الإتفاق النووي .. إنتصار إرادة

الإتفاق النووي .. إنتصار إرادة
الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠١:٣٧ بتوقيت غرينتش

لم يكن الإتفاق النووي الذي توصلت اليه إيران ومجموعة 5+1، فجر الاحد الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني نوفمبر في جنيف ، نتيجة حنكة المفاوض الإيراني ، وان كان ذلك لا يُنكر ، بقدر ما كان نتيجة للقوة الهائلة التي كان يشعر بها هذا المفاوض والمستمدة من قوة الحق ومن التاييد الشعبي الكاسح ومن الدعم والثقة الممنوحة له من أعلى قمة القيادة في إيران.

هذه القوة التي ضاعفت من قوة المفاوض الايراني ، استشعرتها ايضا القوى العالمية الكبرى دون استثناء ، وهي بالتحديد جعلت هذه القوى تتفاوض مع إيران إنطلاقا من مبدأ الندية ، وهو ما افضى بالتالي الى ان يعترف الغرب والعالم اجمع بحق الشعب الايراني بتخصيب اليورانيوم ، الذي يعتبر حلقة مهمة من حلقات النهضة العلمية التي تشهدها ايران منذ اكثر من ثلاثة عقود.
لم يسجل التاريخ المعاصر ان تتفق اكبر القوى العالمية دون استثناء ، على الاعتراف بحق تخصيب اليورانيوم ، وهو حلقة من حلقات التطور العلمي المتقدمة ،  لبلد لا يعارض بشدة هيمنة و تبعية و تدخل هذه القوى في شؤونه الداخلية فحسب بل يناهض ويقف عمليا في وجه هذه السياسية في اكثر منطقة من مناطق العالم.


العارفون بخفايا السياسة الامريكية والغربية ، التي تنخرها اللوبيات الصهيونية ، ماذا يعني ان يطلب  الغرب وعلى راسه امريكا وفرنسا اولاند وفابيوس وما ادراك ما اولاند وفابيوس ، من إيران الا تواصل تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة ، وان تواصله بنسب دون ذلك ، خلال ستة أشهر فقط ، انه اعتراف صريح بحق ايران بالتخصيب وبفشل السياسة الاسرائيلية في تشويه صورة ايران وقبل كل هذا وذاك فشل سياسة الحظر الاميركي والغربي الظالم ضد الشعب الايراني.
اذا كان الاعتراف بحق التخصيب لايران ، والفشل الذريع الذي منيت به اسرائيل ، لا حاجة للخوض في تفاصيلهما لوضوحهما وضوح الشمس بعد اتفاق جنيف ، الا ان هناك من لايزال يشكك في حقيقة فشل سياسة الحظر الامريكي الغربي ضد الشعب الايراني ويعتقد ان هذه السياسة هي التي دفعت ايران الى الجلوس حول طاولة المفاوضات، لمثل هؤلاء نقول ، اذا كان الحظر قد انهك ايران وجعل اقتصادها يقترب من حافة الهاوية ، كما يعتقد المتطرف البليد نتنياهو ، وكل متطرف بليد ، ترى لماذا تراجع اوباما عن هذه السياسة وهي يرى بأُم عينه ان عدوه اللدود ينهار؟!  لما ضيع اوباما هذه الفرصة التاريخية والاستثنائية؟! لماذا كان اوباما هو السباق الى فتح قنوات للاتصال مع ايران كما هو معلوم للقاصي والداني ؟! ، يكفي ان يبحث هذا البعض عن اجوبة هذه التساؤلات ليخرج بنتيجة واحدة وهي : ان هذه الادارة تعرف ما لايعرف امثال نتنياهو ، وهي ان ايران اقوى بكثير مما يتصور هؤلاء ، وان القوة مهما كانت ، لن تكون بحال من الاحوال اللغة التي يمكن التفاهم من خلالها مع الايرانيين ، فالشعب الايراني لا يصغي الا لمن يحترمه ويتحدث معه بلغة التكريم والاحترام ، وهذا ما فهمه الغرب ولكن في وقت متأخر للاسف الشديد.


رغم ان اتفاق جنيف ليس الا خطوة صغيرة على طريق طويل لبناء الثقة بين ايران والغرب ، الذي اراد حرمان الشعب الايراني من حقه في التحرر من التبعية والانعتاق من التخلف ، الا انه  يمكن النظر اليه كتمرين اولي وعملي للغرب على الحوار مع الشعب الايراني ، بعد ان كانت طاولة الغربيين تفوح منها على الدوام رائحة البارود التي لم تزكم الا انوفهم.
اخيرا ، سيتحول اتفاق جنيف الى درس لشعوب وحكومات العالم بلا استثناء ، مفاده ان الغرب لا يحترم الا الاقوياء وان الحق لا يُمنح بل يؤخذ بعد عناء ، فالحق لا يعود الى اهله في ظل النظام السياسي الذي يسود عالم اليوم ، الا بعد ان يُراق على جوانبه الدماء والتضحيات الجسام ، فاتفاق جنيف النووي هو قبل كل شيء انتصار ارادة .. ارادة الشعب الايراني الذي لم يُفرط ولن يُفرط بحقه مهما كانت التضحيات.


ماجد حاتمي