العوامل التي تدفع أنقرة لإصلاح علاقاتها مع بغداد

العوامل التي تدفع أنقرة لإصلاح علاقاتها مع بغداد
الجمعة ٢٩ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠١:١٨ بتوقيت غرينتش

من الواضح أن التطورات والتحولات المتسارعة على الصعيدين، الدولي والإقليمي فرضت نفسها على العلاقات التركية العراقية المتوترة منذ خروج القوات الاميركية من العراق، بسبب إقدام حكومة رجب طيب اردوغان على ممارسة سياسية التدخل في شؤون العراق الداخلية واللعب على تناقضاته وتغذيتها

وبدا واضحاً أن الزيارة الأخيرة لوزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو إلى بغداد واجتماعه مع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي وإطلاقه تصريحات تؤكد عزم بلاده على اصلاح العلاقات بين البلدين، وتوجيه اردوغان الدعوة للمالكي لزيارة أنقرة، تشكل تطوراً لافتاً تؤشر إلى اتجاه تركي واضح نحو إزالة أسباب التوتر في العلاقات الثنائية، وذلك بعد إن أدركت أنقرة ضرورة ملاقاة المتغيرات الدولية والإقليمية التي تفرض عليها إعادة النظر في سياساتها وأنه آن أوان التسويات، خاصة بعد التفاهمات الاميركية الروسية بعقد جنيف اثنين لحل الأزمة السورية، والتقدم الحاصل في الملف النووي الإيراني، وعودة العلاقات بين الدول الغربية وإيران، حتى قبل إعلان التوصل إلى اتفاق بشان البرنامج النووي، والذي تشير المفاوضات الجارية في جنيف والإشارات الاميركية المتواترة، بعد زيارة مدير وكالة الطاقة النووية لإيران، وتأكيده تعاون طهران مع الوكالة والتزامها، إلى انه بات وشيكا وان ما يجري إنما هو تمهيد المناخ للإعلان عنه.

لكن هل تكفي زيارة اوغلو إلى بغداد وذهاب المالكي إلى أنقرة حتى نقول إن صفحة جديدة في العلاقات قد فتحت ؟ الزيارات وتبادل المواقف الايجابية تشكل مؤشراً على تبديد مناخات التوتر بين الجانبين، غير أن إعادة وصل العلاقات وتحقيق انفراج حقيقي فيها مرهون بالضرورة بإزالة الأسباب التي أدت إلى توترها، وهذه الأسباب هي:

1 ـ انتهاك تركيا سيادة واستقلال العراق عبر نسج علاقات سياسية واقتصادية وتجارية مع منطقة كردستان في شمال العراق بعيداً عن أي اتفاق، أو التنسيق مع الحكومة المركزية في بغداد، لا سيما استثمار شركة جينيل التركية النفطية في حقول النفط في كردستان العراق بالاتفاق مع حكومة مسعود البرزاني في شمال العراق، واستيراد تركيا النفط والغاز منه، من دون التعاون المباشر مع الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي، وإقدام أنقرة على تحريض حكومة كردستان العراق على التمرد على الدولة المركزية عبر تطوير العلاقات التجارية معها.

2ـ قيام حكومة اردوغان باللعب على وتر التناقضات الداخلية العراقية عبر تبني ودعم قوى عراقية معارضة لحكومة نوري المالكي، واحتضان نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الملاحق والمطلوب للقضاء بتهم الوقوف وراء عمليات إرهابية حتى أنه وصل الأمر بـ اردوغان أن يمارس التحريض على الفتنة الطائفية والمذهبية في العراق، واتهام المالكي باستهداف السنة... الخ.

3 ـ إخلال تركيا باتفاقية توزيع مياه نهر الفرات مع دول جوار الممر والمصب مما أدى إلى تقليص حصة العراق من المياه، وإلحاق الأذى به.

4 ـ تسهيل الحكومة التركية مرور عناصر تنظيم القاعدة عبر أراضيها إلى العراق حيث يقومون بتفجيرات في المدن والبلدات العراقية تستهدف هز الاستقرار وإثارة الفتنة. من هنا يطرح السؤال هل يقدم اردوغان على وقف تدخله بشؤون العراق واحترام سيادته وحقوقه؟.

