المفاصلة بين الامام الخميني والدولة، فتمّ نفيه الى النجف الاشرف في العراق وبقي فيها.

ثم بعد ذلك تصالحت ايران والعراق في "صلح الجزائر" المعروف، طلب الشاه نفي الامام الخميني الى فرنسا، فنفي على اثرها الى نوفل لوشاتو، ومن هناك بدأت ثورة الامام بشريط الكاسيت وكان معه في ذلك الوقت الشباب الايراني المتعلم، امثال ابوالحسن بني صدر وصادق قطب زادة وغيرهم التفوا حوله في هذه المنطقة مع بقية رجال الدين المعروفين.

في النهاية، ادت ثورة الكاسيت هذه الى خروج المظاهرات المليونية، ايقن الامريكان خلالها بانهم لا يمكن ان يقفوا ضد المد الثوري، فأوعزوا الى الشاه بان يتحرك، وكان في ذهنهم شيئين، ان يخرج الشاه من ايران مثلما حصل عام 54 ايام ثورة مصدق كاشاني، ويعود بعد ذلك بعد ان تهدأ الاحوال، وفي فبراير 79 عندما خرج الشاه سلم رئاسة الوزراء الى شاهبور بختيار، غير الاخير اضطر الى الفرار، بعد ضغط المظاهرات وعاد الامام الخميني الى ايران وخطب خطبته الشهيرة التي اسس فيها جمهوريته الاسلامية واعتبر ان اسرة الشاه ليس لها الحق في حكم ايران.

العالم: نعم، هذا التحوّل الذي نريد ان نتحدث عنه اكثر، وهذه التحديات الجديدة للامام الخميني بعد ذلك كيف استطاع مواجهتها وبناء الجمهورية؟

مكي: طرح مسألة القوميات في ايران، وبرزت حينها حركة المجاهدين التي كانت توجهاتهم ضد الثورة الاسلامية، هذه المحاولات لتحريك العرب في منطقة خوزستان في ايران وهكذا..

العالم: كيف واجهها الامام الخميني؟

مكي: الامام الخميني كان يواجهها بتعبئة الجماهير والصوت المدوي بان هذه كلها بتحريض من الشيطان الاكبر، وان الشيطان الاكبر هو امريكا والغرب. ان امريكا كانت مضطرة الى ان تقدم تنازلات بسبب رهائنها، وفعلاً قدمت التنازلات بعد سقوط رئيسها جيمي كارتر ومجيء الجمهوريين للحكم، وعقدت صفقة مع الحكومة الايرانية في الجزائر بتقديم تعويضات لايران واطلاق سراح الرهائن.

العالم: كانت هناك ايضاً قضايا مهمة، جعلها الامام الخميني الراحل في صلب اهتماماته وهي القضية الفلسطينية والقدس الشريف، دافع عنها حتى وفاته، ومازالت حتى اللحظة ديدن الجمهورية الاسلامية الايرانية ومواقفها تجاه القضية الفلسطينية رغم التطبيع من قبل العديد من الدول العربية والاسلامية في الآونة الاخيرة، كيف تنظر لاهتمام الراحل الخميني قدس سره بهذا الامر؟

مكي: الامام الخميني كان يشبه "اسرائيل" بانها غدة سرطانية في قلب العالم الاسلامي، وانه لابد من استئصالها.

العالم: ما هي رؤيتك بالذات فيما يتعلق بالذات من الناحية العقائدية والعاطفة الدينية بالنسبة لايران تجاه قضية فلسطين في ظل محاولات التطبيع كما تتابع؟

مكي: هي بالطبع قضية معقدة جداً والخطاب الايراني فيها واضح.

العالم: نيلسون مانديلا زعيم جنوب افريقيا الراحل، تحدث عن الامام الخميني قدس سره، في قوله "كان ابن الاسلام والنصيب الاكبر في ارشاد الاجيال السابقة وايضاً القادمة الى الطريق الصحيح"، بهذه المقولة من خلال متابعة قرائتك وبحوثك اهتمام القادة وايضاً المفكرين بالامام الخميني الى ماذا تعزو ذلك؟

مكي: الامام الخميني جاء في وقت حسب الناس بان القيادات التقليدية انتهت، ونحن كنا طلاب في جامعة الخرطوم كان الناس قد يئسوا، لكن ظهرت وقتها الثورة الايرانية.

انا عندما كنت في الحركة الاسلامية سجنت في اكتوبر عام 77 وخرجت من السجن بعد ثلاث سنوات قضيتها هناك، ما كنت اظن بانه يمكن ان تقوم عافية للحركات الاسلامية، نحن كنا في حالة يأس، واذا به بدا لنا بان هنالك فجر جديد بدأ يطلّ على المنطقة وعلى العالم الاسلامي، بعدما ضاعت الحركات الاسلامية في وقت كنت في عصر النميري، ولهذا كانت الثورة الاسلامية فاتحة امل جديد حيث برز مشروع اسلامي جديد، عندها قلت لابد وعلى حسابي الخاص ان اسافر الى ايران في زخم ثورتها.

نحن لم نكن نعرف ما هو التشيع او الثورة الاسلامية. واذكر انني لم اكن اعرف اين أبيت في ايران عندما وصلتها، فوضعت حقيبتي على ظهري وطفت في شوارع طهران فوجدت بيت للشباب دخلته وقلت لهم اريد مكاناً، وقالوا انه للمستضعفين، وقلت انا مستضعف ايضاً، فاستقبلوني واعطوني غرفة.

