ما خفي اعظم.. هذا هو سر العلاقة بين 'جبهة النصرة' و'احرار الشام'

ما خفي اعظم.. هذا هو سر العلاقة بين 'جبهة النصرة' و'احرار الشام'
الإثنين ٢٧ يونيو ٢٠٢٢ - ١٠:١٠ بتوقيت غرينتش

أجواء الحذر الساخن تسود ارياف حلب وادلب شمال غرب سوريا، بعد صراع المجموعات المسلحة، الذي بات يميز مشهد تلك المناطق، حيث اندلعت المعارك في مدينة الباب ومحيطها بريف حلب، بين ما يسمى بـ"الجبهة الشامية" التابعة لما يعرف بـ"الفيلق الثالث"، والثاني يعرف بـ"القطاع الشرقي" لـ"حركة أحرار الشام" والذي انتهى بعقد اتفاق مصالحة رعته المخابرات التركية.

العالم-کشکول

على الأرض، استغلت "جبهة النصرة" هذه المعارك، وحققت حلمها بالتمدد الى قرى ريف عفرين، حتى وصلت الى مشارف المدينة، وسط خارطة تحالفات معقدة ومتشابكة في تلك المنطقة، ليس من السهل تفكيك أركانها، اتفاق وشقاق قد يكون خلال أيام، ما يجعل تلك المناطق لا ترى ثباتا ولو نسبيا، وتبنى التحالفات تحت ضغط الأسباب الأيديولوجية والسياسية، وتحكم دوائر المخابرات بقرار تلك المجموعات، ومن اللافت في المعارك الأخيرة بين ما يسمى "الجبهة الشامية" و"احرار الشام"، تحالف الأخيرة مع "جبهة النصرة"، والدخول الى ريف عفرين، لكن ما سر هذا التحالف والتقارب بين "النصرة" و"احرار الشام"؟

الرابط الأيديولوجي:

بداية الحكاية كانت في بواكير الحرب المفروضة على سوريا، حين انطلقت اول مجموعة مسلحة. وقتها كان ارتباط هذه المجموعة بشكل مباشر مع تنظيم "القاعدة" واطلقت على نفسها اسم "حركة احرار الشام"، جراء اندماج أربعة مجموعات مسلحة هي: جماعة "الطليعة "، حركة "الفجر"، "كتائب الإيمان المقاتلة"، إضافة إلى "أحرار الشام".

هذه الحركة التي أسسها حسان عبود "أبو عبد الله الحموي" الإرهابي العائد من أفغانستان، مكلفا بنقل اعمال الإرهاب الدولي الى سوريا بتشجيع مخابرات إقليمية ودولية، وشكل أيار من عام 2011، مفصلا هاما في تاريخ المجموعة المسلحة بعد ان انتقل من العمل السري الى العلن، وكان "حسان عبود" حريصا على اخذ البيعة من كل المسلحين لتنظيم "القاعدة"، في حينه سعى "عبود" لكي تكون هذه المجموعة هي الممثل الفعلي لتنظيم "القاعدة" في سوريا، بعد ان ركز على زيادة عدد القادة السوريين فيها.

وقتها وبالتوازي، تم تأسيس "جبهة النصرة" على أساس انها الفرع السوري لما يعرف في يومنا بـ"داعش"، الفكرة بدأت بإشراف مباشر من الإرهابي "أبو بكر البغدادي"، زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي، بعد ان قدم "الجولاني" مشروعا مكتوبا لـ"البغدادي"، اعتمد فيه على رؤية خاصة بأحد قادة الإرهاب العالمي المدعو "مصطفى ست مريم نصّار" وكان يلقب "أبو مصعب السوري"، وبعد الموافقة على المشروع، دعم البغدادي الفكرة بعدد من الإرهابيين الذين شكلوا الحامل الرئيسي للفكرة، ومن بينهم العراقي ميسرة الجبوري "أبو ماريّا القحطاني"، والسوريان جهاد الشيخ "أبو أحمد زكّور"، وحمزة سندة "عبد الله حلب".

وكانت بدايات العمل تحت إشراف الرجل الثاني في "داعش" في حينها، المدعو "أبو علي الأنباري"، وعلى النية نفسها عقد "الجولاني" بين أيلول من عام 2011 حتى الربع الأول من عام 2012 اجتماعات عديدة مع العديد من الإرهابيين العائدين من أفغانستان والواصلين لسوريا من عدة دول، وخرج بما اسموه حينها "الميثاق" والذي يؤسس اهداف "جبهة النصرة"، وكان "الجولاني" يقاتل بسيف "داعش"، وظهرت في حينه علامات توافق بين"جبهة النصرة" و"احرار الشام"، ليبدأ الصراع بين "داعش" و"النصرة"، والبحث عن تمثيل تنظيم "القاعدة".

وتبدل الولاء بعدها بين "داعش" و"القاعدة"، ووافق "الظواهري" ايامها على ان تكون "جبهة النصرة" ضمن هيكلية "القاعدة"، ونشب الخلاف مع "البغدادي"، لترتفع وتيرة الاحداث، ويوجه "الظواهري" رسالة الى "حسان عبود" قائد ما يسمى بـ"أحرار الشام"، لتقديم العون لجبهة النصرة، مقابل ان تشرف "القاعدة " بشكل مباشر على عمل الجبهة، وعندها بدأ الاقتتال بين الاخوة الأعداء، "جبهة النصرة" ومن خلفها "القاعدة"، و"داعش" واعوانها.

