تركيا والأوهام المريضة

تركيا والأوهام المريضة
الثلاثاء ٠٦ أغسطس ٢٠١٣ - ٠٦:٠٣ بتوقيت غرينتش

أعاد رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان المشكلات والأحداث التي تحصل في سوريا والعراق ومصر و . . .تركيا إلى مؤامرة خارجية تشارك فيها قوى تريد تقسيم المنطقة وتفتيتها . وقال أردوغان إن القوى الكبرى لا تريد أن ترى تركيا كبيرة وقوية لذا تعمل على عرقلة تقدمها .

أما مستشار أردوغان الدكتور ابراهيم قالين فرأى أن العرب أثبتوا أهليتهم للممارسة الديمقراطية، لكن الغرب لا يريد إنجاح هذه العملية وتحكمه النظرة الاستشراقية إلى أن المسلمين لا يصلحون للممارسة الديمقراطية .

يحكم هاتين النظرتين منطق واحد وهو أن التطورات في المنطقة ولا سيما في مصر ليست لدوافع داخلية بل بتحريض من الخارج .

ومع أن هذا المنطق قابل ليكون حقيقة في أكثر من قضية، فإن دوافع الخطاب الأردوغاني الجديد لا تنفصل عن التحديات التي تواجهها سلطته منذ اندلاع أحداث ساحة تقسيم وحديقة غيزي في نهاية أيار/مايو الماضي .

وتحمل النظرة الجديدة لقادة حزب العدالة والتنمية في داخلها تناقضات وازدواجية  وتضليلاً .

ذلك أن النظرة المبدئية لسلطة حزب العدالة والتنمية هي أن ما جرى في ماسمّي بالربيع العربي إنما هو- وفقاً لوزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو- “دفق تاريخي” وحتمية كان لابد منها لتتقدم شعوب المنطقة . وفي توصيف الوزير أن التاريخ يقف إلى جانب حركة الشعوب . ولكن عندما انتقلت التوترات من المنطقة إلى الداخل التركي وحدثت “انتفاضة تقسيم” كان التوصيف الرسمي التركي بأن القائمين بها هم مجموعة من اللصوص والرعاع الذين تحركهم مؤامرة خارجية . فغابت نظرية “الدفق التاريخي” والحتمية البشرية لتحل محلها اللغة الخشبية المعهودة في العالم الثالث من أن ما يجري هو مؤامرة خارجية .

وإذ يتهم أردوغان الخارج بالتدخل في الشؤون المصرية تحديداً والتركية، فإنه يتجاهل أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى كان ولايزال ديدن السياسة الخارجية التركية . ويقول وزير الخارجية التركي السابق ياشار ياقيش إن اتخاذ تركيا موقفاً منحازاً لطرف دون آخر في دول المنطقة هو خطأ .

والخطأ الأكبر الذي ارتكبته تركيا حتى الآن كان الوضع في مصر بعد عزل الرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين عن السلطة . عندما بدأت ثورة 25 يناير مارس أردوغان دور الوصي على المصريين ودعا الرئيس السابق حسني مبارك إلى التنحي . بينما عندما خرجت الملايين في ثورة 30 يونيو لم ير سوى أن شرعية السلطة لمحمد مرسي قد قُتلت . عين ترى الملايين سابقا ولاتراها الآن . وأكثر من ذلك انخرطت مصر في الصراع الداخلي المصري بالتحريضات اليومية لمقاومة ما أسمته “انقلاب” الفريق أول عبدالفتاح السيسي . بل إن أردوغان قال إن المتظاهرين في رابعة العدوية لن يغادروه إلى أن يعود مرسي إلى الرئاسة .

اتهامات أردوغان للخارج في احداث مصر وتركيا تعكس ارتباكاً وتخبطاً بل أكثر من ذلك فشلا في تحقيق أهداف السياسة التركية في الخارج .

لقد سعت تركيا إلى التصرف تجاه شعوب المنطقة كما لو أنها لا تزال ولاية عثمانية . ولايزال مستشار أردوغان إبراهيم قالين يرى أن الروابط البشرية بين السكان في الجانب السوري من الحدود مع تركيا مع السكان في المقلب التركي أساس السياسة التركية تجاه سوريا، كما لو أن هؤلاء السكان ليسوا تابعين لدولتين مستقلتين ولا حدود جغرافية بينهما .

لقد خسرت تركيا سوريا وخسرت الأردن الذي اتهم ملكها أردوغان بأنه شريك للإخوان المسلمين في مصر في “هلال إخواني”، وخسرت تركيا من جراء موقفها السلبي من أحداث مصر كلاً من السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى . وهي كانت خسرت العراق وإيران . وأوصلت الوضع في سوريا إلى درجة ظهور كيانية كردية تشكل لتركيا “فوبيا” لا تنتهي . ومن بعد ذلك تأتي لتقول إنها تدعم أكراد سوريا، فيما هي لا تلتفت إلى أكرادها في الداخل التركي . وتعد أكراد سوريا بالدعم اللازم من أجل مواجهة “جبهة النصرة”! كلها مواقف لا تركب ،كما يقال، على قوس قزح .

في خلاصة الكلام إننا أمام سياسة خارجية تركية أشبه بلوحة سريالية ليس لها شكل ولا مضمون رسمت بيد رسام منفصل عن الواقع لم تحرك ريشته إلا خيالات مريضة وأوهام جنون العظمة، فكانت النتيجة الطبيعية أنه عاش منعزلاً ومعزولاً ليس أمامه سوى انتظار أن يلفظ أنفاسه الأخيرة .

*محمد نور الدين -الخليج