الامام الصادق(ع) محيي السنة المحمدية ومجدد علوم الشريعة الالهية

الامام الصادق(ع) محيي السنة المحمدية ومجدد علوم الشريعة الالهية
الأحد ٠١ سبتمبر ٢٠١٣ - ٠٥:١٩ بتوقيت غرينتش

في المدينة المنورة في السابع عشر من شهر ربيع الاول سنة ثلاث وثمانين من الهجرة، ولد الامام جعفر بن محمد عليه السلام.

وترعرع الصادق في ظلال جده الامام السجاد عليه السلام وابيه الامام الباقر عليه السلام وعنه أخذ علوم الشريعة ومعارف الاسلام.
وهکذا فان الصادق عليه السلام يشکل مع آبائه الطاهرين حلقات متواصلة مترابطة متفاعلة، حتی تتصل برسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، فهي تشکل مدرسة وتجربة حية يتجسد فيه الاسلام الاصيل وتطبق فيها احکامه وتحفظ مبادئه.   
فان الائمة من اهل البيت عليهم السلام ورثوا العلم ابنا عن أب الی علي بن ابي طالب عليه السلام الذي قال رسول الله (ص) فيه: (انا مدينة العلم وعلي بابها).
وهو بذلك ينتهي الی رسول الله (ص) وهو الوارث لعلومه ومعارفه. من هنا کان الامام الصادق (ع) يحمل الاسلام بنقائه وصفاته کما نزل علی رسول الله (ص) وبلغه، ولذا قصده العلماء من کل مکان يبغون علمه ويرجون فضله حتی جاوز عدد تلاميذه آلالاف الذين نقلوا العلم الی مختلف الديار فکان الصادق بحق محيي السنة المحمدية ومجدد علوم الشريعة الالهية.
کانت شخصية الامام العظيمة بما تجسد فيها من هدي الاسلام وبما حملت من نور تجذب الناس اليه وکان بما حمل من علم وفهم وخلق واخلاص لله تعالی يذکرهم بسيرة الرسول الاکرم (ص) والسابقين من اهل بيته عليهم السلام. 
ولم يحتل احد المکانة المرموقة والمقام السامي في عصر الامام جعفر بن محمد عليه السلام کالمکانة التي احتلها هو. فعامة المسلمين وجمهورهم کانوا يرون جعفر بن محمد (ع) سليل بيت النبوة وعميد اهل البيت ورمز المعارضة للظلم والطغيان الاموي والعباسي وحبه والولاء له فرض علی کل مسلم مصداقا لقوله تعالی: (قل لا أسالکم عليه أجرا إلا المودة في القربی)  الشوری/23 .
ففي حياة الامام الصادق عليه السلام وفي اواخر الحکم الاموي ازداد ظلم الامويين واشتد إرهابهم وتعاظمت نقمة الامة عليهم وکان طبيعيا - کما يشهد التاريخ - ان يکون آل البيت هم الطليعة والقيادة والشعار المحبوب لدی جماهير الامة.
لذا بدأت الحرکة ضد الحکم الاموي باسم آل البيت، وأعلن دعاتها انهم يدعون لعودة الخلافة الامامة لاصحابها الشرعيين، وانهم يدعون الی الرضا من آل محمد (ص) اي الی من هو اهل للامامة والخلافة من ذرية فاطمة بنت محمد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم.
ومع ذلك فاننا نشهد بعد الامام الصادق عليه السلام عن هذه المعرکة وانسحابه من المواجهة المکشوفة لانه کان يعرف النتائج التي ستنتهي اليه الحوادث، فهو يعرف ان الشعارات زائفة والدعوة مبطنة ليست صادقة في مدعاها وان اهل البيت سيکونون هم الضحية بعد ان يسيطر العباسيون علی الحکم لذا حذر العلويين من الاندفاع خلف الشعارت والانخداع بها.
وصدق الامام عليه السلام، فقد وقع ما اخبر وحدث ماکان يحذر منه.
وقد عاصر الامام کل الادوار السياسية في تلك الفترة وشاهد بنفسه محنة آل البيت عليهم السلام وآلام الامة وآهاتها وشکواها وتململها، الا انه لم يکن ليملك القدرة علی التحرك ولم يستطع المواجهة لاسباب عديدة.
لذا راح الامام عليه السلام يربي العلماء وجماهير الامة علی مقاطعة الحکام الظلمة ومقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي والتفقه في احکام الشريعة ومفاهيمها ويثبت لهم المعالم والأسس الشرعية والواضحة کقوله علیه السلام: (العامل بالظلم والمعين له والراضي به شرکاء ثلاثتهم) الاصول من الکافي ج 2 .
