“جبهة النصرة” أو الغائب الحاضر في مراكش

“جبهة النصرة” أو الغائب الحاضر في مراكش
الجمعة ٢١ ديسمبر ٢٠١٢ - ٠٨:٣٤ بتوقيت غرينتش

لم تنجح التصريحات المنسوبة إلى وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بشأن رحيل الرئيس السوري بشار الأسد في إبعاد الأنظار كثيرا عن موضوع «جبهة النصرة» الذي غطى بثقله على اجتماع «أصدقاء الشعب السوري» في مراكش.

استبق الإخواني فاروق طيفور جلسات المؤتمر بالقول إن قرار الإدارة الأميركية بتصنيف «جبهة النصرة» تنظيماً إرهابياً يُعتبر قراراً خاطئاً ومتسرعاً، وتبع ذلك كلمة رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد معاذ الخطيب أمام المؤتمر، وطالب فيها الإدارة الأميركية بإعادة النظر في قرارها ذاك. بعدها بدأت تصريحات التأييد لـ«جبهة النصرة»، وخاصة من الأسماء غير الإسلامية في «الائتلاف».
لم يعد سراً أن دخول المعارضة المسلحة مدينة حلب كان بتنسيق بين «جبهة النصرة» و«لواء التوحيد»، الذي يعتبر نفسه جزءاً من «الجيش الحر»، في شمال سوريا. وبالرغم من أن اللون الإسلامي لـ«التوحيد» معروف، إلا أن تكوين اللواء حصراً من السوريين لم يضعه في مكانة «جبهة النصرة» المكونة أساساً من المقاتلين الأجانب، والخاضعة لأمير يعيّن من خارج سوريا.
شكلت «جبهة النصرة»، منذ بيان 23 كانون الأول العام 2011 بعد عمليتها الأولى في دمشق، لغزاً كبيراً للمعارضة المسلحة ومعارضة الخارج. وما زالت تصريحات أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري، التي تعتبر هذا التنظيم صنيعة للاستخبارات السورية لتشويه صورة «الجيش الحرّ»، تملأ صفحات الانترنت.
ولم تمتنع قناة «العربية»، المموّلة سعودياً، من تقديم وثائق، ثبت لاحقا أنها مزورة، تنسب إلى الاستخبارات السورية العمليات الأولى التي قامت بها «جبهة النصرة». وكان المدافعون السوريون عن حقوق الإنسان أول من تحدث بجدية عن طبيعة «جبهة النصرة» وإلغاء تنظيم «القاعدة» لفتواه القديمة باعتبار سوريا «أرض ممر» (للعراق) لتصبح «أرض مقر»، وكيف تحول هذا التنظيم إلى واحد من أكثر التنظيمات جذبا للجهاديين الأجانب القادمين للجهاد ضد العلمانية والنصيرية والرافضة. وبعد أقل من شهر، أكد لنا مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدد مقاتلي الجبهة قد جاوز الثلاثمئة، ولكن يمكننا اليوم ببساطة مضاعفة الرقم أكثر من عشر مرات في ما يخص الأجانب فقط.
منذ شهر كانون الثاني الماضي، والمدافعون عن حقوق الإنسان و«هيئة التنسيق الوطنية» يطالبون الحكومة التركية بوقف السماح لدخول المقاتلين الأجانب لأنهم يحملون فيروس الكراهية المذهبية والعنف الأعمى ولا يحترمون القانون الدولي الإنساني، خاصة أن وجودهم يسهم في إجهاض المشروع الديموقراطي ويستهدف جماعات بشرية بسبب انتمائها المذهبي والديني بغض النظر عن موقف هذه الجماعات من النظام السياسي. وفي تونس في شباط الماضي جاء في بيان المجلس الوطني السوري ان «الشعب السوري يرفض كل محاولات استغلال الانتفاضة من قبل الجهاديين الأجانب والمقاتلين الطائفيين. ويُطالب المجلس الوطني السوري «أصدقاء سوريا» بمساعدة دول الجوار على حماية حدودها البرية مع سوريا لوقف تدفق المقاتلين الأجانب غير المرغوب فيهم، ويطالب أيضاً «ائتلاف أصدقاء سوريا» بالمساعدة بتأمين الحدود البحرية من تسلل المقاتلين والأسلحة».
