ويركز الوثائقي على محورين أساسيين:
المحور الأول: الشهادة الشخصية للشيخ مصطفى حيث كان الشيخ في منزله يُحضّر درسه عندما انفجر جهاز الاستدعاء (البيجر) بين يديه فور تلقيه رسالة. وقد أدى الانفجار إلى فقدانه البصر بالكامل بسبب تناثر زجاج النظارات في عينيه، وإصابته في اليد.
ورغم الجراح، ظل واعياً وطلب النجدة بنفسه، ووصف المشهد الكارثي الذي عمّ البلدة نتيجة انفجار أجهزة استدعاء عدة في الوقت نفسه.
كما يروي حالة الهدوء والإيمان بين الجرحى الذين كانوا يردّدون "يا زهراء" و"يا صاحب الزمان" بدلاً من الصراخ أو الشكوى.
تحوّل الألم إلى إيمان وبصيرة، إذ قرر الشيخ أن يجعل من إصابته نقطة انطلاق جديدة في حياته، لا نهايتها.
شاهد أيضا.. حسن بحسون؛ قصة جريح فقد بصرة وأصابعه في جريمة البيجر
حادث الإنفجار والإصابات الأولية
ويقول الشيخ مصطفى :"كنت متواجداً في المنزل وحدي، أحضّر درس الحوزة لليوم التالي. كانت أجهزة الاستدعاء (البيجر) موضوعة على الطاولة. عند وصول الرسالة، رنّت مباشرة، فحملت الجهاز ونظرت إليه، وحدث الانفجار فوراً.
كنت أرتدي نظارات طبية لضعف النظر. يبدو أن زجاج النظارات تناثر وأصاب رأسي بشظايا، كما دخل الزجاج بالكامل في عينيّ، مما أدى إلى فقدان البصر مباشرة. منذ اللحظة الأولى للانفجار، أدركت أن جهاز الاستدعاء قد انفجر، وعرفت أنني فقدت بصري لأن الظلام الكامل أحاط بي. كما أدركت أن يدي تضررت نتيجة الانفجار.
طلب النجدة والصبر على الألم
خرجت من المنزل وحدي إلى الشرفة وطلبت النجدة من الجيران والأهل. بقيت واعياً لمدة 40-45 دقيقة تقريباً من الانفجار، إلى أن بدأت الآلام الشديدة غير المحتملة. عندها أعطوني مسكنات قوية، وفقدت الوعي. خلال تلك الفترة كنت مدركاً تماماً لكل ما حدث ووعياً بشكل طبيعي.
في البداية، اعتقدت أن انفجار جهاز الاستدعاء نتج عن خلل في الجهاز الذي أحمله فقط، ولم أتخيل أنها عملية شاملة وواسعة النطاق. عندما خرجت إلى الشرفة - دون أن أكون قادراً على الرؤية إذ فقدت البصر من اللحظة الأولى للانفجار - وطلبت من الأهل والجيران المساعدة، كانوا ينتظرون سيارة الإسعاف التي تأخرت بسبب الضغط الهائل على خدمات الإسعاف في تلك الفترة، حيث حدث في بلدتنا حوالي أربعة أو خمسة انفجارات لأجهزة الاستدعاء، وبالتالي كانت سيارات الإسعاف مشغولة.
طلبت منهم أن ننقلني بسيارة عادية لأن الوضع لا يحتمل التأخير بسبب النزيف الشديد. قبل وصولنا إلى المستشفى بقليل، سمعت أصوات سيارات إسعاف كثيرة وضجيجاً، فسألت عن السبب، فأخبروني أن جميع أجهزة الاستدعاء انفجرت، وليس جهازي فقط. حملوني مسافة 200-300 متر تقريباً على الأكتاف لإيصالي إلى المستشفى بسبب الازدحام الشديد.