بعد سقوط الدولة الاموية واستيلاء العباسيين تنکر العباسيون لآل اليیت عليهم السلام وراحوا يفتکون بهم بعد ان کانت دعوتهم تتستر تحت شعار الدفاع عن آل البيت (ع) وتعرض مظلوميتهم وتستميل الناس بحبهم.
عانی العلويون اشد المعاناة کما عانی غيرهم من ظلم بني العباس وجورهم واستبدادهم حتی ان خليفتهم الاول (ابا العباس) سمي بالسفاح لکثرة ما اراق من الدماء واشتدت المحنة علی الامام الصادق عليه السلام وضيق عليه.
وحينما تولی ابو جعفر المنصور الخلافة ازدادت مخاوفه من الامام الصادق (ع) واشتد حسده لتفوق شخصية الامام عليه السلام وعلو منزلته في النفوس وذيوع اسمه في الآفاق وشموخ مکانته العلمية.
لذلك عمد المنصور الی استدعاء الامام الصادق (ع) وجلبه من المدينة الی العراق عدة مرات ليحقق معه ويتاکد من عدم قيادته لحرکات سرية ضد الحکم العباسي.
وکم حاول المنصور ان يستميل الامام الصادق (ص) الی جانبه، إلا انه فشل لان الامام عليه السلام کان يفرض مقاطعة علی الحکم العباسي وکان يعرف ان مقاطعته ترسم موقفا شرعيا للمسلمين وتکشف انحراف السلطة فتضعف مرکزها في النفوس.
وقد کتب المنصور الی الامام الصادق عليه السلام يطلب فيه قرب الامام عليه السلام ومصاحبته ومما جاء في الکتاب:  (لِم لا تغشانا کما يغشانا الناس)؟.
فکتب اليه الصادق عليه السلام: (ليس لنا ما نخافك من اجله، ولاعندك من أمر الاخرة ما نرجوك له، ولا انت في نعمة فنهنئك، ولا نراها نقمة فنعزَيك).
فکتب اليه المنصور: (تصحبنا لتنصحنا).
فأجابه الصادق عليه السلام: (من أراد الدنيا لاينصحك، ومن أراد الاخرة لايصحبك).
وقد ذکرت بعض الروايات ان المنصور نوی قتل الامام عليه السلام اکثر من مرة، إلا ان الله سبحانه وتعالی دفع عن الامام ذلك.
فقد روی ابن طاووس في کتابه نهج الدعوات ان المنصور استدعی الامام الصادق (ع) سبع مرات لفتك به ونجاه الله من کيده .
هکذا عاش الامام الصادق عليه السلام هذه الاجواء السياسية المضطربة في جو مشحون بالعداء والارهاب والتجسس والملاحقة إلا انه استطاع بحکمته وقوة عزيمته ان يؤدي رسالته وان يفجر ينابيع العلم والمعرفة ويخرج جيلا من العلماء والفقهاء والمتکلمين.
والذي يتابع منهج الامام عليه السلام، ومهمته العلمية يکتشف ان الامام کان يستهدف بعمله ومدرسته الاهداف الآتيه: 
اولا- حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية الالحادیة والمقولات الضآلة، کالزنادقة والغلو والتأويلات الاعتقادية التي لاتنسجم وعقيدة التوحيد.
وقد جاهد الامام الصادق (ص) وناضل من اجل الدفاع عن عقيدة التوحيد ضد الملاحدة والزنادقة، کما جاهد ضد الغلاة الذين حاولوا ان يتستروا تحت اسم اهل البيت عليه السلام ويخلعوا عليهم صفات الربوبية والالوهية.
وقد برأ الامام عليه السلام من هؤلاء الخارجين علی عقيدة التوحيد کما برأ آباؤه عليهم السلام من قبل.
ثانيا- نشر الاسلام وتوسيع دائرة الفقه والتشريع وتثبيت معالمها، وحفظ اصالتها إذلم يروا عن احد الحديث ولم يؤخذ عن امام من الفقه والاحکام ما اخذ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.
بعد هذا العمر الملیء بالعلم والعمل والسعي والجهاد والفضل والتقوی فارق حفيد الرسول الاعظم الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الحياة مسموما مظلوما محتسبا منيا الی الله تعالی صابرا علی کل ما اصابه من ظلم وجور منيرا للامة طريق سعادة الدارين، رافعا للاجيال راية الکفاح من اجل الحفاظ علی شريعة الله تعالی، ومقاومة کل ضلال وانحراف او بدعة او هوی.   
ودس إلى الإمام الصادق عليه السلام السم في زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور الدوانيقي، فاستشهد مسموماً في الخامس والعشرين من شوال 148 هـ ،وکانت شهادته عليه السلام بالمدينة المنورة ودفن في مقبرة البقيع مع ابيه وجده وجدته فاطمة الزهراء عليها السلام وعمه الحسن السبط بن علي عليه السلام.

تصنيف :