من بيروت إلى الجنوب: بداية الحكاية
من بيروت خرج السيد حسن نصر الله قائداً استثنائياً، ومن الجنوب صاغ فؤاد شكر وعلي كركي وإبراهيم عقيل ملاحم البطولة. رجال تعاهدوا معه على درب واحد، درب كُتب على صفحات الزمن بالدماء، وصار فيه كل نبضة قدراً لا رجعة عنه.
ملامح القيادة في الطفولة
هنا تبدأ ملحمة سيد الانتصار. في قلب بيروت العاصمة، حيث الأرض تصقل الرجال. نشأ السيد حسن نصر الله فتىً استثنائياً منذ صغره.
منذ طفولته، كان في ملامحه ما يوحي بأن القادم ليس عادياً. كثيرون رأوا فيه روح القيادة تتجلى، وسمات القائد تسبق عمره.
في خطواته الأولى ارتسمت ملامح الحكاية، وفي صوته الفتي ارتفع وعد خفي بأن هذا الفتى سيغدو يوماً سيد الانتصار.
يروي عبد الكريم نصر الله والد السيد الشهيد حسن نصر الله: "كانت الحجة في الشهر السابع أو الثامن حاملاً، فرأيت رؤيا بشخصين معممين بعمامة سوداء. قال لي أحدهم: 'سيأتي لك صبيان وبنت، سمّي الصبيين حسن وحسين والبنت زينب.' وبعد شهرين ولدت الحجة السيد حسن."
وتابع:"كبر السيد حسن، فأدخلناه المدرسة، وبعد الظهر كان يذهب إلى الحوزة. عندما وصل إلى سنوات المراهقة، نشبت الحرب الأهلية في عام 1975."
اللقاء مع المقاومة وبوادر النبوغ
وقال حسين الموسوي من أوائل المؤسسين للمقاومة" السيد حسن كان مولوداً في عام 1960، وبداياتنا مع السيد موسى بدأت من عام 1974 تقريباً. كان عمره 14 عاماً، وفي عام 1975 بدأنا نعقد الندوات والاجتماعات. في هذا الجو نشأ السيد حسن خلال الأعوام 1976-1977، وهو في عمر 16-17-18 عاماً. كان هو المثقف بيننا في المنطقة، المثقف البارز ".
وقال عبد الكريم نصر الله والد السيد الشهيد حسن نصر الله: يُسمع لهذا التلميذ حسن نصر الله وهو ابن 14-15 سنة، نشاطه علمي وديني وحركي. ماذا حدث مع السيد الغروي؟ أنه قرر إرساله إلى العراق للدراسة. في العراق تعرف على السيد عباس الموسوي رحمه الله. تعرف عليه خلال يومين أو أسبوع. السيد عباس أُعجب به كثيراً ".
شاهد أيضا.. زينب نصر الله تكشف أسراراً من حياة والدها الشهيد
تعممه المبكر ورؤية القادة فيه
وقال حسين الموسوي:" كان يقول لأحد إخواننا أنه عندما يأتي إلينا في عاشوراء وهو في عمر 17-18 سنة، يأتي وهو معمم لأنه تعمم في العراق مع السيد عباس رضوان الله عليه.عاد السيد حسن وأصبح ملازماً للسيد عباس. السيد عباس أنشأ الحوزة بعد ذلك، وكان السيد حسن أحد أركان هذه الحوزة من عمر 18 تقريباً. فقال لي أحد الإخوة وهو من نوابنا في المنطقة، عندما كان يأتي ليعطينا دروساً وهو أصغر منا سناً، كنت أتطلع إلى جبينه وأقول في نفسي: إن لهذا الشاب مستقبلاً كبيراً في الأيام القادمة."
وقال عبد الكريم نصر الله والد السيد الشهيد حسن نصر الله: السيد عباس قال للسيد حسن ذات مرة وهو يضع العمامة السوداء على رأسه: "إنك لشأن عظيم، وإني أشم فيك رائحة القيادة، وإنك من أنصار المهدي إن شاء الله."
رؤية وحكمة السيد نصر الله
وقال حسين الموسوي:" في جلساتنا الخاصة قال لي: "أنا أرى في المنام مشاهد من بعلبك والمنطقة عندكم، ولا أرى في منامي البقاع وبيروت، لأن نشأته الأساسية كانت هنا مع السيد عباس رضوان الله تعالى عليه."
