فما يجري اليوم في شوارع مدن بعيدة عن الشرق الأوسط ليس معزولا عن مشاهد القتل والحصار والتدمير التي تبث يوميا من غزة، ولا عن الخطاب التحريضي الذي تتبناه حكومة كيان الاحتلال.
لقد أسهم نتنياهو، بشكل مباشر، في تسييس الهوية الدينية وتحويل الصراع من كونه قضية احتلال وحقوق مسلوبة إلى مواجهة ذات طابع ديني، عبر الإصرار على ربط حربه باليهودية، وتقديمها على أنها حرب"وجودية" باسم اليهود في كل مكان.
هذا النهج لم يؤد فقط إلى تشويه طبيعة الصراع، بل خلق بيئة عالمية مشحونة تنتج كراهية متبادلة، يدفع ثمنها أبرياء لا علاقة لهم بسياسات الاحتلال.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن تجاهل أن حكومة نتنياهو تحسن استثمار مثل هذه الحوادث، سواء كانت تلقائية أو جرى تضخيمها إعلاميا، في خدمة أجندتها السياسية والأمنية.
فكل حادث عنف يقدَم بوصفه"معاداة للسامية" أو"إرهابا دينيا" يوفر لنتنياهو ذخيرة إضافية لتكريس خطاب الإسلاموفوبيا في الغرب، وتبرير استمرار المجازر في غزة ولبنان، وتحويل الأنظار عن جوهر القضية: الاحتلال والعدوان المستمر.
بهذا المعنى، يصبح نتنياهو عاملا مزدوجا في صناعة الكراهية: فهو من جهة، المسؤول الأول عن السياسات التي تثير الغضب العالمي وتدفع نحو ردود فعل عنيفة، وهو من جهة أخرى المستفيد السياسي من هذه الردود، إذ يستخدمها لتوسيع دائرة القتل، وإسكات الأصوات المتضامنة مع الفلسطينيين، وترسيخ معادلة زائفة تربط الإسلام بالعنف، وتمنح كيان الاحتلال غطاء أخلاقيا زائفا.
إن واقعة سيدني، في هذا الإطار، ليست مجرد حادث أمني محلي، بل انعكاس مباشر لسياسات نتنياهو القائمة على تصدير الأزمة، وتغذية الخوف، وتحويل الدم الفلسطيني إلى أداة لإعادة تشكيل الرأي العام العالمي.
والنتيجة النهائية واحدة: عالم أكثر استقطابا، وأقل أمانا، يدفع ثمنه الأبرياء، بينما يواصل نتنياهو وحكومته الاستثمار في الفوضى.
رئيس التحرير