أُغلق باب الدخول إلى مخيم جنين، وعلى الأطراف الشمالية، سمح الاحتلال لـ22 سيدة وفتاة بالدخول إلى منازلهن في حي الحواشين، لجمع ما يمكن جمعه خلال دقائق محدودة، وبمسار واحد صارم.
لم يكن الدخول إلى المخيم مجرد عبورٍ إلى حيٍّ منكوب، بل أصبح غاية بحد ذاته. فهؤلاء النسوة أردن رؤية ما تبقّى من وجع المخيم، من أحيائه التي تحوّلت إلى فراغ، ومن بيوته التي سُوِّيت بالأرض. أردن أن يرين الواقع بأعينهن، لا كما يُنقل في الصور أو يُتداول في التصريحات.
إحدى النساء قالت لقناة العالم: "نفسي أرجع عالبيت... مش رايحة آخذ أغراض، بس بدي أطمن. نفسي نفوت ونبقى، مش ساعة ونرجع نطلع. بدنا نرجع نعيش، مش نضلنا نازحين."
لا يعلمن هؤلاء النساء ماذا ينتظر منازلهن ولكم بعضهن عدن خاليات الأيدي وجدن ركاما لا منازل تحتضن أحلامهن.
6 أشهر من المنع المتواصل جعلت لحظة الدخول إلى المخيم لحظة مواجهة مباشرة مع الذاكرة والدمار. لم تجد بعض النساء منازلهن، بل واجهن الركام، والبيوت المهدّمة، والأحلام المدفونة تحت الإسمنت والتراب.
وقالت إحدى السيدات للعالم: "الإشي كان صعب جدًا... التفتيش كان دقيق، والصراخ علينا مستمر. ما قدرت أجيب الأغراض اللي بدي إياها، والجنود واقفين بضحكوا علينا، بيستهزؤوا فينا."
عقوبات جماعية، حواجز، منع، إذلال... كلها أدوات بيد الاحتلال يعاقب بها الفلسطيني حيثما وُجد. معاناة هؤلاء النساء لا تختلف عن معاناة الفلسطينيين في القدس، أو الضفة، أو أراضي عام 1948، لكنها في جنين تأخذ شكلًا أكثر قسوة، حيث تحوّل مخيم جنين إلى منطقة عسكرية مغلقة، لا يُسمح بالدخول إليها إلا بشروط الاحتلال.
الذكريات هناك لا تزال عالقة على الجدران، على صور الشهداء والأسرى، لكن المخيم الذي كان حيًّا نابضًا بالحياة والمقاومة، بات اليوم ذاكرة تئن تحت الركام، لا يعرفها العالم إلا بقدر ما تسمح به الكاميرات.