لا حُكم في مصر إلا لصناديق الاقتراع

لا حُكم في مصر إلا لصناديق الاقتراع
الثلاثاء ٠٢ يوليو ٢٠١٣ - ٠٩:٢٨ بتوقيت غرينتش

الساعات المقبلة ، هي التي ستحدد طبيعة المنحى الذي ستتخذه الازمة التي تعصف بمصر منذ اكثر من عام ، لاسيما بعد التحذير الذي اطلقه الجيش المصري أمس ، والذي امهل القوى السياسية المصرية الممثلة بالحكومة والمعارضة ، مدة 48 ساعة للاتفاق على مخرج للازمة وإلا سيعلن الجيش من جانبه عن خارطة طريق للمستقبل.

لاشك ان مفتاح حل الازمة او التقليل من حدتها هو الان بيد الرئيس مرسي والاخوان المسلمين والفصائل المتحالف معهم ، الذين تأخذ عليهم المعارضة استئثارهم بالسلطة منذ ان تولى الرئيس مرسي الحكم في اول انتخابات حرة تشهدها مصر بعد انتصار ثورة 25 يناير 2011.
المراقبون للمشهد السياسي في مصر يرون ان من الحكمة ان يصغي مرسي الى صوت الشعب الذي نزل الى الشاعر في الثلاثين من يونيو بشكل اذهل الجميع  ، والا يختفي وراء مقولة الشرعية والدستور قبل فوات الاوان .
ان صوت العقل لدى الاخوان المسلمين والمتحالفين معهم لابد ان يعلو رغم كل الضجيج وان يرجحوا مصلحة مصر على المصلحة الحزبية الضيقة التي قد تأخذ البلاد الى ما لايحمد عقباه .
الحقيقة ان الاصغاء الى صوت العقل لدى الحكومة في مصر لترجيح المصلحة المصرية العليا ، لن يكون بكل حال من الاحوال تنازلا وتضحية وإيثارا من قبل الاخوان المسلمين لصالح معارضيهم ، فهم  يعرفون قبل غيرهم ان الشرعية التي يرفعون لواءها ، ليست بالاتساع الذين يمكن ان يستظلون بها ، اما الانجازات التي يتم الحديث عنها والتي قيل ان حكومة مرسي حققتها على مدى العام فهي ايضا تكشف اكثر من  ان تسترالاداء الضعيف للحكومة على الصعد الاقتصادية و السياسية والاجتماعية.
الجميع يعرف وفي مقدمتهم الاخوان المسلمون ، الظروف التي احاطت بالانتخابات الى اوصلت مرسي الى رئاسة البلاد ، فالرجل لم يصل بأغلبية مريحة ليتمترس اليوم خلفها امام معارضية والشعب المصري الذي نزل بالملايين الى الميادين والشوارع.


اذا اردنا ان نعود بالذاكرة الى ما قبل عام من الان ونستذكر اعلان اللجنة الإنتخابية العليا التي اعلنت فوز مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي بالرئاسة المصرية ، سنرى انه تقدم على منافسه أحمد شفيق بحصوله على 51,73 بالمئة من اصوات المقترعين. من إجمالي عدد الناخبين المقيدين هو 50 مليونا و958 الفا و794 ناخبا، وإجمالي الذين أدلوا باصواتهم بلغ 26 مليونا و420 الفا و763 ناخبا ، وقد حصل المرشح أحمد شفيق على 12 مليونا و347 الفا و380 صوتاً بنسبة 48,27%، بينما حاز محمد مرسي على 13 مليونا و230 الفا و131 صوتاً بنسبة 51,73 بالمئة من الناخبين.
لو اردنا استنطاق هذه الارقام لقالت ، ان ما حصل عليه مرسي من اصوات ليست في اغلبها من محازبيه وانصاره ، فهناك الكثيرون وهم بالملايين منحوه اصواتهم خوفا من صعود شفيق الذي كان ينظر اليه على انه رجل النظام السابق ، كما ان الاصوات التي حصل عليها شفيق في اغلبها لم تكن له ايضا ، فالكثيرون منحوه اصواتهم خوفا من صعود الاخوان المسلمين ، هذا لو امعنا في فارق الاصوات التي فاز بها مرسي ، فهي ضئيلة بالنسبة لانتخابات كان ينظر اليها على انها مصيرية تنقل مصر من حقبة مبارك الى حقبة جديدة.


لو تجاوزنا "ازمة" الانتخابات سنواجه ازمات اخرى كأزمة كتابة الدستور والاعلان الدستوري وتشكيل الحكومة وما نزل بساحة القضاء ، وكذلك مآخذ المعارضة على حكومة مرسي وتبدأ بعدم وفائها بعهودها ، وارتفاع منسوب الخطاب الطائفي والتكفيري في المجتمع المصري الامر الذي ادى الى وقوع جرائم طائفية بشعة كانت اخرها جريمة قتل الشهيد الشيخ حسن شحاته وثلاثة اخرين والتمثيل بجثثهم لا لجريرة ارتكبوها الا لكونهم من اتباع اهل البيت عليهم السلام ، ومروا بفشلها في ادارة الملف الاقتصادي حيث تقلصت عائدات السياحة والاستثمارات الاجنبية وافلت التضخم من عقاله وشح البنزين والسولار وانقطاع المتكرر للكهرباء ، وانتهاء بالانتكاسات التي واجهت السياسة المصرية على الصعيدين العربي والاقليمي ، والتي كانت نتيجة طبيعية لعدم قدرة عن مرسي من التحرر من السياسة العامة للاخوان المسلمين التي كان مضطرا لتنفيذها انطلاق من عالمية هذا التنظيم.


امام كل هذه الحقائق واخرها جمع حركة تمرد لاكثر من 22 مليون توقيع تطالب الرئيس مرسي بالرحيل بالاضافة الى التواجد الدائم والمستمر للشعب في الساحات والشوارع والذي شل الحياة كليا في مصر والذي فسح المجال امام المندسين لارباك المشهد برمته بعد مقتل 16 شخصا واصابة اكثر من 700  اخرين بجروح ، وكذلك التحذير الاخير للجيش لجميع القوى السياسة لدفعها للاتفاق على صيغة تنقذ البلاد من السقوط في اتون الحرب الاهلية والفوضى ، امام كل هذه الحقائق الا تستحق مصر من يراجع الرئيس محمد مرسي حساباته وينزل عند حكم صناديق الاقتراع عبر الدعوة الى انتخابات مبكرة ، وهو امرلايعني ان الحياة وصلت الى اخر مطافها ، بل على العكس ستكون الانتخابات حجة على الجميع بدون استثناء ، على من يستقوي بالشارع وعلى من يستقوي بالشرعية ، قبل ان يفوت الاوان وعندها لن تكون هناك شوارع ولاشرعية ، عدا الفوضى التي تضرب باطنابها في ارض الكنانة وهو مصير كارثي لا تستحقها مصر واهلها.

* ماجد حاتمي