تتعرض «جبهة النصرة» مذهبيا وتكفيريا لغير السنة من دون تمييز، لكنها أيضا استهدفت في عملياتها كل أجهزة الدولة. وفي هذه الاستراتيجية العسكرية تكمن نقاط التلاقي الأساسية بين حركة «الإخوان المسلمين» والجهادية السلفية السورية اللتين تلتقيان مع «جبهة النصرة» في هدف واحد يرفض الفصل بين النظام السياسي والدولة. فمنذ صدور القانون 49 في العام 1980، الذي يحكم على أي منتسب لحركة «الإخوان المسلمين» بالإعدام، لم يعد هناك أي وجود فعلي للحركة في أجهزة الدولة، بل داخل سوريا. من هنا تعتبر الحركة الإسلامية السياسية السورية الدولة السورية دولة غريبة عنها، وإن كان العاملون في مؤسساتها مع عائلاتهم يغطون قرابة ثمانية ملايين سوري. وقد كانت شعارات «الإخوان المسلمين» مبكراً تستهدف المؤسسة العسكرية باعتبارها جيش الأسد، وبهذا تقاطعت مع «جبهة النصرة» التي اعتبرته جيشا نصيريا. هذا التقاطع في التصور والبرنامج كان وراء عزوف الأقليات والعلمانيين السوريين عن الجماعات المسلحة التي اتخذت لونا مذهبيا سنيا وإيديولوجيا إسلاميا بوضوح. فيما همّش دور العلمانيين الديموقراطيين وأعطى الصدارة في التمويل والعمل المسلح للاتجاهات الإسلامية على اختلافها.
لم يستوقف هذا الانحراف الخطير أي طرف من أطراف دعم المعارضة المسلحة، فقد اعتبرت دول الخليج " الفارسي" الأسلمة وقاية لها من احتمالات تجربة ديموقراطية في سوريا تشكل خطرا حقيقيا على نظامها السياسي القرون وسطي. في حين اعتبرت حكومة أردوغان هذه الأسلمة تهميشا ضروريا للقوى العلمانية داخل تركيا كذلك في سوريا وعزلا للقوى السياسية الكردية السورية. أما الدول الغربية فاكتفت بمراقبة المشهد مع التركيز على أن الأساس هو إسقاط النظام السوري.
لم يلبث التحالف الإسلامي ـ الليبرالي المحافظ الذي عبّر عنه المجلس الوطني السوري أن اصطدم بالوجود الكمي والنوعي للمقاتلين الأجانب، فلم يتوانَ عن التعاون المالي والعسكري معهم، وكذلك فعلت قيادات الجماعات المسلحة المختلفة في شمال سوريا. ورغم كل الوعود التي قطعت للوفد الأميركي في تونس بالقطيعة والمواجهة مع الجهاديين الأجانب، كان التنسيق قائما في الميدان، لتتفق أطراف ائتلاف الدوحة على اعتبار كل من يقاتل لإسقاط النظام جزءاً من الثوار والثورة. وأن أية مواجهة بين السوريين والأجانب، الجهاديين والمنشقين الوطنيين، تصب بالضرورة في خدمة النظام السوري.
وجد نائب وزيرة الخارجية الأميركية وليام بيرنز نفسه معزولا في مراكش لتصنيف إدارته لـ«جبهة النصرة» تنظيما إرهابيا، فقد التزم البريطانيون والفرنسيون الصمت، ولم ينبس الاتحاد الأوروبي، حامل جائزة نوبل للسلام هذا العام، ببنت شفة حول «جبهة النصرة» وممارساتها في سوريا.
ما لم يتوقف عنده المجتمعون في مراكش، هو أن هذا التوجه خلق حالة رعب حقيقية في الأوساط الشعبية في سوريا، وخفف من الحماسة في أوساط واسعة للمعارضة المسلحة. فـ«جبهة النصرة» المقبولة في الأوساط الجهادية والتكفيرية مرفوضة من الأغلبية الساحقة من الناس، ومواجهة الجيش السوري لهؤلاء الأجانب تعيد الاعتبار له، ليس بوصفه القامع للحركة الشعبية كما كان الحال منذ دخوله درعا ونوى في نيسان العام 2011، بل الضامن لوحدة البلاد وتماسك النسيج المجتمعي فيها باعتبار هذا التحالف بين الجهاديين الأجانب والسوريين يحمل كل مخاطر تمزيق البلاد والتطرف الديني والحرب المذهبية الطويلة الأمد واضطهاد الأقليات والجماعات المدنية على اختلافها.
هل هي سكرة النصر العسكري المنتظر بين أسبوع وآخر، كما يبشر المشاركون في مؤتمر مراكش، أم هي طعنة إضافية توجه للحل السياسي الذي يحاول الأخضر الإبراهيمي ابتكاره بمساعدة أميركية – روسية؟ الجواب لن يأتي من المؤتمرات، بل ستقرره المعارك الدائرة على الأرض والتي في حال عدم توقفها وتراجع العنف، ستستمر طويلا، حتى بعد سقوط النظام.
*هيثم مناع

كلمات دليلية :