المشهد الكارثي داخل المستشفى
عندما وصلنا، كان الجو كارثياً جداً، وكان هناك ضغط وضجيج قوي من الأهالي أكثر من الجرحى أنفسهم. لا أتذكر أن أحداً من الجرحى كان يتأوه أو ينادي أو يتساءل عما حدث أو يتذمر. معظم الجرحى الموجودين، إن لم يكن جميعهم، كانوا ينادون "يا زهراء" و"يا صاحب الزمان"، وكان هناك جو من السكينة والطمأنينة بين الجرحى بشكل كبير جداً.
وأما المحور الثاني فهي شهادة صديقه علي حسين حيث كان في الشارع لحظة الانفجارات، وشاهد الفوضى والهلع، ثم علم أن الشيخ مصطفى من بين المصابين.
يصف المشاهد في المستشفى: الدماء، الجرحى الذين فقدوا عيونهم، والارتباك الشديد بين الأهالي.ويؤكد أن الشيخ تعامل مع إصابته بروح صبر وإيمان نادرة، وحوّل البلاء إلى فرصة للنهوض والإنجاز.
ويقول صديقه: أنا علي حسين، صديق الشيخ مصطفى. في 17 سبتمبر، كنت في الشارع على الدراجة النارية، ورأيت أشخاصاً على الأرض وتجمعات من الناس. في البداية لم نفهم ما يحدث، واعتقدنا أنها مشاكل أو أن شخصاً قد أصيب. بدأ الناس يقولون إن شخصاً أصيب، وبعضهم نظر إلى السماء ظناً أن طائرات مسيّرة تقصف، لكننا أدركنا أن هناك شيئاً غير طبيعي.
عندما وصلت إلى شخص ملقى على الأرض، سألت عن القصة، فأخبروني أن جهاز الاستدعاء الذي يحمله انفجر عندما وصلته رسالة. بناءً على الإصابات التي رأيتها في الشارع، فهمت أن أجهزة استدعاء أخرى تنفجر. لأنني أعرف أن الشيخ مصطفى يحمل جهاز استدعاء من النوع الجديد، اتصلت به على الهاتف المحمول فلم يجب. حاولت الاتصال ببعض الأصدقاء فلم يجيبوا. عاودت الاتصال بزوجته، ومن نبرة صوتها أدركت أن الشيخ قد أصيب، رغم أنها لم تكن معه في المنزل.
توجهت مباشرة إلى المستشفى. لم نكن نعرف إلى أي مستشفى سيُنقل المصابون، لكن المستشفيات في صور قريبة من بعضها البعض، فذهبنا إلى مستشفى جبل عامل أولاً. كان المشهد مهيباً وكارثياً: جرحى على الأرض، فوضى وضجيج. بدأنا نبحث لأن المستشفى أصبح يشبه ساحة معركة.
شاهد أيضا.. من بيروت إلى طهران.. رحلة ألم وصمود"نرجس"بعد إنفجار البيجر!
وأثناء بحثي عن الشيخ، رأيت عشرات الشباب الذين نعرفهم، حتى أن بعضهم لم نتعرف عليهم إلا من أقاربهم بسبب تغير ملامحهم: دماء على الوجه، وعيون مفقودة. عندما وصلت إلى الشيخ في الغرفة التي يرقد فيها، وجدته وقد ضُمدت عيناه ويده. كانت لحظات مهيبة جداً لا تُمحى من الذاكرة، لا على مستوى الخيال ولا على مستوى الوجدان.
استطاع الشيخ أن يحوّل هذا البلاء إلى فرصة. حتى في الأحاديث الجانبية، اتخذ خطوات لم يكن ليتخذها لولا الإصابة. منذ اللحظات الأولى، أدرك أن حياته تغيرت، لكنها لن تتوقف عند الإصابة. بل حوّل هذا البلاء وهذه الإصابة إلى فرصة حقق فيها، وإن شاء الله سيحقق، إنجازات ما كان من الممكن تحقيقها لولا الإصابة.
يقول الشيخ: "ظروف الحياة تتغير، لكن غاية الحياة لا تتغير، والهدف من الحياة لا يتغير." لذلك، الإنجاز الكبير الذي حققه الشيخ هو أنه رغم تغير الظروف، بقي الهدف نفسه والغاية واحدة.
التفاصيل في الفيديو المرفق ...