تطورات متسارعة تعيد رسم خارطة الشمال السوري عسكريا وسياسيا

تطورات متسارعة تعيد رسم خارطة الشمال السوري عسكريا وسياسيا
السبت ١١ يونيو ٢٠٢٢ - ٠١:٢٤ بتوقيت غرينتش

تزداد حرارة الأوضاع في الشمال السوري، المنطقة هناك تتجه نحو تطوّرات ميدانية ربّما تعيد رسم خارطتها العسكرية والسياسية والديموغرافية. ووفق المؤشّرات الظاهرة إلى الآن، اردوغان يحتاج تصدير أي انجاز في شمال البلاد كإنجاز يستثمره في الداخل التركي. ومن هنا، يأتي تحشيدها ضدّ منطقتَي تل رفعت ومنبج، واللتين ترى فيهما تركيا، إلى جانب الأهداف التكتيكية، هدفاً استراتيجياً يحقّق لها تقطيع أوصال مناطق سيطرة قسد.

العالم - كشكول

35كم شمال مدينة حلب هي المسافة التي تحتاج ان تقطعها من مركز مدينة حلب الى مدينة تل رفعت، هذه المدينة التي ترتفع 500م فوق سطح البحر، مازالت توضع في سلة التهديدات التركية بعدوان عسكري جديد.

هناك يسيطر الهدوء كامل التكوين على الطريق الواصل إلى مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي شمال سوريا، عندما تخرج من مدينة حلب يفرض عليك اتجاه الطريق ان تمر بقرى حريتان وحيان وعندان وبيانون حتى الزيارة تلك البلدة القريبة من خطوط الاشتباك والتي تبعد 8 كيلومترات والتي تضم مخميات النازحين من عفرين ودير جمال، لتصل الى بوابة هذه المدينة التي تبلغ مساحة مخططها التنظيمي 710 هكتارات، يعلو بوابتها الواقعة عند الطريق الدولي حلب - غازي عنتاب العلم السوري، يظهر الفلاحون هناك وهم يحصدون محصول القمح، غير مكترثين بأصوات الفصف المدفعي او تحليق الطائرات المسيرة التركية المستمرة حولهم، ولا يلتفت احد من هؤلاء الفلاحين الى ما يدور في غرف عمليات الجيش التركي الذي يستعد لمهاجمتهم، او حشود المجموعات المسلحة التابعة للجيش التركي على حدود مدينتهم.

يلفت النظر داخل المدينة، ان الحياة تحاول التظاهر انه تسير بشكل شبه طبيعي، وحتى الأسواق التي تبدو للزائر انها اعتيادية، وما يذكرك باقتراب العدوان التركي، هو حديث الناس ومخاوفهم من تهجير جديد، والحذر من القصف التركي المترافق بالتهديد بشن عدوان نحو تل رفعت، يقول أحد البائعين " كل يوم نُستهدف بالقذائف، رغم إن الجميع هنا هم مدنيون، قبل أيام ضربت قذيفة سطح منزلي وأصيب ابن جاري بقصف آخر". حيث تفيد إحصائيات ميدانية إن الجيش التركي قصف منذ مطلع أيار/مايو الماضي مدينة تل رفعت وقرى وبلدات ريف حلب الشمالي الآمنة بـ4638 قذيفة مدفعية إلى جانب القصف بالدبابات ومدافع الهاون و3 هجمات جوية نفذتها طائرات تركية مسيرة إحداها إنتحارية استهدفت مركزاً لتجمع عيادات طبية وسط تل رفعت الأسبوع الفائت.

ومع القصف الشديد لم يغادر سكان المدينة أو مهجري مدينة عفرين المنازل التي يقطنونها، حتى ممن طالهم القصف رغم احتكاكهم بالموت الذي جلبته القذائف التركية لهم، فيرى السكان هنا إن القذائف والخطر الذي يهدد حياتهم بها، لن يدفعهم إلى مغادرة "منازل قصدوها لستر عوائلهم تحت أسقفها، حتى يعودوا إلى منازلهم في مدينة عفرين" التي تحتلها تركيا منذ 2018، كما يقول إبراهيم المهجر من عفرين، التي تشكل أحدث عمليات التهجير لأسباب ديموغرافية، وأشدّها وضوحاً. حيث يتراوح عدد النازحين من عفرين ما بين 151 ألفاً "وفق منظمات أممية" و350 ألفاً وفق جهات حقوقية.

المخاوف الكبيرة لدى أهالي تل رفعت تتلخص بهدف اردوغان، حيث يوضح لنا الناشط الإعلامي شمسو شمس الدين بأنها متمثلة " بإعادة التوزيع الديموغرافي في المنطقة، والتأثير على وحدة الأراضي السورية، بعد ان افرزت العمليات التركية السابقة في المنطقة، خريطة ديموغرافية جديدة، وثمة خلخلة ضربت المنطقة بعد سيطرة الجيش التركي والمجموعات المسلحة المدعومة منه لمنطقة عفرين، وتابع " لم تقتصر عملية رسم الخريطة الديموغرافية على الانتماء العرقي أو الطائفي، بل امتدت لتشمل التركيبة العمرية، والأخطر من ذلك كله، هو طغيان صورة سياسية واحدة لاهالي مناطق معينة، ولعلّ اكبر الأمثلة في هذا السياق مناطق ما تسمى بـ "درع الفرات" التي بات الاتجاه السياسي للغالبية المطلقة من سكانها محسوباً على أنقرة، الأمر الذي ينطبق أيضاً إلى حدّ كبير على مناطق "غصن الزيتون" (عفرين ومحيطها). ويمكن هذا التفصيل، أن يتحول في المدى المتوسط إلى عامل حاسم في مسألة وحدة البلاد الجغرافية والسياسية."

*بقلم حسام زيدان