القلق الإنفصالي.. من الليبرالية الى الاشتراكية حتى التكفير!

القلق الإنفصالي.. من الليبرالية الى الاشتراكية حتى التكفير!
الثلاثاء ٠٩ مايو ٢٠٢٣ - ٠٩:١٩ بتوقيت غرينتش

هناك عقول مريضة تخطط للجريمة، وهناك سذج يتصورون الجريمة عملاً بطولياً، وهناك ضحايا لاذنب لهم سوى إنهم يعيشون مكانياً الى جانب هؤلاء السذج!.. وهناك عيون تحمي الوطن.

العالم - مقالات وتحليلات

قبل 1908 كانت منطقة غرب آسيا وشمال شرق أفريقيا تشكل جسراً بين دول أوروبا ومستعمراتها في جنوب شرق آسيا ومنطقة شبه القارة الهندية، لكن الوضع تغير بعد اكتشاف أول بئر نفطي في مسجد سليمان، جنوب غرب إيران في التاريخ الذي أشرنا اليه.

فأضحت المنطقة هدفاً مضاعفاً، كما كان سهلاً مع وجود الرجل المريض في اسطنبول، وملك بلا سلطان في طهران، ومجاميع من القبائل البدوية في نجد إستطاع المستعمرون ترويضها بعد أن وعدوها بالسلطة والمال والدعم في مقابل القبائل والزعامات الأخرى.

لم يكتف المستعمرون بمعاهدة سايكس ـ بيكو المشؤومة سنة 1916 ووعد بلفور باعطاء الصهاينة وطناً قومياً على أرض فلسطين سنة 1917، بل دعموا ذلك بالتجزئة الفكرية والنفسية إمعاناً منهم في سياسة "فرّق تسد" الاستعمارية.

كانت فكرة القومية حبل الشيطان البريطاني الذي قسم وفقها العالم الإسلامي الى أقطار و أمصار ومحميات استعمارية، في وقت كانت أوروبا والغرب عامة يبحثون عمّا يقربهم ويسيرون نحو الوحدة وحلّ النزاعات التاريخية بينهم.

أصبح الشرق الإسلامي مقسم بين هندي وباكستاني وإيراني وتركي وعراقي وسوري...الخ، بعد أن كان وطناً واحداً من جاكرتا الى طنجة، رغم تناحر حكامه أحياناً.

ولكي تكون المؤامرة محبوكة بشكل جيد، زرعت العداوات بين الشعوب المسلمة والقوميات التي تعايشت على مدى مئات السنين وتداخلت وتصاهرت فيما بينها.. فصار الفارسي عدو العربي، والعربي متعطش بدم التركي، والتركي ليس له في الدنيا شاغل إلاّ سحق الكردي، والكردي يتعاون مع الشيطان ليضر بالتركماني وهكذا... فدخلنا في دوامة نهانا عنها ربنا تعالى وقرآننا ونبينا (ص)، ودعانا اليها شياطين المستعمرين، فأجبناهم فرحين!.

لذلك لم تكن الفكرة الإنفصالية خاصة بإيران أو العراق أو تركيا، بل كانت مشروعاً استعمارياً قذراً يستهدف العقل السليم والانسانية في كل المنطقة وجميع الشعوب الإسلامية.

ويرى بعض الباحثين في التاريخ والسياسة الإيرانية، أن بريطانيا ورغم تبعية نظام الشاه لها، دعمت المشاريع الإنفصالية للضغط على حكومة الأسرة البهلوية وترويعها باستمرار كي لا تحيد عن المخطط الذي رسم لها وعن ولائها للغرب وبريطانيا بالتحديد.

من جانبهم السوفيت، جيران إيران السابقين من جهة الشمال، حاولوا عام 1946 ايجاد بؤرتين إنفصاليتين من خلال الأحزاب الشيوعية الأممية! في المناطق التي إحتلوها من إيران خلال الحرب العالمية الثانية، وسموا إحداها جمهورية أذربايجان والأخرى جمهورية مهاباد، ونصبوا عليهما اثنين من عملائهم، لكن هاتين الجمهوريتين الورقيتين إنهارتا بمجرد انسحاب السوفيت من إيران في نفس العام (1946).

عربياً وبعد نكبة فلسطين وفشل الأنظمة العربية في الحرب مقابل الكيان الصهيوني، خاصة بعد سقوط النظامين الملكيين في مصر (1952) والعراق (1958) اللذين كانا على علاقة مميزة مع نظام الاسرة البهلوية في إيران وصل حدّ المصاهرة، وظهور المدّ القومي اليساري (الناصري والبعثي)، ظهرت مجموعات إنفصالية صغيرة في بعض المدن بمحافظة خوزستان، والتي سرعان ما قمعها نظام الشاه.

وبسبب الاصطفافات العالمية والاقليمية حينها، بقي النظام القومي في العراق، خاصة بعد سيطرة البعثيين الفاشيين على السلطة عام 1968 الداعم الرئيس للمجموعات الإنفصالية في إيران، فيما كان الشاه يدعم ما سمي بـ"التمرد الكردي" في شمال العراق.