وقال حسين الحاج حسن وهو نائب في كتلة الوفاء للمقاومة:" كان سماحة السيد صاحب رؤية، ومستشرفاً للمستقبل لأنه يقرأ الأحداث مستنداً إلى قواعد متينة في العقيدة والإيمان والسياسة والفكر. كان شجاعاً، والرؤية تحتاج إلى شجاعة وحكمة وبصيرة، وكانت لديه الشجاعة والحكمة والبصيرة. الرؤية تحتاج إلى تجرد من المصالح الشخصية، وكان متجرداً من أي مصلحة. الرؤية تحتاج إلى خبرة وكانت لديه الخبرة، وإلى كاريزما وكانت لديه الكاريزما.
القائد الجهادي فؤاد شكر
وقال السيد الشهيد حسن نصر الله بمناسبة استشهادالقائد الجهادي الكبير الشيد السيد فؤاد شكر :" إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف، إلى اللقاء في الشهادة، إلى اللقاء في جوار الأحبة:.
في قلب المقاومة.وُجد فؤاد شكر، الرجل الذي جمع العقل المبدع باليد الصلبة، فكان راسماً لخطط لا تعرف الفشل وقائداً ميدانياً لا يعرف التراجع. عرفه العدو اسماً وعرفته المقاومة عقلاً مدبراً يزرع لها النصر حيثما حضر. لم يكن رجلاً عادياً، بل كان عيناً تسهر وذراعاً تقاتل ووصية حية لرجل كتب تاريخه بالدم والرصاص.
وقال حسين الموسوي:" السيد فؤاد شكر في البداية كان موظفاً في الأمن العام. مع بداية الحركة الجهادية وحتى قبل عام 1982، كان لديه نشاطات وارتباطات عديدة. في عام 1982، عندما وقع الاجتياح الإسرائيلي، انضم السيد فؤاد مع الشباب في منطقة الأوزاعي والضواحي بشكل عام، وكان من المشاركين في بداية عملية تأسيس وتنظيم الوضع الجهادي والعسكري. ومنذ الأساس، أخذ مكانته المتميزة نظراً للمواهب والإمكانات التي يمتلكها، والتي ترجمت إلى نجاحات في العمليات الجهادية التي كانت تُنفذ. تنقل في عدة مناصب ضمن المجلس الجهادي، وكان ضمن المؤسسين الأساسيين المعروفين، إضافة إلى المرحوم الحاج عماد (رحمة الله عليه) والسيد ذو الفقار.
وتابع: بما أن السيد ذو الفقار والحاج عماد كانا من صناع العمل الجهادي، صار السيد فؤاد ثالثهم في هذه المسيرة. كانت المشاركات وتوزيع المسؤوليات والتعاون هي التي أنجزت لنا التحرير في عام 2000. إذا أردنا القول إن التحرير الذي تم في عام 2000 كان بفضل من الله سبحانه وتعالى، فإن من أركانه وصناعه كان السيد فؤاد، أحد الأساسيين الثلاثة أو الأربعة أو الخمسة في هذا العمل".
وأضاف:"كان السيد فؤاد مع آخرين مثل أبو الفاضل والسيد عبد القادر، وجميعهم كانت لهم مساهمة فعالة، وكانوا يتناوبون على إدارة العمليات والمسؤوليات. عموماً، كان دور السيد فؤاد بارزاً، ثم أخذ المكان الأساسي الذي تميز فيه في الجانب البحري وجانب الصواريخ، مما جعله مستهدفاً من العدو لأن الخطر الأساسي على الإسرائيليين يُعتبر الصاروخ بشكل رئيسي. واشاركان السيد فؤاد هو المختص المتعمق في هذا المجال، وقد أثبت نفسه بشجاعته وعلمه وتجربته".
وكان قد قال الشهيد حسن نصر:" كان أول مسؤول عسكري مركزي في حزب الله، ثم انتقل إلى مسؤوليات أخرى، وأينما كان يُطلب منه أن يكون، كان يكون"..
شاهد أيضا.. قماطي يؤکد ان حزب الله سد الثغرات.. ويتحدی امريكا
علي كركي: جسد من نار وروح من عزة
من الجنوب خرج علي كركي، وإلى الجنوب عاد شاباً لا يرى في الحياة إلا طريق العزة. جسده كان جداراً من نار، وروحه كانت عاصفة لا تعرف السكون. وقف في وجه العدو وقفة أرعبت جنوده ودباباته، فصار اسمه مرادفاً للجرأة التي لا تساوم والبطولة التي لا تُشترى.
