يوم القدس العالمي وزمن الشعوب

يوم القدس العالمي وزمن الشعوب
الثلاثاء ٣٠ يوليو ٢٠١٣ - ٠٦:٣٢ بتوقيت غرينتش

كان الامام الخميني(قدس سره الشريف) في منتصف العقد الرابع من عمره حين تداعى الى سمعه نبأ استشهاد الشيخ عز الدين القسام وهو في سن الرابعة والستين عاما ، ومعه عشرة من المجاهدين، خلال معركة غير متكافئة بجبال "يعبد" التابعة لمدينة حيفا يوم 20 تشرين الثاني 1935. وقد امتلأ امامنا الراحل شعورا طافحا بالعزة والشمم والامل الرحيب عندما علم شأنه في ذلك شأن ابناء الامة الاسلامية كافة آنذاك، باعتماد تلك الثلة الطاهرة، اسلوب الملحمة العاشورائية في مواجهة القوات البريطانية المحتلة، التي طوقت المنطقة بالمدافع والرشاشات الثقيلة وطائرات الاستطلاع، ومع ذلك فقد دامت العملية العسكرية عدة ساعات، وكان القسام العظيم وصحبه البررة قد رفضوا من قبل طلب الاعداء المحتلين ومرتزقتهم، اليهم بالاستسلام، معلنا قولته المشهورة: (اننا لن نستسلم.. ان هذا جهاد في سبيل الله والوطن).

 وسقط الشيخ الستيني البطل، مضرجا بدمه الزاكي، مدونا بصبغته الحمراء القانية، الصفحات الاولى من تاريخ الثورة من اجل تحرير فلسطين والقدس الشريف والمسجد الاقصى، مطلقا شرارة التصدي والمقاومة بوجه المستوطنين من شذاذ الآفاق الذين وعدوا – حسب وثيقة بلفور المشؤومة – بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، على حساب ابادة اهلها، وتشريدهم في اصقاع الارض.

لقد بقيت فلسطين وتضحيات ابنائها ماثلة الى الابد في ضمير الامام الراحل(طاب ثراه) وجميع العلماء والمناضلين وكان هاجس مكافحة الصهيونية واسرائيل الغاصبة يسير جنبا الى جنب مع هاجسهم للاطاحة بنظام الشاه. وحينما دك الايرانيون هذا الصرح الاستكباري، واقاموا الجمهورية الاسلامية محله، لم يترددوا لحظة واحدة في طرد سفارة العدو الصهيوني من طهران وتحويله الى سفارة لفلسطين.

اما المفاجأة الكبرى التي باغتت اسرائيل واميركا واوروبا وبعض الانظمة الاقليمية المتواطئة مع الغرب المتصهين بعد شهور قليلة من انتصار الثورة الاسلامية هو قيام الامام الخميني بتسمية الجمعة الاخيرة لشهر رمضان المبارك من كل عام يوما عالميا للقدس، ليكون يوما تعبويا وثوريا واحتجاجيا تلتقي فيه الامة الاسلامية جمعاء في مسيرات وتجمعات واعتصامات على محور التهيؤ للجهاد من اجل تحرير فلسطين، عبر توفير الاجواء المعنوية والنفسية لذلك في ظل النفحات الروحانية في هذا الشهر الفضيل.

والآن وبعد مضي اكثر من 33 عاما على اطلاق هذه الدعوة الايمانية المباركة، يشهد العالم العربي والاسلامي نهضة جماهيرية عارمة منذ ما يزيد على ستة شهور، غيرت الكثير من معالم الموزائيك السياسي والاستراتيجي بالمنطقة ، و اطاحت بانظمة معروفة بتواطؤها مع المشروع الاميركي – الصهيوني في الشرق الاوسط، وكانت سيفا مصلتا على رقاب المجاهدين من اجل تحرير الاوطان والحقوق، وكانت ايضا قوة ضاربة على أيدي  كل الذين يمنون انفسهم مقارعة اسرائيل وجرائمها الوحشية التي لايتحملها أي عقل انساني او ضمير حي في القرن الحادي والعشرين.

لقد عرف الامام الراحل(قدس سره) كيف يدير المواجهة مع الاستكبار العالمي والصهيونية البغيضة، مؤمنا بأن الدم العاشورائي الذي سرى في عروق القسام ورفاقه وحضهم على التأسي بتضحية الامام الحسين وآل البيت النبوي الشريف (عليهم السلام) في رمضاء كربلاء، يسري ايضا في شرايين بني امة المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا استثناء، ما يعني ان تحقيق النصر وازالة الغدة السرطانية "اسرائيل"، لن يكون بعيدا اذا ما عاد المسلمون حقا الى دينهم وقرآنهم وقيمهم السامية ومبادئهم الاصيلة.

وفي هذا المضمار يشير القائد السيد علي الحسيني الخامنئي (دام ظله) الى مزايا حصافة الرأي والنظرة الثاقبة والثقة بالامة في فكر الامام الخميني (قدس سره) وشخصيته قائلا: (على خلفية الاسس التي وضعها امامنا الراحل، فإن الجمهورية الاسلامية باعتبارها حدثا عصريا لانظير له احيت روح الامل في المجتمعات الاسلامية والامم غير الاسلامية، ولهذا فقد رأينا ان القوى العظمى ومنذ بداية انتصار الثورة الاسلامية في ايران وحتى يومنا هذا لم تدخر وسعا لاخماد هذا الوهج النوراني وقد حشدت طاقاتها لاطفاء جذوة هذا الامل، لكن على الرغم من كل المؤامرات، فإن مسلمي العالم ما فتئوا يتفجرون حيوية واندفاعا للالتفاف حول هذا النظام الاسلامي والاستلهام منه).

بالامس شهدنا سقوط معقل آخر من معاقل التآمر على الامة، واجتياح الشعب الليبي المجاهد العاصمة طرابلس ليستأنف تاريخه المشرق الذي عتمت عليه السياسات الخرقاء لزعيمه على مدى 42 عاما، فهل سيكون المسلمون والعرب واحرار العالم على موعد من تحرير فلسطين والمسجد الاقصى المبارك قريبا؟ للاجابة على هذا السؤال ينبغي العودة الى التراث الخالد الذي خلفته ثورة الامام الخميني العظيم، وعطاءاتها الخيرة للتيقن بان بلوغ هذا الهدف الكبير بات وشيكا ،  و لا يبعد أن يكون قاب قوسين أو ادنى من التحقق ان شاء الله تعالى.

* حميد حلمي زادة

كلمات دليلية :