كان العراق من خلال دعمه يسعى الى ضم هذا الجزء من التراب الإيراني الى أراضيه، لذلك عندما توهم أن الفرصة مؤاتية بُعيد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران 11/2/1979 شن عدوانه الغادر في 22/9/1980.

شكل انتصار الثورة الإسلامية في إيران ضربة كبيرة للمشروع الغربي في المنطقة، فكان الزلزال الذي هزّ كيان الاحتلال في فلسطين، كما عبر حينها موشيه دايان، ومعه عروش الأنظمة الموالية له في المنطقة والتي اصطفت جميعها ضد الثورة.. لذلك جاءت المؤامرة الإنفصالية في رأس قائمة المؤامرات التي دعمها وأثارها الغرب وعملاؤه في المنطقة ضد الثورة الإسلامية.

ومن يلحظ التسلسل الزمني بين صِدام الثورة الإسلامية وأمريكا وتاريخ الأعمال الإرهابية والفتن الإنفصالية في كردستان وخوزستان (أيارـ مايو 1979) وتركمن صحراء وبلوشستان، سيدرك جيداً من كان يحرك "أرجوزات" الإنفصال ومرتزقته.

وهنا لابد من الاشارة الى قضية في غاية الأهمية، وهي إن حساب الزمر الإنفصالية تختلف عن أهلنا وشعبنا المتنوعين قومياً كباقة زهور عطرة في العديد من محافظات بلدنا الإسلامي الكبير.

أكثر من ذلك، لايزال الإنفصاليون يعترفون بأن شعبنا في خوزستان قلب إيران النابض، فهو من لم ينخدع بشعاراتهم الشوفينية، وهو من أجهض مشروعهم الإنفصالي بتقديم 11 ألف شهيد في سبيل انتصار الثورة والدفاع عن وحدة التراب الإيراني في مواجهة العدوان الصدامي، الذي كان الإنفصاليون جزء من آلته العسكرية وطابوراً خامساً يخدم مخططاته.

لم تكن الزمر الإنفصالية التي دانت بالولاء لسلطة البعثيين في العراق بالمستوى الذي يهدد أمن البلاد، رغم أن المخابرات العراقية سلّحتها ودعمتها وخططت لها وقادتها حتى الى أوروبا لتنفيذ عمليات إرهابية ضد البعثات الدبلوماسية الإيرانية، كما حصل في الهجوم الإرهابي على السفارة الإيرانية في لندن عام 1980 والذي استشهد فيه صبراً أحد الدبلوماسيين الإيرانيين.

رغم ذلك بانتهاء العدوان الصدامي على الجمهورية الإسلامية وتدهور الاوضاع الاقتصادية في العراق بعد غزو الكويت سنة 1990، سمحت لهم السلطات الإيرانية بالعودة والعيش بشكل طبيعي رغم إن كثيرا منهم كانوا ضباطاً فيما عرف "بجيش التحرير الاحوازي"!

في تسعينيات القرن الماضي، إستغل بعض مرضى الإنفصال أجواء الانفتاح والاعمار التي وفرتها الثورة الإسلامية لكل ابناء الشعب، فأنشأت تنظيمات سرية لضرب الثورة مجدداً وهي تدرك أن الجمهورية الإسلامية أصبحت بعد 8 سنوات من الدفاع المقدس أصلب عوداً وأكثر تجربة وأقوى بكثير مما كانت عليه أيام الفتن التي كانت المدرسة العراقية في خرمشهر تديرها بـ14 ضابط مخابرات!.

هذه المجموعات التي اتخذت اشكالاً جديدة في الفكر والممارسة الإرهابية، سرعان ما أصبحت جزءاً من المشروع الصهيوأمريكي ـ التكفيري الجديد في ضرب استقرار دول المنطقة بعد حوادث 11 سبتمبر 2001 وغزو افغانستان (نوفمبر 2001) ومن ثم احتلال العراق (نيسان 2003).

مجموعات عنصرية تكفيرية متطرفة أعلنت عن نفسها في صيف 2005 من خلال سلسلة تفجيرات إرهابية طالت مراكز مدنية في مدينة اهواز وبعض المدن الأخرى بمحافظة خوزستان، سقط خلالها عشرات الشهداء والجرحى.

كان ردّ فعل الأجهزية الأمنية في الجمهورية الإسلامية بمستوى جعل متزعمي هذه الزمرة يهربون الى خارج البلاد تاركين مأجوريهم يتساقطون بيد حماة البلاد.

وفي الخارج جرى احتضانهم من قبل أكثر من جهاز مخابرات عربي واقليمي ودولي، رغم أن الحضن الإرهابي الأوسع كان للمخابرات السعودية ومن ثم الموساد الاسرائيلي.

