زوّار دمشق: الأسد مرتاح

زوّار دمشق: الأسد مرتاح
الأحد ١٣ أكتوبر ٢٠١٣ - ٠٤:٠٨ بتوقيت غرينتش

"مرتاح تماماً الرئيس بشار الأسد".. هذه العبارة المشتركة بين كل من زار أو اتصل بالرئيس السوري، وهي أيضاً الخلاصة المشتركة التي يخرج بها الصحافيون الذين أجروا لقاءات معه.

لكن السؤال هنا: ما هو سر هذا الارتياح؟
حسب زوار دمشق، والمتابعين عن قرب للتطورات السورية، هذه الطمأنين مردّها إلى عدة أسباب، أبرزها:

- الوضع الميداني: حيث حقق الجيش العربي انتصارات نوعية وباهرة في مختلف المواقف والمناطق، وآخرها فك الحصار عن مدينة حلب، والذي كان المسلحون قد فرضوه على المدينة منذ عدة أسابيع، ما يعني أن ذلك سيكون إيذاناً بمرحلة جديدة من العمليات الميدانية للجيش، ستتدحرج ككرة الثلج، سواء في المدينة أو محيطها أو ريفها، في نفس الوقت الذي يحقق إنجازات وانتصارات نوعية في مختلف المناطق، خصوصاً في ريف دمشق، ودرعا وريفها، وأرياف حمص واللاذقية وإدلب، وغيرها.. مع تسجيل مزيد من الفشل العسكري في مختلف الميادين للعصابات المسلحة التي أخذت تنهش بعضها بعضاً وتتسابق على أعمال السرقة والنهب وفرض الخوات، مما أحدث تحوّلاً نوعياً على المستوى الشعبي الذي يزداد التفافاً حول القيادة الوطنية السورية، في نفس الوقت الذي أخذ العديد من المسلحين يفرّون من التنظيمات العسكرية، وأخذ بعضهم يلتحق بالجيش العربي السوري مقاتلاً، وبعضهم من استشهد في مواجهة العصابات المسلحة، التي أصبح أكثر من 60 بالمئة من عناصرها من جنسيات عربية وأجنبية.

- الارتياح لموقف الحلفاء، خصوصاً الروسي والإيراني والمقاومة، حيث بات مؤكداً أن الحليف الروسي أبلغ الأبعدين والأقربين أن الدولة الوطنية السورية وقيادة الرئيس الأسد "خط أحمر"، حتى أن التركي والأميركي اللذين حاولا أن "يتشاطرا" بطرح انسحاب الرئيس الأسد من السلطة تدريجياً، تلقيا من موسكو جواباً حاسماً بأن صناديق الاقتراع مع نهاية ولاية الأسد الحالية هي التي تقرر، وأُبلغت واشنطن وأنقرة وغيرهما من عواصم العداء لسورية أن افتراض الانسحاب التدريجي أو غيره ليس وارداً وليس له تعريف في قاموس الدبلوماسية الروسية.


أما الحليف الإيراني فإنه تمكن بدبلوماسيته الثابتة والهادئة والقوية من خلق توازنات هامة على مستوى المنطقة، سواء جراء القدرة والقوة المتناميتيْن للدولة الإسلامية الإيرانية، أو في تمكّنها من فتح قنوات اتصال متنوعة مع عدد من دول المنطقة، خصوصاً الخليجية منها، قد تُحدث في المستقبل القريب تحولاً نوعياً يمكن الاستثمار عليه، لاسيما أن طهران نجحت في احتواء التهديدات الأميركية بشأن برنامجها النووي، وحوّلت الصراخ "الإسرائيلي" إلى عويل في الوادي.


وبرأي زوار دمشق، فإن حلفاء عاصمة الأمويين ما كانوا بهذا الصمود وهذه القوة لولا النتائج الميدانية الحاسمة التي تمكّن الجيش العربي السوري من تحقيقها، خصوصاً على المحاور الاستراتيجية في مختلف المناطق، وتحديداً في ريف دمشق وحلب وحمص ودرعا وريف إدلب والرقة الخ..، حيث قُتل مئات من المسلحين وقضي على العديد من قياداتهم الأساسية.

هذا التحوّل والتقدم النوعييْن لدمشق وحلفائها جعل أعداءها وأخصامها في تباين وارتباك، فالسعودية وفرنسا وتركيا لم يتمكّنوا حتى الآن من "هضم" انتصارات الجيش السوري، بالرغم من الإرباك والخوف اللذين بدأا يدبّان فيهم من إمكانية ارتداد الإرهاب عليهم، والذي يتجلى بشكل خاص في تركيا، التي شرعت في نصب جدار فاصل بعلو مترين على الحدود التركية - السورية في منطقة نصيبين، لمنع تسلل السلاح والمسلحين إليها، بعد أن أسهمت حكومة أردوغان في توريدهم إلى سورية، وبالتالي ماداموا لم يتخلوا عن أوهام إسقاط الدولة الوطنية السورية، فلا حساب لهم في مؤتمر "جنيف-2"، وبذلك يصبح حالهم كحال المجموعات المسلحة من "القاعدة" وفروعها؛ لا مكان لهم في "جنيف".


وإذا كان القرار الأممي بشأن الترسانة الكيميائية السورية قد نص على ضرورة وقف تهريب السلاح والمسلحين إلى سورية، فإن دمشق لن ترضى حضور أي دولة إلى "جنيف" إلا بموجب التزامها الواضح بوقف التمويل والتسليح وتهريب المسلحين، كما أنها لن تتسامح بحضور معارضة لم توقف القتال والانضمام إلى الحرب وإلى "القاعدة"، علماً أن الدول المعادية لسورية، سواء الخليجية أو تركيا أو فرنسا، كانت فرصتها الأخيرة في تحقيق ولو نصر محدود على الدولة الوطنية السورية تقوم على الرهان بحرب أميركية وأطلسية على سورية، لكن مع تراجع فرص هذا العدوان، فإن حصتها من كعكة العدوان أصبحت صفراً.

ثمة حقيقة هنا باتت واضحة، وهي أن الحل السياسي قادم إلى سورية طال الوقت أم قصر، لكن الواضح أن هذا الحل أوله عسكري، وآخره حسم عسكري، وهو ما بدأت القيادة السورية به وستنجزه، ودمشق تقوم باستثمار متميز في التوازنات الجديدة التي فرضتها مع حلفائها المخلصين، وفي ظل التحولات الجارية إقليمياً ودولياً، وبهذا تواصل القيادة السورية برئاسة بشار الأسد إدارة الصراع بذكاء سياسي نادر، واستراتيجي مميز، وحزم يثير الدهشة والإعجاب... والاحترام أيضاً.

 *أحمد زين الدين