من الواضح أن أنقرة لها مصلحة في إعادة النظر بهذه السياسية المتبعة مع العراق،لعدة أسباب:

السبب الأول: السعي لتعويم دورها الإقليمي الذي يشهد تراجعاً ملحوظاً بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، وتبدد أحلام اردوغان في استعادة أمجاد السلطنة العثمانية الغابرة، وهذا الأمر يفرض على حكومة اردوغان تنقية علاقاتها مع دول جوارها، لا سيما العراق، وما يدفع بهذا الاتجاه يقاطع المصالح الأميركية العراقية، والأميركية الإيرانية، والذي لا تستطيع أنقرة أن تكون خارجه خاصة وأنها حسمت خياراتها السياسية بما ينسجم مع الإستراتيجية الاميركية، بعد فترة من الصراع الداخلي جعلها تتأرجح بين توجهين، توجه استقلالي عن أميركا وإسرائيل، وتوجه يرفض ذلك ويريد أن تبقى تركيا منخرطة في المشروع الأميركي، مع لعب دور أساسي فيه وليس هامشياً..

السبب الثاني: اقتصادي وينبع من مصلحة تركيا في إنعاش اقتصادها المتأزم نتيجة توتر علاقاتها مع دول الجوار وتحول سياسة تصفير المشاكل إلى سياسة إحياء المشاكل، ومعروف أن العراق يملك ثروة نفطية وغازية هائلة تجعله مصدر اهتمام الشركات العالمية، ومنها التركية، الباحثة عن الاستثمار، وكذلك يملك العراق سوقاً استهلاكية كبيرة ناتجة عن عدد سكانه الكبير (26 مليون نسمة)، ووجود قدرة شرائية توفرها العائدات النفطية الكبيرة، والتي تجعل موازنة العراق تفوق المائة مليار دولار.

السبب الثالث: داخلي ويكمن في اقتراب مواعيد الانتخابات البلدية والرئاسية في تركيا، فيما حزب العدالة والتنمية يعاني من تراجع في شعبيته نتيجة اشتداد الازمات الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتصاعد قوة المعارضة ضده، ولهذا فان اردوغان الساعي إلى الترشح لرئاسة الجمهورية، وإجراء اصلاحات دستورية تحول النظام التركي إلى نظام رئاسي، ليأتي رئيساً فعلياً وليس شكلياً، يحتاج إلى معالجة هذه الازمات والحد منها لإعادة تعويم شعبيته المتراجعة، والمدخل إلى ذلك وضع حد لسياسة توتير العلاقات مع دول الجوار وفي المقدمة منها العراق. على أن تحقيق هذه الأهداف الكامنة وراء انفتاح حكومة اردوغان على حكومة المالكي يحتاج إلى خطوات عملية وليس فقط إلى تصريحات معسولة.

فحكومة المالكي لن تقبل بإعطاء تركيا شيكا على بياض، بعد أن عانت من سياسة التدخل الاردوغانية في شؤون العراق الداخلية، وهي تريد افعالاً لا اقوالاً فقط، ولهذا فان الكرة هي في ملعب اردوغان المطالب اليوم بترجمة سياسة المصالحة مع المالكي إلى خطوات عملية تزيل الأسباب التي أدت إلى توتير العلاقات بين البلدين. المعلومات التي رشحت عن الاتصالات التركية العراقية، التي جرت مؤخراً بعيداً عن أضواء الاعلام، تحدث عن قيام المسؤولين الأتراك بممارسة النقد الذاتي لسياستهم الخاطئة تجاه العراق، وتحميل المسؤولية في ذلك لـ احمد داود اوغلو، وتأكيدهم لنظرائهم العراقيين أنهم سيبدأون سياسة جديدة لاصلاح هذه السياسة الخاطئة، وهو الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عما إذا كان اردوغان يحضر إلى التضحية بـ اوغلو وتقديمه كبش فداء كمقدمة لاصلاح علاقاته مع العراق ولتعويم حزبه في الداخل التركي ؟.
 

*حسين عطوي  - صحيفة الوطن