مسرحيات أمنية وفلتان متنقّل: مسلسل القتل الطائفي لا يجد نهايته

مسرحيات أمنية وفلتان متنقّل: مسلسل القتل الطائفي لا يجد نهايته
الإثنين ٠٣ مارس ٢٠٢٥ - ٠٥:٠٨ بتوقيت غرينتش

لم يكد يخفت الحديث عن الحملة الأمنية للإدارة السورية الجديدة في بعض القرى والمناطق ذات الغالبية العلوية، وما رافقها من تبادل للاتهامات وتحريض طائفي، حتى عاد ليتجدد مع تداول أنباء عن جريمة مروعة في بانياس في محافظة طرطوس، راح ضحيتها 4 أشخاص من طوائف مختلفة. وساهمت هذه الجريمة في إعادة توحيد منشورات السوريين في منصات التواصل الاجتماعي، حيث تكثّفت الإدانات للجرائم والانفلات الأمني، والمطالبات بملاحقة المجرمين ومحاسبتهم.

العالم - سوريا

وفيما اقتصرت أضرار التوتر الأمني في مدينة القرداحة في محافظة اللاذقية على إصابات بين الأهالي، إثر محاولة عناصر من الأمن العام الاستيلاء على أحد المنازل لاستخدامه كمقر لها، عاش أهالي قرية عين شمس في ريف حماة حملة أمنية تخللتها انتهاكات واسعة.

وبحسب عدد من أهالي القرية، والذين تمكّنت «الأخبار» من التواصل معهم، فقد شهدت عين شمس الواقعة في ريف مصياف في السّاعة الرابعة من عصر الأربعاء الماضي، بدء عملية عسكرية نفّذها عناصر الأمن العام تحت ذريعة «ملاحقة فلول النظام»، وسط تغطية تلفزيونية «مثيرة للجدل»، لقناة «العربية الحدث»، واستخدام لطائرات مُسيّرة لتغطية الحملة.

وأكدت المصادر الأهلية أن عملية التصوير «رافقها إطلاق نار كثيف من جانب واحد، إثر توزيع آليات دوشكا في جهات متباعدة، وإطلاقها الرصاص للإيحاء بوجود اشتباكات خلال التصوير».

وفي هذا السياق، وصف «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الحدث المشار إليه، بـ«المؤلم والمحزن»، معتبراً ما جرى «مجرد مسرحية إعلامية تقودها إحدى الفضائيات العربية بالتعاون مع الأمن العام، وليست له علاقة بفلول النظام».

وخلال الحملة نفسها، اعتقلت قوى الأمن الداخلي التابعة لغرفة العمليات العسكرية، نحو 60 شخصاً بذريعة أنهم من «فلول النظام»، بينما عادت لاحقاً إلى الإفراج عن 40 منهم، بينهم كبار في السن وأطفال دون الثامنة عشرة ظهرت على أجسادهم آثار للتعذيب والضرب المبرح، فيما لا يزال آخرون قيد الاعتقال، علماً أن القرية خضعت لعمليات التسوية ولم تسجل أي حوادث أمنية سابقة فيها.

ويقول أحد الشباب المفرج عنهم، في حديثه إلى «الأخبار»: «موّتوني من الضرب وأخدوا موبايلي بس رجعولي هويتي الشخصية»، فيما ذكرت مصادر أخرى أنه تم الاحتفاظ بالهويات الشخصية لعدد من شباب القرية من دون معرفة السبب، علماً أنه تم الإفراج عنهم، ما أثار مخاوف حول إمكانية استخدامها في تلفيق تهم لهم.

اقرأ وشاهد أيضا:

تطورات سوريا.. توتر في جرمانا بريف دمشق وسكانها يحملون السلاح

وعبر صفحتها في فيسبوك، وثّقت الصحافية ريم محمود، وهي من عين شمس، الانتهاكات التي رافقت الحملة الأمنية بحق أهالي قريتها وعمليات التفتيش العشوائية للمنازل وتوجيه شتائم طائفية إلى السكان، فضلاً عن سرقات شملت «خمس سيارات وباصي نقل ركاب، و80 هاتفاً خلوياً»، بالإضافة إلى مصاغ ذهبية وأموال لم تتمكن من حصر قيمتها بشكل دقيق.

