هل تدرك السعودية استحالة مهمتها في سوريا؟

هل تدرك السعودية استحالة مهمتها في سوريا؟
الإثنين ٢٢ يوليو ٢٠١٣ - ٠٨:٤٢ بتوقيت غرينتش

قبل عدة اشهر و عندما بلغ العدوان على سوريا اوجه على كل الصعد ، كانت قيادة العدوان الصهيو-اميركي واثقة من تحقيق اهداف عدوانها على سوريا، اذ كيف لا تكون وقد حشدت خلفها دعما سياسيا ناهز الـ 133 دولة جمعت بالترغيب والترهيب الاميركي - الخليجي، ثم حشد في الميدان ما يربو على الـ 150 الف مسلح جيء بهم من اربع رياح الارض، وسخر للعدوان كل ما يمكن من حرب نفسية و تهويل اعلامي وحصار اقتصادي و محاولة عزل سياسي لسوريا و حلفائها..‏

ورغم ذلك كانت احلام اميركا وما يتبعها، تتكسر المرة تلو المرة من دمشق الى حلب ثم عودة الى دمشق و منها الى القصير ثم عودة الى الجنوب و تيه في الصحراء.. كل ذلك لم يمكّن المعتدي من تحقيق ما يصبو اليه من نصر سياسي واستراتيجي، ولم يحصد في عدوانه الا التدمير والقتل للشعب السوري الذي ادعى كذبا انه جاء من اجله، وهو حصاد سيضيف الى تاريخ اميركا الاسود في حقوق الانسان والتعامل مع الدول والشعوب فصلا جديدا يبز فظاعة ما كان قد كتب فيه.‏
 

لقد اخفقت اميركا اذن طيلة نيف و 26 شهرا من الوصول الى جوهر ما تريد في سوريا ،الامر الذي ادخلها في الشهرين الاخيرين في حالة تخبط و ارتباك حيث بدت حائرة بين احد موقفين: اما ان تعترف بواقع الحال و تتجه الى حل يخرجها من الميدان مع شيء من ماء الوجه، او تستأنف العدوان بمغامرة جديدة تنفذها مع تغيير في الخطط و الادوات من اجل استنقاذ المشروع.. وبين الامرين اختارت اميركا – عندما وجدت المتطوع للتنفيذ – اختارت الحل الثاني واعلنت انطلاقها تحت عنوان "اعادة التوازن قبل الحل "وبدأ ما اسميناه" المرحلة السعودية من العدوان على سوريا.‏
والان وبعد ان اندفعت السعودية لتنفيذ هذا الدور ضد سوريا و محور المقاومة فقد بات عليها ان تواجه اسئلة كبيرة منها: هل ان السعودية قادرة على الانجاز وفي الواقع المتشكل سورياً واقليميا بعد ان فشل الاخرون وفي ظروف افضل؟ ثم هل تدرك السعودية الثمن الذي عليها ان تدفعه عند الفشل كما دفع و سيدفع الاخرون؟ خاصة وانه كان على السعودية ان تدرك ان التغير في موازين القوى ليس لمصلحتها مطلقا، وانه عندما كان التحشيد بالحجم الذي ذكرناه اعلاه لم يحقق العدوان على سوريا مبتغاه الاول، فهل يعقل بعد كل التصدع والتراجع والتفكك والوهن الذي اصاب مكونات المشروع ان يحقق النجاح المطلوب ويكفي هنا ان نذكر بالتالي:‏


