لأعوام طويلة كان الخطاب الأمني الإسرائيلي يرسم على أسس من تقديرات مشوهة.. تقديرات قللت من شأن حركات المقاومة وأفرطت في الثقة بالتكنولوجيا، ورقابة ميدانية لم تستطع أن تقرا النبض الحقيقي للواقع.
اليوم وبعد الانكشاف المدوي في السابع من أكتوبر نجد أنفسنا أمام لحظة إعادة بناء عقل استخباري إسرائيلي جديد يعيد الاعتبار للعنصر البشري ويجدد محاولاته لفهم ثقافة ولغة وجغرافيا الخصم العربي.. لا باعتباره تهديدا جامدا بل ككيان حي يتنفس تاريخا وألما وحلما.
هل هذا التغيير هو مجرد تعديلات تقنية أم بداية تحول ثقافي عميق في عقل إسرائيل الأمني؟ كيف يمكن للعدو أن يتحول من صورة مغلوطة إلى واقع يُفهم ويحترم؟ وما هو الثمن الذي يدفعه كل طرف في هذه المعادلة؟
تحاول هذه الحلقة العبور إلى أعماق العقل الإسرائيلي، وقراءة هذا العقل الاستخباري الإسرائيلي، وتحاول أن تكشف عن أوجه الفشل والنجاح، وتفتح باب الحوار من خلال تقرير أجرته بلومبرغ ونشرته معاريف عن الاخفاقات الاستخبارية بعد السابع من أكتوبر.. وتقرأ انعكاساته على الرأي العام الإسرائيلي.
في صباح السابع من أكتوبر كان الجميع في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على موعد مع صدمة غير متوقعة: هجوم حماس مفاجئ على العمق الإسرائيلي كشف عن ثغرات عميقة في نظام الاستخبارات، جعلت من وهم الأمن حقيقة مكلفة.
تقارير صادرة عن معاريف وبلومبرغ تشير إلى أن شعبة الاستخبارات الإسرائيلية أخفقت في التنبؤ بحجم الهجوم، رغم وجود مؤشرات ميدانية، مما أثار جدلا واسعا داخل أروقة الأمن.
إعادة التقييم بدأت منذ اللحظة الأولى، وأدت إلى لوم متبادل بين أقسام متعددة، وسط محاولة جادة لإعادة بناء هيكلة الاستخبارات.. المشكلة لم تكن فقط في قراءة التحركات العسكرية بل في فهم الآخر العربي.. فهم ثقافي متواضع وأحيانا خاطئ أدى إلى التقليل من خطر حركة حماس واعتبارها عدواً راض بالحكم.. هذا الخطأ المعرفي دفع إسرائيل إلى إعادة النظر في استراتيجياتها الاستخبارية، بما في ذلك إحياء برامج تعليم اللغة العربية والتركيز على اللهجات المحلية.
تقرير بلومبرغ يؤكد أن هذا التغيير ليس فقط تقنيا بل ثقافيا، حيث تحاول الأجهزة الأمنية التخلص من الاستشراق الأمني الذي شكل عائقا أمام الفهم الحقيقي للخصم، في الوقت نفسه كشفت الحرب حدود الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة من أقمار صناعية إلى طائرات دون طيار، وعادت الاستخبارات البشرية لتأخذ دورها مجددا في جمع المعلومات وتحليلها ميدانيا.
لكن التحدي الأكبر يظل في كيف ترى إسرائيل جيرانها العرب، حيث يشير مفكرون إلى أن الأزمة ليست في نقص المعطيات بل في العدسة التي تُقرأ بها هذه المعطيات.. عدسة تصنع الآخر كعدو دائم يصعب معه الحوار أو المصالحة.
اليوم إسرائيل أمام اختبار حقيقي لإعادة تشكيل عقلها الاستخباري وفهم أعمق وأكثر تعقيدا للواقع العربي، في زمن لم تعد فيه التقديرات الأمنية فقط أرقاما أو خرائط بل قضايا حياة ومصير.
ويشير الخبير بالشأن الإسرائيلي أ.علي حيدر أن: هناك ثلاثة مستويات من الاستخبارات.. الاستخبارات الاستراتيجية والاستخبارات العملياتية والاستخبارات التكتيكية، وهذا ما هو موجود باللأدوات الإسرائيلية، وبكلمة واحدة فيما يتعلق بالسابع من أكتوبر كان الفشل بالمستويات الثلاث.
ولفت إلى أن: هناك سؤال سألته الاستخبارات والقيادة السياسية بإسرائيل " ما هو أقصى ما يمكن أن تفعله حماس؟ هل هي بوارد أن تشن هجوما كاسحا كبيرا على إسرائيل؟ ولماذا؟ وهل هناك مؤشرات على ذلك؟" الجواب كان سلبيا، بمعنى أن إسرائيل تصورت أن حماس ليست في هذا الوارد، وساهمت حماس في تضليل القيادة الإسرائيلية بهذا المجال، كانت أولوية حماس بحسب الإسرائيلي هو تأمين الاستقرار ومراكمة القدرة وتأمين معاشات الموظفين.. فقط، وبالتالي هذا المفهوم الذي رسخ في وعي كل القادة انعكس بالأدوات الاستخبارية.

من جانبه أوضح الخبير بالشان العسكري والاستراتيجي د.علي حمية أن العدو الإسرائيلي وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية كانوا يقومون بخمس مناورات عسكرية بقبرص.. من مناورات الشمس الزرقاء إلى مناورات عربات النار.. على كيفية مسح غزة.. وكانت معهم دولتان عربيتان من ضمن دول التطبيع.. قامت هذه المناورات على أساس مسح وإنهاء غزة وهزم حزب الله والتعامل حربياً مع إيران في حال تدخلها إلى جانب غزة ولبنان.
وأضاف أن الكيان الإسرائيلي كان موعده 15 تشرين على القيام بالضربة الأولى، ولو لم تكن السابع من أكتوبر لكانت الحرب قادمة لا محالها مثلما صار مع لبنان في 2006 حيث كانت الحرب مقررة واستبقها لبنان لردع ما سيكون بأيلول.
وبين أن: الذي صار هو أن قوات حماس دخلت بـ1200 وعززت بـ500 مقاتل.. ولما دخلوا كان الجيش الإسرائيلي معظمه آخذ أسبوع إجازات لأن الحرب القادمة ستكون بعد أسبوع.. وكان هناك أصلا ترهلاً بالجيش الإسرائيلي وعدم ثقة، وكان هناك انفصام ما بين السياسة وبين الاستخبارات وبين العسكر.
وقال علي حمية: لما فاتت حماس على أساس -وأنا سمعتها من مسؤول كبير- أن يأخذوا 20 أسيراً ويرجعوا، لقوا الموضوع مفتوح أمامهم.. لا يوجد عسكر ولا أحد موجود يبلّغ.. لو كانت حماس تعلم بأن الوضع كما هو عليه لدخلت بـ15,000 مقاتل، حيث وصلوا إلى عمق 7 كيلومتر.. ومعظم الذين دخلوا رجعوا ومعهم 560 أسير.. لذلك جاء الطيران الحربي الإسرائيلي وبدأ يقتل بالجنرالات قبل أن يصلوا حتى لا يسربوا معلومات.
للمزيد إليكم الفيديو المرفق..