لقد تم دعم هؤلاء بعشرات الملايين من الدولارات وبالدعم السياسي والاعلامي والغطاء الامني، للحد الذي تم تأسيس قناة تلفزيونية لهم تبث على مدى 24 ساعة وجرى ربطهم بالمبشرين التكفيريين الوهابيين داخل المملكة السعودية وخارجها، وتدريب عناصرهم في معسكرات التكفيريين في سوريا والعراق خلال الحقبة الداعشية.

قامت هذه الزمرة الإرهابية التي اطلقت على نفسها اسم "حركة النضال العربي لتحرير الاحواز" باستهداف العديد من المرافق الاقتصادية والخدمية التي هدفها تسهيل حياة المواطنين، وايضا مهاجمة قوافل النور التي تزور المحافظة و كذلك سلب السياح القادمين من داخل البلاد وخارجها، لوقف عملية التنمية والتطور في المحافظة من خلال زعزعة أمنها.. لكن أهم عمل إرهابي مشترك لهذه الزمرة الإنفصالية مع تنظيم "داعش" الإرهابي هو الهجوم على العرض العسكري بمناسبة ذكرى الدفاع المقدس بمدينة أهواز في 22/9/2018 والذي سقط فيه 25 شهيداً بينهم الطفل طه اقدامي و60 جريحاً بينهم نساء وكبار في السن.

لم يرحم الإرهابيون المجرمون حتى بالجرحى ولا المعاقين على الكراسي المتحركة وكان واضحاً ان المشهد هو ماراده البعض بنقل المعركة الى الداخل الإيراني.

هذه المعركة التي تقوم على:

1- دعم الزمر الإنفصالية وفي نفس الوقت نقيضاتها من ملكيين ومنافقي خلق! لان الهدف هو الفوضى.

2- ايجاد عصابات تكفيرية وفي مقدمتها "داعش" وربطها بالإنفصاليين.

3- ضرب الاقتصاد الإيراني من اجل الحيلولة دون التنمية ولاجل تشديد الحصار المفروض أمريكيا وغربيا لخلق حالة من السخط الشعبي.

4- الدعاية المضادة في الخارج وعبر وسائل الاعلام التي جرى تسخير العشرات منها لعناصر هذه الزمرة الإرهابية الإنفصالية واخواتها.

تركزت انشطة العناصر الإنفصالية في الخارج وبدعم أمريكي، بريطاني، اسرائيلي على:

1- اقامة تجمعات مدعومة مالياً ومغطاة اعلامياً للدعاية ضد الجمهورية الإسلامية، تحت ذرائع واهية.

2- اقامة مؤتمرات للتعريف بهم وبنشاطاتهم في بلدان عربية وأوروبية.

3- الاتصال بالمنظمات والمؤسسات الحقوقية الدولية وفبركة ملفات حقوقية ضد الجمهورية الإسلامية.

4- إدارة العمليات الإرهابية والاعمال الجاسوسية وغسيل الأموال من صميم البلدان التي تدعي القانون والشفافية وحقوق الإنسان والديمقراطية.

5- السعي لايجاد تشققات قومية ورعاية تكفيرية والحيلولة دون التعايش والسلم المجتمعي والوحدة الوطنية، باتباع خطاب عنصري، تكفيري وعدائي أبعد ما يكون عنه أبناء خوزستان المعروفين بحبهم للجميع واندماجهم مع سائر القوميات في المحافظة والبلاد.

كان على أجهزة الدولة في الجمهورية الاسلامية وخاصة الاعلامية والقانونية والأمنية أن تعالج سلوكيات هذه الزمر الإرهابية وهؤلاء المرتزقة.. فكشفت حقيقتهم الى الرأي العام الداخلي والأجنبي، وتابعتهم قضائياً وحقوقياً وأمنياً أيضاً.. فكانت نتيجة متزعمي زمرة ما تسمى بـ"حركة النضال العربي..." أن اعتقلت السلطات الدنماركية والهولندية أربعة منهم، وفي مقدمتهم حبيب جبر، بتهمة التجسس لصالح المخابرات السعودية وإدارة أعمال إرهابية ضد الجمهورية الإسلامية والقيام بعمليات غسيل أموال لصالح منظمات مصنفة اوروبياً وأمريكياً بأنها إرهابية، وحكمت عليهم بالسجن والطرد بعد فترة السجن.

وقامت قوات الأمن الإيرانية باعتقال رئيس العصابة السابق بمجرد اقترابه من الحدود الإيرانية في زيارة لاحد مقرات احدى المجموعات الإنفصالية الإرهابية الكردية بشمال العراق.

حبيب اسيود حكم عليه بالاعدام بعد اكثر من سنتين من اعتقاله واليوم جرى تنفيذ حكم الله والقانون بالقصاص إنتصاراً للدماء التي أراقها هو وزمرته الإرهابية وأحقاقاً لأسر الشهداء والجرحى الذين طالما طالبوا بالقصاص منه ومن أمثاله، وشكروا جنود صاحب الزمان (عج) المجهولون على الأمساك به وإعتقاله.. وبشر القاتل بالقتل.