وتشير المعلومات ان تلك المرحلة، لم تكن مفاجئة للجولاني او البغدادي او الظواهري، كون الطبيعة الأيديولوجية للجميع تقوم على ان مرحلة الاقتتال، فهي مرحلة لا بد منها في مواجهة المجموعات المسلحة الأخرى، غير المرتبطة بشكل مباشر بـ"النصرة" و"داعش"، ما سيعزز مشروع تلك المجموعات، والدعاية لاستقدام المزيد من الإرهابيين من جنسيات مختلفة للداخل السوري، كون الخلاف ليس أيديولوجيا، بل خلاف على السلطة والمال والسيطرة والنفوذ، وهذا ما دفع "النصرة" للاستقواء بـ"القاعدة" على "داعش"، بعد ان أصبحت "النصرة" تستقطب الإرهابيين.

و"القاعدة" بالنسبة لـ"النصرة" هي مصدر دعم مالي يستند إليه في مراحل متلاحقة، بالإضافة الى خزان من الإرهابيين يرمم بهم "الجولاني" كل خسائره البشرية نتيجة الاقتتال الدائر، وهو ما حصل بالفعل، واستمر التنسيق بين "احرار الشام" و"النصرة" الى وقت تم فيه تصفية قادة "احرار الشام" ومؤسسها حسان عبود "أبو عبد الله الحموي" في أيلول من عام 2014، حين قتل في تفجير للمقر قائدها وأحد أبرز مؤسسيها، وهو "حسان عبود" وشقيقاه، مع أكثر من 45 قيادياً، حين كانوا في اجتماع لما يسمى بـ"مجلس شورى الحركة" في بلدة رام حمدان، بريف إدلب، شمالي سوريا، لتطفو على سطح الاحداث خلافات عميقة داخل ما يسمى "احرار الشام"، ما أدى إلى تراجع دورها في الشمال الغربي من سوريا، امام الوجود العسكري القوي لـ"جبهة النصرة"، التي ظهرت كأكثر التشكيلات التابعة لـ"القاعدة" قدرة على الاستمرار.

ودخلت "احرار الشام" بأكثر من نزاع دموي مع جبهة النصرة، لا سيما عامي 2017 و2019، دفع إلى فرض الأخيرة هيمنتها العسكرية على الشمال الغربي من سوريا، وتحجيم دور الحركة إلى الحدود الدنيا، ومن ابرز الخلافات مع "جبهة النصرة" كان في قضية "جابر علي باشا"، قائد الجناح العسكري للحركة، والنقيب "عناد الدرويش" والقائد السابق "حسن صوفان" إلى منصبه وإعفاء علي باشا، وما تلاها من تدخل مباشر من "النصرة" في مسار الحركة، ليظهر داخل الحركة تيارين، الأول بقيادة جابر علي باشا يرفض تحكم جبهة النصرة بمسار الحركة، والثاني بقيادة "حسن صوفان" والذي يؤيد الاندماج مع "جبهة النصرة".

من الواضح أن الحركة لم تجد بداً من استبعاد قيادات الصف الأول وترقية قياديي الصف الثاني، في محاولة لتفادي سيناريو التفكك أو الاندماج في فصائل أخرى، بعد ان فقدت الحركة هيبتها ومكانتها امام "جبهة النصرة"، وكالعادة كانت مراكز استقطاب جبهة النصرة تنتظر المنشقين عن "احرار الشام"، وكل ذلك لخدمة التقارب بين التيار القاعدي في "أحرار الشام" مع قيادات ارهابيي "الجولاني"، ومن المجموعات التي استغلت هشاشة "احرار الشام"، كانت "الجبهة الشامية"، التي تحولت الى ملجأ ومنقذ للخارجين من "احرار الشام"، ومنذ ذلك الوقت والجميع يعلم ان معركة ستدور بين "احرار الشام" و"الجبهة الشامية"، لهذا السبب، وحتى كان من المتوقع ان تهب النصرة لمساندة "احرار الشام"، بسبب عدم قدرتها تفهم ان هناك جماعة مسلحة قادرة على التوسع والتمدد على حساب التيار القاعدي في شمال سوريا، وبالذات "الجبهة الشامية" التي تعتبر خليط عقائدي متعدد التمويل، ما يزعج "جبهة النصرة".

هنا كان للدور التركي التأثير الواضح على مسار تلك الاحداث، فهو كان الحريص على الاستفادة من كل المكونات، واللعب في ورقة الإرهابيين، واستثمارهم ضمن مصالح استخباراتية في مغامراتهم الإقليمية والمحلية، بالإضافة الى استمرار العمل على فكرة تدوير الإرهابيين، وفرزهم بين من يمكن استثماره في المستقبل القريب وضمن جولات المعارك في خارج سوريا، او من تستفيد منه لجولات ومعارك على المدى البعيد.

إن تدخل "جبهة النصرة" لصالح "احرار الشام"، في الاقتتال الأخير بين "الجبهة الشامية" و"حركة احرار الشام"، يؤكد من جديد ان الوحدة الأيديولوجية للجماعتين الارهابيتين، شكلت احد الدوافع لإنقاذ "احرار الشام"، وهذا كان واضحا من تاريخ النشأة والعلاقة بين الجماعتين، وان الفراق بين "القاعدة" و"النصرة"، لم يكن الا مشهدا صورياً، وما جرى من أيام يدلل ان القاعدة مازالت تحتفظ بحضور اذرعها في الشمال السوري، ومنها "جبهة النصرة"، وأضافت لها أيضا مجموعات أخرى مثل " أنصار الدين" ، و"كتيبة الإمام البخاري"، و"كتيبة غرباء التركستان"، و"كتائب أجناد القوقاز"، و"جند الملاحم"، و" الحزب الإسلامي التركستاني"، الذي لم يفك اصلا شراكته مع "النصرة" ولم يتنازل عن بيعته لـ"القاعدة"، وكل ذلك بعلم ورضى التركي .