وبعد انتهاء الحملة التي استمرت نحو أربع ساعات، تجمّع الأهالي، ومعهم مختار القرية وشيوخها، لإحصاء الأضرار، ليتبين لديهم بحلول الساعة الثانية صباحاً وجود نحو 60 معتقلاً، وعشرة مفقودين عُرف مصير ثلاثة منهم بعد العثور على جثامينهم في مناطق مختلفة، ومن بينهم الشاب رفعت سليمان الذي وُجد مقتولاً بالقرب من أحد المقامات الدينية، بحسب ما أفاد به شهود من القرية «الأخبار». وبعدها بساعات، عُثر على صديق الضحية، الشاب بهاء خضور، أيضاً مقتولاً على بعد أمتار منه. وأخيراً، تمّ العثور على جثة الممرض يونس يوسف، خارج القرية على طريق حماة - حمص بعد أنباء عن اعتقاله. وتمَّ عرض جثامين الشباب على الطبيب الشرعي، فيما لم يتحدث أيّ من المسؤولين عن الحملة مع الأهالي لتقديم تفسير حول ما حدث، أو لطمأنتهم إلى مصير باقي المفقودين، ما سبّب توتراً كبيراً لدى أهالي القرية، وخوفاً من تكرار سيناريو مشابه لمجزرة فاحل في ريف حمص الغربي.

بالتوازي مع التوتر الأمني في القرداحة وعين شمس وغيرهما، يُسجل تصاعد في الخطاب الطائفي والتحريضي بين السوريين في منصات التواصل الاجتماعي، إلى جانب عدد من العمليات الاستفزازية في الشوارع العامة، والناجمة عن رفع شعارات طائفية.

ومع ذلك، أثار مقطع فيديو من كاميرا مراقبة يوثّق مقتل أربعة مدنيين، بينهم طفل ينحدر من إدلب وآخر مُقعد على كرسي، إثر إطلاق النار عليهم من قِبل ملثمين، تعاطفاً شعبياً واسعاً وإدانة جامعة للانفلات الأمني الذي تعاني منه مناطق مختلفة في سوريا.

وفي هذا السياق، يتساءل شقيق أحد الضحايا: «كيف فينا نعرف أنو الملثم مجرم أو أمن عام؟! أخي ورفاقه ما هربوا وضلو قاعدين لما وصلت سيارات المهاجمين لأنو فكروهم قوى أمن».

وفي سياق الرد الشعبي على الاستفزازات الطائفية، تمكّن سكان حي الجبيبات في مدينة جبلة من الإمساك بمجموعة شبان كانوا يردّدون عبارات طائفية أثناء تجولهم في الحي على دراجاتهم النارية، وصادروا آلياتهم، فيما تم نقل بعض المصابين إلى أحد المشافي لتلقّي العلاج إثر تعرضهم للضرب المبرح، وسط حالة من الخوف والتوتر بعد فرض الأمن حظر التجوال في الحي.

اقرأ ايضا:

جنبلاط يحذر من المخطط الإسرائيلي التخريبي في سوريا والمنطقة

إلا أن ما خفّف من وقع الحادثة هو نشر أحد أشقاء الشباب الذين تعرضوا للضرب تعليقاً عبر «فيسبوك» جاء فيه: «نحن ضد ما فعله أخي حتى إنه تعرض للضرب والتوبيخ من والدي أيضاً بعد معرفة الهتافات الطائفية التي شارك في ترديدها».

وبلغ عدد الحوادث الأمنية منذ مطلع العام، 173 عملية في محافظات سورية متفرقة، راح ضحيتها 314 شخصاً، معظمهم في محافظتي حمص وحماة، وسُجّل قسم كبير منها ضد مجهولين، فيما حصل بعضها خلال حملات أمنية لإدارة العمليات العسكرية، وحمل طابعاً طائفياً.

ويتناقض هذا الأمر مع تصريحات السلطات الجديدة، والتي تقول إن حملاتها تأتي في إطار الحفاظ على السلم الأهلي، ما أثار شكوكاً حول وجود تساهل في ضبط تلك العمليات والحد منها، واستخدامها كذريعة في تشتيت الانتباه عن الانتهاكات الإسرائيلية التي كان آخرها العدوان الجوي على مطار الشعيرات في حمص، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والأمنية التي تعاني منها الإدارة الجديدة في قيادة المرحلة الانتقالية، والضغوط الدولية التي تطالب بإشراك وتمثيل كل مكوّنات المجتمع السوري في الحكم.

والجدير ذكره، هنا، أن هذه الحوادث الأمنية تترافق مع تصاعد مستويات الجريمة في ظل غياب الأمن وعدم وجود جهاز أمني كافٍ لتغطية كل المناطق، بعدما تمّ حلّ وزارة الداخلية، واستُبعد قسم كبير من كوادرها. وفي هذا السياق، وثّق ناشطون أكثر من 40 عملية خطف وسطو وقتل، منذ سقوط النظام السابق وحتى اليوم، وهو ما يأتي وسط غياب الأمن في الطرقات الدولية، وخصوصاً مع حلول ساعات المساء.

المصدر" جريدة الاخبار