1:في البدء كانت اميركا تهدد بمجلس الامن وتامر بالمجازر من اجل الاستثمار في تلك المؤسسة لصالح المشروع، اما اليوم فقد تغير العالم ولم يعد احد يتحدث عن مجلس امن اميركا بعد اقفاله بالفيتو المزدوج الروسي الصيني، والامر ذاته حصل للجامعة العربية وطرد القطري رئيس لجنة ادارة العدوان شر طردة.‏
2:كانت اميركا قد حشدت 133 دولة خلفها في الجمعية العمومية و في مؤتمر ما اسمي زورا بانه "اصدقاء سوريا" وهولت عبر تلك الاجتماعات بقرارات وتهديدات تبدأ و لا تنتهي ، اما اليوم فقد تراجع الجمع الى اقل من 11 دولة و تخطى المدافع موجات العربدة والتهويل وصمد في مواقعه هازئا بما كان يجري وبالتالي لم يعد لهذا السبيل اهمية تذكر.‏
3: سابقا كان التهويل العدواني بالمناطق الامنة و الحظر الجوي و الممرات الانسانية و... و....، عنوانا رئيسيا للحرب النفسية اما اليوم فان اميركا ذاتها تعلن أن كل هذه الأمور غير قابلة للتطبيق في سوريا فـ "الوضع معقد "- على حد قول كيري وبعد ان عهد الى السعودية بالملف - ويحول دون اللجوء الى شيء منها.‏
4 :منذ اقل من شهرين وفي سلوك فاجر وقح جاهرت دول الغرب بنيتها تسليح المعارضة بالسلاح النوعي المتطور واستعدادها تدريب الارهابيين – بعد ان اجرت تمييزا مثيرا للسخرية بين متطرف ومعتدل – واما اليوم فتراجعت فرنسا وبريطانيا صراحة عن هذا الالتزام ، وبدأت اميركا تبدي الصعوبات والتبريرات لعدم التنفيذ ، نقول هذا فقط للتدليل على شان معنوي ونحن نعرف ان تسليح الارهابيين كان قائما قبل الاعلان وسيستمر بصورة او اخرى بعده ولكن للاعلان عن التراجع عن التسليح وقع لا يقل اهمية عن التسليح الفعلي ذاته.‏
5: قبل شهر من الان كان "الاخوان المسلمون" قد وصلوا إلى قناعة بان هلالهم من افريقيا الى أوروبا عبر آسيا ( انطلاقا من تونس و ليبيا الى مصر و منها الى تركيا عبر غزة والاردن وسوريا ) قد بات في مراحل تشكله الاخيرة وان سوريا وحدها تقاوم، و انهم بالدعم و الاسناد والتحشيد الدولي واثقون من اسقاط هذه العقبة، اما اليوم فقد انقلب الوضع وبات الاخوان في مواقع دفاعية ملاحقين في مصر ويترنحون في تونس ويائسون في الاردن و خائفون من مستقبل اسود في تركيا، وفاقدون للقرار والسيطرة على ما ركبته اميركا لهم تحت تسمية " الائتلاف الوطني السوري"... اي بعد ان كان الاخوان رافعة اساسية لمشروع العدوان باتوا عبئا عليه لا يمكن ان يعول عليهم بدور فاعل يعتد به.‏
  6: قبل اشهر كانت الجماعات الارهابية العاملة في سوريا تظهر – على الاقل كما تصرح – انها متعاونة تنسق فيما بينها من اجل نجاح مشروعها الصهيواميركي ، اما اليوم فقد انقلب المشهد واعلنت جبهة النصرة – الفرع السوري للتنظيم الارهابي الشهير باسم القاعدة التي انشأتها اميركا ولا زالت تحتضنها - اعلنت ان ما يسمى "جيش سوري حر" (و هو ما تتظاهر السعودية بأنها تعول عليه ) هو "جيش كافر ينبغي قتاله"، وبدأت بالفعل بذلك عبر ملاحقة عناصره. ثم اضيف الى الصراع بين المسلحين ما يحصل بين الجماعات الكردية وعصابات جبهة النصرة، ما يعني ان جسم الجماعات الارهابية تحول من ترابط ما (ولا نقول تماسك لانه لم يكن يوما كذلك) الى صراع علني مدمر، وطبيعة الحال ان جسما كهذا لا يمكن ان يمسك ارضا او ينجز هدفا.‏
7: قبل شهرين كان لبنان يشكل جسر عبور رئيسي لامداد الجماعات المسلحة بكل ما يلزم من عديد و عتاد وصل الى حد تأمين 40% من احتياجاتها عبره، اما اليوم و بعد ان اخرج الارهابيون من القصير و منطقتها ونشر الامن الشرعي الرسمي السوري فيها، بهذا تعطلت ورقة لبنان، ولن يغير في الحال هذه الحركات اليائسة التي تقوم بها جماعات ترتبط بالمدير الميداني الجديد لمشروع العدوان على سوريا، عبر متفجرة هنا او ناسفة هناك او تلويح بعزل حزب الله عن الحياة السياسية والحكم في لبنان، فكل هذه الحركات والتحركات واهنة عديمة الاثر واعتقد ان اصحابها يدركون ذلك او عليهم ان يدركوه.‏
   8 : واخيرا و حتى لا استرسل اكثر، وباطلالة سريعة على خريطة الوجود الميداني للجماعات الارهابية وقدراتهم، فنجد ان اندحارهم امام الجيش العربي السوري والقوات الرديفة كان مذهلا خلال الاشهر الاربعة الماضية فتقلص وجودهم الى الثلث مما كان عليه قبل اشهر ثم انهم دخلوا في مشهد المناطق المحاصرة او المقطعة الاوصال وفقدوا ما كانوا يرددونه من قدرة على الهجوم على دمشق مثلا او قطع طريق دولي او محاصرة مدينة اساسية الخ...‏


