العالم – مقالات وتحليلات
ان مجرد قبول محكمة العدل الدولية الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا بخصوص العدوان على غزة، ورفضها طلب الكيان الاسرائيلي، برد الدعوى، يعني ان المجتمع الدولي قد ضاق ذرعا بارهاب وبلطجة الكيان الاسرائيلي، الذي كان يرى، حتى يوم امس، انه فوق اي قانون دولي، وبعيد كل البعد عن اي مساءلة، محصنا بدعم امريكا، التي تفرض هيمنتها على المحافل الدولية، وتاخذها رهائن لصالح "اسرائيل"، الا ان هذه الهيمنة قد تراخت قبضتها، ببركة دماء الالاف من اطفال ونساء غزة، وبفضل مقاومة رجالها.
عندما نقول ان قرار محكمة العدل الدولية هو قرار تاريخي وغير مسبوق، رغم تجاهله اهم ما جاء في دعوى جنوب افريقيا وهو وقف العدوان، فاننا نعي ما نقول، فمثل هذا القرار كان عبارة عن اجراء لا يمكن وصفه الا بـ"التحرر" من الهيمنة الامريكية، والنفوذ الصهيوني والغربي على المحافل الدولية وفي مقدمتها محكمة العدل الدولية نفسها، وهذا "التحرر" ما كان ليحدث لولا مظلومية ومقاومة اهل غزة. فمن كان يتصور، في عصر الهيمنة الامريكية ونظام القطب الواحد الكاتم على انفاس شعوب العالم، ان تقر المحكمة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة بالحماية من أعمال الإبادة الجماعية، وتؤكد على ان الشروط متوفرة لفرض تدابير مؤقتة على الكيان الاسرائيلي، وتطالبه بالالتزام بتجنب كل ما يتعلق بالقتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة، وأن تضمن توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في القطاع بشكل فوري، كما يتعين على الكيان الاسرائيلي أن يرفع تقريرا إلى المحكمة في غضون شهر ، بدأ من يوم امس، بشأن كل التدابير المؤقتة.
العزلة التي عانت منها امريكا على الصعيد الدولي وداخل مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة، بسبب دعمها للابادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاجتلال الاسرائيلي في غزة، تكررت هذه المرة ايضا في محكمة العدل الدولية، فرغم كل الضغوط التي مارستها امريكا واللوبيات الصهيونية في العالم، من وراء الكواليس على المحكمة وقضاتها، الا ان قرارها جاء بالاجماع، وهو قرار كان بمثابة الصفعة التي وجهت الى الثنائي الامريكي الاسرائيلي.
يمكن سماع دوي صفعة المحكمة الدولية على وجه الثنائي الامريكي الاسرائيلي، من خلال تصريحات خبراء القانون في الكيان الاسرائيلي، الذين اجمعوا على انه رغم عدم إصدار المحكمة قرارا يلزم "إسرائيل" بوقف الحرب على غزة، فإن الإجراءات والتعليمات الصادرة عنها تشكل ضغطا على "إسرائيل" وتقيّدها، كما تضع "الجيش الإسرائيلي" وعملياته العسكرية تحت عين الرقيب والقانون الدولي.
ان التخوف الذي ابداه الصهاينة من قرار المحكمة هو تخوف في محله، ففور اصدار قرار المحكمة، تقرر ان يجتمع مجلس الأمن يوم الأربعاء المقبل للنظر في قرار المحكمة الذي دعا الكيان الاسرائيلي الى منع أي عمل "إبادة جماعية" في قطاع غزة، وذلك بطلب من الجزائر "بغية إعطاء قوة إلزامية لحكم محكمة العدل الدولية في ما يخص الإجراءات الموقتة المفروضة على الاحتلال الإسرائيلي".
المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قال أمس الجمعة إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش سيحيل فورا الإخطار بالتدابير المؤقتة لمحكمة العدل الدولية إلى مجلس الأمن الدولي، فقرارات محكمة العدل الدولية ملزمة، وعلى جميع الأطراف ان تلتزم بها بموجب ميثاق الأمم المتحدة والنظام الذي أنشأت بموجبه المحكمة.
يرى خبراء القانون ان قرار المحكمة هو اعتراف واضح بان تفاصيل ملف جنوب أفريقيا معقولة، وأن الأعمال التي تقع ضمن تعريف الإبادة الجماعية بموجب اتفاقية عام 1948 موثقة وارتكبت بالفعل ضد المدنيين، فضلا عن استشهاد قاضية المحكمة بتصريحات رسمية لمسؤولين صهاينة تدعو وتحرض على هذا الفعل، لذلك على الدول العربية والإسلامية التحرك الآن، للانضمام إلى جنوب أفريقيا وممارسة مزيد من الضغط على الكيان الاسرائيلي، لوقف الابادة الجماعية في غزة، وفي حال امتنع الكيان عن تنفيذ قرار المحكمة، عندها سترفع جنوب أفريقيا الملف إلى مجلس الامن الدولي، لوضع حدا لإفلات "اسرائيل"من العقاب، حينها ستكون امريكا في مواجهة مع العالم، في حال استخدمت حق النقض أمام المجتمع الدولي بأكمله، في تحد واضح لقرار صادر عن الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة.
العالم : منيب السائح