علي كركي: القائد الميداني ورجل المحاور
وقال الشهيد القائد علي كركي:" نحن نعلم أن المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان هي الجبهة الوحيدة المفتوحة مع العدو الإسرائيلي. هذه الجبهة الصغيرة التي ما زالت مفتوحة ليست قوتها بالسعة الجغرافية، ولا قوتها بالمجتمع أو العمليات، بل هي تجسيد لحركة التعبئة والأمة في حزب الله".
وقال محمد حسين علي الكركي نجل الشهيد القائد علي كركي :"الحاج الفاضل علي عبد المنعم كركي بدأ حياته الجهادية منقسماً بين بيروت الغربية، التي كانت تأسيسا لجزء من العمل المقاوم والعمل الإسلامي، وبين الجنوب الذي كان محط أنظاره منذ بداية العمل العسكري الجدي حتى استشهاده. وعند تشكيل الوحدات والفصائل العسكرية في الجنوب، كان الحاج أول مسؤول عسكري في المنطقة، وأسس المحاور والتشكيلات في ما كان يُدعى بالشريط الحدودي سابقاً. ثم تقدم بمراحل مختلفة حتى تحريره عام 2000.
وأضاف:"الحاج الفاضل هو الشخص العسكري الذي وصل بالعمل العسكري إلى أقصى حدوده. شارك في عمليات مباشرة كقائد ميداني، وأحياناً كأحد المقاتلين المباشرين في الهجمات، مثل عملية علي الطاهر وعملية الدبشة التي كان سماحة السيد حسن متواجداً في غرفة العمليات بالجنوب خلالها.
في مراحل أخرى، عمل كقائد مخطط ومدير للعمليات الجهادية دون مشاركة مباشرة، موجهاً الأوامر للإخوة. شمل ذلك العمليات الأساسية في الجنوب عام 1993 و1996، التي سُميت "عناقيد الغضب"، وعملية الأسر الأولى والثانية في 2006".
وتابع :في مرحلة سوريا، وتحديداً في حلب، كان له الدور الأبرز برفقة الحاج قاسم سليماني. تعرضوا لحصار في حلب انقطع خلاله التواصل والتحرك لمدة شهر ونصف إلى شهرين تقريباً. موضحا أنه من حرب تموز إلى طوفان الأقصى حتى استشهاده، كانت جميع العمليات التي جرت في الجنوب تابعة لوحدة مقر سيد الشهداء، وهو كان مسؤول هذا المقر.
وقال الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله:"هذه الشخصية بقيت في الميدان منذ الصغر، ولم تترك الساحة أبداً، وكانت دائماً في الطليعة للعمل المقاوم في الجنوب".
إبراهيم عقيل: الإيمان الصافي والصلابة التي لا تُقهر
إبراهيم عقيل هو الجامع بين الإيمان الصافي والصلابة التي لا تُقهر. رجل الميدان الذي جعل من كل مواجهة ملحمة، ومن كل لحظة مقاومة مدرسة. حوَّل يقينه إلى فعل، وبندقيته إلى قدر محتوم على العدو. كلما حضر ارتفعت المعنويات، وكلما قاتل ارتعدت حصون الاحتلال.
وقالت ابنة الشهيد الحاج عبد القادر إبراهيم:" يمكن الحديث عن حياة الحاج عبد القادر إبراهيم عقيل منذ بداية تفتح الوعي لديه. تربى في بيئة متنوعة ثقافياً، فدرس في مدرسة الراهبات المسيحية عندما كان طفلاً، ثم انتقل إلى مدرسة المقاصد. نشأ في عائلة غير متدينة، لكن يمكن القول إن الوالد كان مبادراً في التوجه الديني والإيديولوجي، وكان من المؤسسين الأوائل للعمل الإسلامي وحركة المقاومة في لبنان."
وأوضحت أنه في منتصف التسعينات، بدأت مرحلة جديدة من تفتح عقله العسكري وحياته الجهادية.وفور استلامه مسؤولية عمليات الجنوب في منتصف التسعينات، أحدث الحاج عبد القادر انقلاباً نوعياً في القيادة العسكرية للمقاومة. فقام بإعادة تعريف المفاهيم العسكرية بما يتلاءم مع وضع المقاومة على الأرض، وخطط لعمليات تفوق فيها على العدو بالمرونة وسرعة الانتقال والتخفي والحرب النفسية.
التفاصيل في الفيديو المرفق ...