هذا غيض من فيض ما كان قائما لمصلحة العدوان قبل اشهر، وتغير اليوم ليكون في تراجع على كل الصعد وعلى العاقل ان يسأل: اذا كان العدوان عجز عن تحقيق اهدافه عندما كانت ظروفه افضل بكثير من اليوم، فهل بامكانه بعد هذا الترهل و تشرذم القوى و تنازعها ان يحقق ما عجز عنه؟‏
سيكون الجواب حتما لا وكان على السعودية و قبل ان تتنطح للقيادة الميدانية ان تدرس هذا قبل ان تقدم على الالتزام به ، اما اميركا فاعتقد انها على بينة من الامر ورغم ذلك اوكلت الى السعودية هذه المهمة المستحيلة وهنا يكون السؤال لماذا فعلت؟.‏
طبعا لا يمكن ان نقول بان اميركا وبعد سقوط "هلال الاخوان" وفشل مشروعهم ، استدارت الى هلال الوهابيين لاحلاله مكانهم، اذ ليس للوهابية السعودية القدرة على مسك مصر مهما غالت في الدعم المالي والاحتضان الاعلامي والسياسي لثورة 30 يونيو، كما انها غير قادرة على تطويع تركيا و الحاق انقرة بالرياض، وكذلك فان تعطيلها للحركة السياسية في لبنان ولمؤسساته وترويج فكرة الامن المتصدع فيها لن يمكنها من استعادة السيطرة على لبنان او الاستفراد بحكومته، حتى الاردن يبقى لديه من المكونات ما يمنعه من الالتحاق كليا بالسعودية. وهنا نعود الى السؤال لماذا تم التكليف و لماذا تم القبول به؟‏
في نظرة الى المراحل الاولى من العدوان ونتائجها نجد، ان اميركا بعد الفشل وموجات الخيبة المتلاحقة لاكثر من عامين لجأت الى تغيير في القيادة الميدانية صاحبته مع تغيير اصاب خلية الحكم في قطر، وموقع خلية الحكم في تركيا وحجمها في المشروع، هنا نسأل هل ان اميركا اعدت للسعودية مشروعا من طبيعة مماثلة وستلجأ الى تطبيقه بعد ان تجعل التيار المكلف بالتنفيذ يلمس عجزه و فشله الاكيد؟ وهل تعلم السعودية ان ما ينتظرها من فشل اكيد قد يكون استدعاء للازمة الى الداخل السعودي من اجل السير الاميركي قدما بمشروع التفتيت المعد للمنطقة؟‏
ان سوريا ماضية في معركتها الدفاعية واثقة من الانتصار الاكيد فيها، ثقة تتعزز يوما بعد يوم حتى بلغت درجة اليقين، وبالتالي فانها لن تعبأ بمن استقال او اقيل او تطوع لادارة العدوان عليها فمن أُدخل لن يكون افضل حظا ممن أُخرج، ويبقى على السعودية ان تدرك حجم المخاطر التي تتهددها بعد ان يعلن اخفاقها قريبا ..‏


بقلم: د.أمين حطيط