بعد ذلك سعيت للتعرف على الثورة الاسلامية، ومنها ذهبت الى تركيا ايضاً للتعرف على نجم الدين اربكان، وزرت باكستان للتعرف على امام الجماعة الاسلامية، لكن وجدت ان هناك فارقا كبيرا بين ما يحدث في ايران وبين ما يحدث في تركيا، فاربكان يقود مجموعات برلمانية ويحاول ان يطل من تحت الانقاض، والجماعة الاسلامية في باكستان الموجودة في المنصورة معزولة عن الشعب عامة، وفقط اثرها موجود في المنصورة وفي الكتب، بينما في ايران، ترى في الشارع المستضعفين والثورة والاسلام والهتافات الموت لامريكا.

العالم: كانت دراستك ايضاً في الدراسات العليا علی مايبدو عن هذه الثورة؟

مكي: نعم، قررت ان اعمل دراستي الماجستير عنها لذلك اعرف تفاصيل عنها.

العالم: ما الذي لفتك لهذه الجمهورية حتی تقوم بدراساتك العليا في البحث عن هذه الثورة؟

مكي: التعبئة الشعبية التي حصلت للناس، يعني الذي كان يمشي في تلك الايام في 79 أخذ يجري لانه يريد ان يغني عرساً وبالمشي لايستطيع ان يخدم الثورة. الموت في سبيل الثورة، الحب والحالة العاطفية الجديدة التي دخلت، العودة الی الحرف العربي والثقافة الاسلامية لان الشاه كان يريد ان يطهر اللغة الفارسية من الحرف العربي.

العالم: يعني الان لم يتغير شئ في هذه الجمهورية الاسلامية الايرانية وانا ايضاً عشت فيها زهاء 7 سنوات، هذا يقودني الی سؤال الان في السودان في العالم الاسلامي نظرتك للأمة الاسلامية وعملية بحث عن قيادة سواءاً في السودان او العديد من هذه الدول كيف تنظر لمستقبل الحركة الاسلامية عموماً؟

مكي: المسألة تبدو معقدة جداً وصحيح ان المسائل كثرت، يعني مثلاً بيرمنغهام في ايامها قلنا نحن في بريطانيا كان فيها حوالي 8 مساجد، الان فيها 640 مسجد. بيرمنغهام واحدة، لندن فيها حوالي أكثر من 1000 مسجد ولكن العقلية لم تتغير في هذه المساجد، العقلية هي نفس العقلية، وخطاب الحداثة مع الثقافة الانسانية مايزال يراوح مكانه وانت تجد عمدة لندن مسلم وعمدة بيرمنغهام مسلم وكثير من العمد في بريطانيا من المسلمين وكذلك الحال في المانيا وفرنسا.

العالم: ولكن انت ما هي رؤيتك للتجديد، انت الان في السودان وعايشت النظام السابق وبداية الثورة في السودان حتی سقوطها الان، هذا الحديث ليس بعيد طالما نتحدث عن المسلمين سواءاً في السودان أو خلافه.. ما هي رؤيتك فيما حدث ولمآلات الفترة القادمة؟

مكي: السودان يتآكل، يتآكل من الناحية الفكرية ويتآكل من الناحية الجغرافية. تآكل من الناحية الجغرافية بعد ان ذهب 90 بالمئة من الغطاء النباتي فيه مع انفصال جنوب السودان ومع الـ90 بالمئة، ذهب 85 بالمئة من البترول وذهب 22 بالمئة من القوة الحيوية للسودان مع انفصال جنوب السودان. وماتزال هناك جيوب فيها تمرد في النيل الازرق وفي جبال النوبة وغيرها واخبار السودان تصيب الانسان في القرحة والانسان يتعب من ذلك.

العالم: هذا كلام مخيف..

مكي: لانه بالامس حدث شئ قبل ايام الناس لم ينتبهوا اليه وهو حريق سواكن، فهذا الحريق ليس حريق للميناء والطرود والعربات وضياع اموال 2500 مستثمر، هذا جزء، لكن الجزء الاهم هو حرق التاريخ، يعني لم يحدث هذا لسواكن الا ما حدث في عيذاب قبل الحرب الصليبية عندما جاء ريتشارد قلب الاسد وحرق الميناء السوداني ميناء عيذاب والی الان لم تقم لعيذاب قائمة وبالنسبة لحرق سواكن هذا لايقل عن حرق القاهرة عام 51 الذي ادی الی انقلاب الضباط الاحرار، لهذا سيكون لهذا الحريق تداعياته علی المشهد السياسي السوداني وخصوصاً في هذا الوقت الذي يتصاعد فيه التدخل الاجنبي كالممثل في فولكار، والبعثة الاممية والالية الثلاثية و... ورفد اميركا لـ100 مليون دولار لمنظمات المجتمع المدني وهذا مبلغ كبير جداً..

العالم: تدخلات اجنبية بدأت وهذا لايحدث الا عندما تتداعی وتضعف الدولة وهذا ما يقوله التاريخ..

شكراً جزيلاً حسن مكي الباحث والمفكر الاسلامي والمدير الاسبق لجامعة افريقيا العالمية. قصدنا ان نجري هذا الحوار معك لاننا نعرف ان بحوثك ودراساتك العليا حول الجمهورية الاسلامية الايرانية. شكراً جزيلاً لك وشكراً لك عزيزي المشاهد والی ان نلتقي في لقاء اخر، هذه تحياتي والسلام عليكم ورحمة الله.